يمر العالم اليوم بأزمات اقتصادية وحروب، فيجد الإنسان نفسه أمام كمّ هائل من كلمات وصور لا تعكس في الغالب إلا تشاؤماً وكآبة. فنجد كلمات عابرة مفعمة بالتشاؤم من قادم لم نخبره أو نعاينه تتسبب في قتل روح الطموح، وتجميد الطاقات، وتبديد مكامن الإبداع والإرادة، وتتعفن مفردات الحياة!
فمن يكون لنا نجماً زاهراً من الأمل يتراءى لنا في سماء حياتنا، فيملأ أعيننا نوراً وقلوبنا سروراً لنحقق مراد الله منا في هذه الحياة من حسن تعمير، وتطوير، ومنع تدمير؟!
لا أعلم في السنّة النبوية حديثاً يقول "تفاءلوا خيراً تجدوه"، لكن أعلم أن السنّة النبوية مليئة بالنصوص التي تحث على التفاؤل مهما كان الواقع كئيباً، فقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا عدوى وَلَا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ. قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الطيِّبة" ، وفي صلح الحديبية لما جاء سهيل بن عمرو يفاوض عن قريش، استبشر النبي -صلى الله عليه وسلم- باسم سهيل، وقال: لقد سهل لكم من أمركم!
وأتذكر ذات مرة صعد خطيب مفوّه للغاية يمتلك ثقافة عالية، ولغة جسد يُحسد عليها، لا يصرخ في وجه المصلين ليحدّث الناس عن الأمل والتفاؤل، بأسلوب راقٍ يستهدف كل شرائح المصلين، فقد فهم منه الفلاح البسيط والعامل النشيط والمثقف الحويط، وكانت هي المرة الأولى التي أرى فيها خطيب جمعة يستشهد بنصوص من كتب المؤلف الأمريكي ديل كارنيجي وغيره من دعاة الأمل والتفاؤل حول العالم.
المهم في تلك المرة صادفت أن يقرر والد صديق لنا تغيير مسجده المفضل، ويصلي بهذا المسجد، وكان -رحمه الله- مريضاً في أيامه الأخيرة.
لقد دخل الرجل المسجد شاحب الوجه نحيل الجسد متعب البال ضرير الحال، يعلو التوتر وجهه بصورة لافتة من نظرات الناس المشفقة، وخرج بوجه مبتسم مضيء ونفس مطمئنة، وصار يمازحنا بأسلوبه الذي عوّدنا عليه قبل أن يداهمه المرض!
ما زلت أذكر هذه الخطبة وهذا الموقف رغم مرور سنوات طويلة، واستدعته الذاكرة الآن في ثنايا المحزنة التي نعيش فيها جراء العديد من الأزمات.
فليعلم البارعون في نصب المحازن والكربلائيات أن كل البشر في بلاء عظيم، وكل إنسان لديه من المنغصات ما يسد عين الشمس، حتى لو بدا للناس فرحاً مسروراً، فليقللوا من نشر الأخبار السيئة وتوقع الأسوأ..
والبطل في هذا الزمن من يسعى لتعزيز الطاقة الإيجابية في قلوب الناس تتجاوز ما يكفي لصهر المشاعر لتحولها إلى بيضاء اللون، ناعمة الملمس قابلة للطرق والسحب؛ لتتشكل منها منتجات السعادة له وللآخرين، حتى وإن كان عاجزاً عن الوصول إلى ما يصبو إليه، فلا أقل من ألا يحرم الآخرين من الأمل، فقد لا يملكون غيره!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.