قبل أن تبدأ هذه المقارنات الطويلة، التي لا تتوقف، بين النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو والأرجنتيني ليونيل ميسي؛ كتبت الغارديان البريطانية على موقعها الرسمي في عام 2009، قبل نهائي بطولة دوري أبطال أوروبا بين نادي مانشستر يونايتد الإنجليزي وفريق برشلونة الإسباني، أن المواجهة تضم نجمين لا يتشابهان في أي شيء!
البرتغالي كريستيانو رونالدو، يبدو شخصاً واثقاً بنفسه للغاية؛ كل شيء فيه يوحي بذلك، واستخدمت مصطلح "the show man" لتصف كيف يبدو كريستيانو رونالدو، عكس النجم الأرجنتيني، يبدو خجولاً ومنطوياً، لا يظهر كثيراً خارج الملعب، واستخدمت مصطلح "the shy man" لوصف ليونيل ميسي.
قرأت في إحدى المرات، أن الغريب حول ليونيل ميسي طوال مسيرته، إذا بحثت عن أي مقال يُحلل أي شيء فيه، لا بد من أن تصطدم بكلمات ثابتة حوله: خجول، شخصيته ضعيفة، لا يُجيد الظهور خارج الملعب…إلخ.
وللأسباب المعنية نفسها؛ قال سيمون كوبر، الكاتب الإنجليزي المهتم بشؤون كرة القدم، في إحدى المرات، إن ما حدث لمسيرة ميسي أرغمه على التغير، وأن يُواجه حرارة الشمس الحارقة بانتقادات قد لا تكون منطقية، حتى وإن أراد أن يستريح في منطقة الظل الخاصة به، سواء في برشلونة أو في الأرجنتين.
ميسي انطوائي؛ هذه حقيقة لا شك فيها، لكن شخصيته كانت بحاجة إلى تغيير، وما حدث لبرشلونة على مدار فترة وجود ميسي، كان عاملاً رئيسياً في تحويل شخصيته من الانطوائية إلى الاجتماعية بشكل واضح.
كان سيمون كوبر يعرف بعض المعلومات المهمة بخصوص هذا الموضوع؛ إذ قال الرجل إن ميسي لم يكن يهتم بمن يُدرب برشلونة، حتى وإن جلبوا رجلاً من أحد المقاهي البعيدة عن مدينة برشلونة وأسدوا إليه مهمة تدريب الفريق.
لا يهتم؛ لذلك وجدنا أسماء غريبة تُدرب فريق برشلونة، ولا تتناول الجانب الفني نفسه في نادٍ مثل ريال مدريد على سبيل المثال؛ الفريق الذي قرر ألا يبتعد أبداً عن اختيار مدرب له باع في قارة أوروبا، أو لاعب سابق يتمتع بسجل قوي للغاية في عالم التدريب.
في برشلونة، تدرب ميسي تحت قيادة مساعد غوارديولا؛ جوردي رورا، الرجل الذي كان واقفاً على خط القيادة للفريق بعد إصابة المدرب الرئيسي للفريق بالسرطان، تيتو فيلانوفا، والذي هو في الأصل كان مساعداً لمدرب الفريق بيب غوارديولا.
في برشلونة، تدرب ميسي تحت قيادة مدرب أرجنتيني اسمه تاتا مارتينو، لم يكن يمتلك سجلاً لامعاً في وقته، في برشلونة تدرب ميسي تحت قيادة مدرب لفريق سيلتا فيغو؛ لويس إنريكي، في برشلونة تدرب ميسي تحت قيادة مدرب درب فريق أتلتيك بلباو؛ إرنستو فالفيردي، في برشلونة تدرب ميسي تحت قيادة مدرب كان يهتم بالأبقار التي يرعاها في مزرعته؛ كيكي سيتيين.
كل هذه الأمارات اتخذها سيمون كوبر في نظريته عنه؛ هذا الرجل لا يهتم حقاً بمن يقف على خط القيادة، بقدر ما يهمه جودة العناصر التي تركض معه وخلفه في الميدان، للسبب نفسه خرج ميسي بعد نكسة ليفربول في عام 2019 وقال في مؤتمر صحفي: "لم يكن خطأ المدرب، كانت مشكلة أفراد".
ميسي ليس كما تظنه…
نيمار سانتوس سينيور؛ الأب والد نيمار، قال في وقت ما، إن نيمار أراد بشدةٍ أن يُزامل ليونيل ميسي ولو لدقيقة، وهذا السبب هو ما دفعه للوصول إلى برشلونة في عام 2013 تحديداً، نافياً كل العروض الأخرى التي طلبته.
في الوقت نفسه، تحدث الأسطورة الهولندية، واللاعب والمدرب التاريخي في صفوف برشلونة ومدينة كتالونيا؛ يوهان كرويف، عن رفضه الشديد لوجود أكثر من نجم في فريق برشلونة: ميسي، نيمار، ثم وصل إليهم سواريز.
"السفينة التي لها أكثر من قبطان؛ تغرق"
بهذه العبارة استشهد يوهان كرويف على نظريته؛ وما هي إلا فترة وجيزة، حتى تآلف الثلاثي وكونوا أفضل ثلاثية لخط هجوم في تاريخ كرة القدم كله، ومن هنا نشأ التحالف اللاتيني: الأرجنتيني بقيادة ميسي، البرازيلي من نيمار، والأوروغوياني من خلال لويس سواريز.
كان على ميسي أن يرفع رداء العظمة عنه؛ إذا أراد أن ينسجم في نسيج هذا التناغم، وهو ما حدث فعلاً حيث تفاهم الثلاثي، بل أصبح ميسي يترك لنيمار ركلات الجزاء المهمة، التي كانت إحداها في ملعب قرطبة من الليغا الإسبانية موسم 2014-2015 حينما كان ميسي متقدماً في صراع الهدافين مع كريستيانو رونالدو بثلاثة أهداف، ثم ترك ركلة جزاء لنيمار ومنحه حق العودة من جديد، وفي النهاية خسر ميسي هذا السباق لصالح البرتغالي الذي ابتعد بفارق خمسة أهداف في نهايته.
وكان هذا السبيل هو الوسيلة لإظهار حبه الشديد لزملائه؛ حيث تحدثت تجربة اجتماعية عن قياس ثلاثة أفراد لهم الطقوس نفسها في فريق برشلونة: ميسي، نيمار، سواريز، وإذا أردنا أن نُحلل كل شخصية فيهم على حدة، فسنجد ميسي هو الشخص الأكثر عقلانية، حيث لا يتحدث كثيراً عن حبه لهذه الصداقة، ولا يضع صوراً على حساباته الرسمية لهذا الثلاثي بشكل مبالغ فيه، وأقل منه بدرجة هو الأوروغوياني لويس سواريز، وعكسهما كان البرازيلي نيمار دا سيلفا الذي قرر أن ينفجر في إظهار حبه لهذه الصداقة، وكان يضع صوراً لها من حين لآخر بشكل يبدو مبالغاً فيه، وبهذا يكون بُرهان ميسي مرهوناً بأمور لا تجذب الناس ولا تلفت الانتباه إلى ميدان عمله فحسب!
في الأرجنتين وفي كل مكان يُحبونه…
قال والد إيميليانو مارتينيز، إن ابنه كان موجوداً في مدرجات روسيا عام 2018، وكان حزيناً بشدة لإقصاء المنتخب الأرجنتيني من البطولة أمام فرنسا، وقرر إيميليانو أن يُصالح ميسي على طريقته، فقال إنه على استعداد لأن يفعل أي شيء من أجل أن يراه سعيداً.
رودريغو دي باول الأمر نفسه، وهو الرجل الذي قال إنه على استعداد لأن يذهب للحرب مع ليونيل ميسي إذا طلب منه ذلك، وأصبح على رودريغو دي باول أن يتغير ليفي بوعده، وهو ما حدث فعلاً، وتنظر إلى الفرحة في عيونهم في كل بطولة حققها المنتخب خلال السنوات الثلاث الأخيرة؛ تعرف جيداً أنهم كانوا صادقين فيما قالوا!
في أمريكا، وبعد أن قرر ميسي أن يُسدل الستار على الضغوطات الشديدة التي تعرض لها في قارة أوروبا؛ وجد فيها رجلاً يقولون له "جوزيف مارتينيز" وكان ميسي يعرفه، من الاحتكاك بمنتخب بلاده في تصفيات كأس العالم أو بطولة كوبا أمريكا؛ وهو فنزويلي بالمناسبة.
جوزيف مارتينيز كان على أعتاب الرحيل عن فريق إنتر ميامي هذا الصيف، وذلك من خلال عرض قدمه إليه الفريق الإنجليزي الصاعد حديثاً لمنافسات البريميرليغ نادي لوتون تاون؛ لكن، ولأسباب شرحها جوزيف مارتينيز بنفسه، قرر ألا يُغادر أمريكا أبداً، لسببين: أولهما هو وصول النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي، وثانيهما هو المدرب الأرجنتيني تاتا مارتينو.
ميسي؛ لأنه يعرف أن اللعب مع ميسي سيكون تجربة فريدة من نوعها بشكل كبير، وتاتا مارتينو؛ لأن تاتا قد دربه في السابق، ولاحظ الصحفيون في أمريكا أن جوزيف مارتينيز هو ردوريغو دي باول الجديد في صفوف إنتر ميامي الأمريكي.
يتتبع ميسي في كل مكان، ويُحاول أن يكون رفيقه الدائم حتى في تدريبات الفريق، وفي المباريات الأخيرة قرر ميسي أن يتخلى عن الرداء نفسه؛ رداء العظمة، ويترك ركلات الجزاء التي هي مهمته في المقام الأول في كل الفرق التي مثلها، لجوزيف مارتينيز الذي كان يمر بفترة حرجة.
بعد المباراة الأولى التي فعل فيها ميسي هذا الأمر، خرج جوزيف مارتينيز ليتحدث للإعلام عن أنه قد منح الكرة لميسي حينما مُنحت ركلة جزاء لفريق إنتر ميامي، وما كان من ميسي إلا أن أخبره بأن يُسددها بنفسه، وهو أمر جعله يشعر بالسعادة البالغة!
الجانب الأصعب في حياة الانطوائيين؛ أنهم يُعانون للبحث عن أصدقاء، وإذا ما وجدوا أشخاصاً يليقون بهم، فإنهم يتمسكون بهم تمسك الغريق بطوق النجاة، لقد كانت الانطوائية طول الوقت شبحاً لأولئك الذين خافوا الناس ويخشون التلعثم ويهابون التجمعات التي تكتظ بالبشر؛ لذا كان ميسي طوال حياته يُحب من تآلف معهم، وكان هذا الجزء المضيء في شخصية صوّره الإعلام على أنه باهت لا يستطيع التأقلم على الضغط.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.