يجب أن لا يكون ابنك نسخةً منك.. كيف يمكن تدبير الاختلاف بين الأجيال؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/08/13 الساعة 08:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/08/13 الساعة 08:29 بتوقيت غرينتش
صورة تعبيرية - shutterstock

كثير من الآباء يريدون من أبنائهم أن يكونوا نسخة كربونية منهم، وغالبية الأبناء يمضون في دأب للاستعلاء على الثوابت التي اعتاد عليها جيل الآباء عنداً وكبراً وجهلاً، فالأبناء من وجهة نظر الآباء متمردون مارقون، والآباء من وجهة نظر الأبناء متسلطون مستبدون.

هذه الأزمة تحديداً "الاختلافات بين الأجيال"، سبب في كثير من المشاكل التي تعصف بالمجتمعات قديماً وحديثاً، ولعل أبرز تجلياتها الآن في المعارك الدائرة بين الزوجات وأمهات أزواجهن، في ظل ضعف سيطرة واضحة من الزوج؛ فجيل الأمهات الحالي نشأ في بيئة مغايرة للبيئة التي نشأت فيها الزوجات، على ما تحمله كل بيئة من مفردات وصور وأشكال وأنماط حياتية.

لا الزوجة تريد أن تعطي لنفسها فرصة الوصول إلى هذا الزمن الغابر لتدرك بعض معطياته؛ لعل ذلك يفيدها في اختيار النمط الصحيح في التعامل، ولا تملك أم الزوج القدرة على التكيف السريع مع الواقع الحالي بتعقيداته التي انعكست على التكوين النفسي والعقلي للبنات.

الاختلاف بين الأجيال
الاختلاف بين الأجيال – shutterstock

وقد أدرك الإمام محمد عبده أن هناك اختلافات تظهر بين كل جيل وآخر، تحدث هذه الاختلافات شروخات كبيرة في العلاقات والتصورات والمآلات.. فنادى بأعلى صوته بحتمية تغيير المناهج التعليمية في الأزهر.

ومن قبل الإمام محمد عبده، حث أفلاطون وقبله سقراط الناس على ضرورة أن يربوا أبناءهم بغير التربية التي تربوا هم عليها؛ لأن أبناءهم وُلدوا في زمان غير زمانهم؛ ذلك أنه أدرك أن الزمن متغير فاعل وتغايره يقود إلى تغاير حتمي في التصورات والأفكار والرؤى.

و لا يقتصر هذا فقط على الأفراد، بل نرى المشكلة نفسها بين الشعب والسلطة، فلا زال الإعلام الرسمي لبعض الدول فضلاً عن الكيانات، ينادي جماهيره بالخطاب ذاته الذي اعتاد عليه قبل عقود، بينما جل الجماهير تكون قناعاتها وتصوراتها من السوشيال ميديا بمفهومها الواسع.

خلال الأسبوع الماضي، لا أقرأ إلا في الفلسفة اليونانية، ووقفت من خلال القراءة على كثير من معالم قوة مدينة أثينا وديمومة حضارتها، ومعالم ضعف مدينة إسبرطة وخوار أركانها رغم أن الأخيرة كانت ذات العضلات الأقوى.

وكيف كانت العلاقة بين الأستاذ أفلاطون وتلميذه النجيب أرسطو مثالاً واضحاً على الاختلاف الكبير في المنهجية وطريقة الاستدلال، حيث تبرز "مثالية" أفلاطون وتتألق "واقعية" أرسطو.

لقد كان الإسكندر الأكبر تلميذاً نجيباً لأرسطو، وكان أرسطو تلميذاً نجيباً لأفلاطون، فلولا أفلاطون بمثالياته، ما وجد أرسطو بواقعيته، ولولا أرسطو بنظرياته ومهاراته وخبراته ومرونته العالية في التعامل مع الأشياء ما كان هناك قائد جبار بحجم الإسكندر الذي أقام إمبراطوريات ضخمة وصلت في بعض الأحيان إلى بلاد الهند والسند.

إذن، هي سلسلة متصلة من الإنجازات البشرية، جيل يخلف جيلاً، وخبرات تتراكم تصنع إنجازات، وعماد الإنجازات الفكر، فلولا الفكر وتأصيل النظريات ما وجدت الإنجازات.

ألا فليرحم الآباء أبناءهم، وليجدوا مسلكاً لردم الفجوة بين الأجيال غير التسلط، فالتاريخ لا يعيد نفسه، فكما قال الفيلسوف الألماني كارل ماركس: لو عاد التاريخ نفسه مرة أخرى، فإنه في الأولى مأساة عظيمة وفي المرة الثانية ملهاة مضحكة!

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سيد حمدي
كاتب وصحفي مصري
تحميل المزيد