كلام أصبح يتكرر كثيراً، وقبل يومين وفي مجموعة واتس -فيها خيرة الناس- طُرح هذا الموضوع للنقاش، تحت عنوان "علامَ لا تنصر الحقوقيات كل القضايا المتعلقة بالمرأة، فتنتقي فقط ما يعجبها لتنافح عنه؟!".
وبناء عليه تم النيل من الحقوقيات واتهامهن وتصنيفهن والتحذير منهن؟! ورغم أنهم يقرون بأن "التعميم لا يجوز، وأنه خطأ علمي، وتجاوز شرعي"، فإن الكثيرين يعممون في قضايا المرأة، ويجعلون كل حراك يخالف ما ألفوه من عادات، وما عرفوه وما نشأوا عليه من فتاوى "مخالفة دينية، وداعية نسوية، فتنبغي محاربتها بكل شراسة، ولو كانت لها وجاهة على مذاهب أخرى معتبرة".
وللأسف أكثر من ينتقد المرأة ويقسو عليها يكون من "المؤثرين"، ومن "الدعاة" ومن المشهورين، وممن بيده القدرة على التغيير (لكثرة متابعيه). ولذلك، وحين يطلقون عبارة "أين الحقوقيات"؟ يكون هدفهم منها فقط: "الاتهام" و"الوصم"، والتخويف من التغيير الإيجابي، وتنفير العامة، والنساء خاصة، من الشخصيات التي تُنشد العدل والإنصاف، وجَعْل الناس تتوجس منها، فتبتعد عنها.
ويسألون: "أين الحقوقيات"، وكأن المرأة مسؤولة وحدها عن أخطاء المجتمع، ومن واجبها أن تصلحها كلها وحدها! وكيف ذلك وهي لا تزال مستضعفة، وهي لا تملك شيئاً سوى حراك شخصي، وبعض مؤسسات المجتمع المدني؛ ولذلك تفشل في كثير من الأحيان في الوصول للعدالة (مما يجعلها تتخلى عن المنافحة عن جزء من حقوقها، في سبيل الحقوق الأعلى). فالمرأة ليس لديها المتسع من الوقت لنصرة كل شيء تعاني النساء منه، وما أكثره وما أوسعه: فهل ستتمكن الحقوقيات من الإحاطة به كله؟! وأين التخصص؟! وأين الأولويات؟ وهل يمكن إصلاح كل شيء تعاني منه المرأة دفعة واحدة؟ أم يكون البدء بالأهم، وخطوة فخطوة؟! وكيف ستتمكن المرأة من المشاركة بكل حراك، وهي متهمة بأن لها مآرب وأجندات، وكيف وهي ملومة ومحاربة ومقيدة بالأب والزوج، ومحاطة بكل العقبات؟ ولذلك يلجأ هؤلاء لتعيير المرأة الحقوقية بأنها متقاعسة عن الحق وداعية شر، وفي المقابل يستعملون الأسلوب الخطابي، ويلعبون على العواطف ليوهموا المرأة المظلومة بأنها تعيش بألف خير وعافية، لأن الإسلام كرّمها وأعطاها حقوقها (وهو حق)؛ ثم لا يؤدون هذه الحقوق إليها ولا ينصفونها حين تستجير بهم، بل يضغطون عليها ويخوفونها.
حتى أننا ألفنا أن نجد كثيراً من المؤثرين صامتين، وغير فاعلين، بل تأقلمنا مع رسالتهم ومع "همهم الأكبر والأول"، وهو "ملاحقة وإسكات الدعوات الحقوقية الخاصة بالمرأة" بزعم مخالفتها كلها للدين! ويسكتونها دون إيجاد متنفس أو بديل. ويسعون جاهدين لإقناع العامة بسوء نية كل حركة حقوقية، وكل امرأة جريئة منصفة. ونراهم يدفعون بكل قوتهم باتجاه "بقاء حال المرأة والأسرة على ما هو عليه من تجاوزات، وتوجيه المرأة للصبر والرضا والطاعة مهما كانت محرومة ومقهورة".
وإن أكثر الدعاة والمؤثرين ما زالوا عالقين في القضايا والشبهات القديمة، غير مواكبين لما يحدث في العالم، وكثيرون منهم يعالجون القضايا المهمة الهائلة والخطيرة بالتهدئة، أو بعلاجات مثالية وخيالية لا يمكن تطبيقها.
ومن الدعاة والمؤثرين من يكتفي بالشجب والإدانة، ويعتبر أنه قام بواجبه وزيادة! رغم أن القضية مفصلية، وتحتاج لفتاوى حاسمة وقطعية منه، ولقوانين صارمة رادعة (وهم قادرون على النصرة، لأن كثيراً من العامة يسمعونهم ويستجيبون لهم).
وهكذا لا يقوم هؤلاء بدورهم في إحقاق الحق، ثم لا يكف كثيرون منهم عن نقد كل شخصية حقوقية، ووضع العثرات أمامها، والتحذير منها… وإن الذي ينتقد ويُعيِّر، ويريد إثبات الخطأ على طرف، ووضع اللوم كله على جهة، فإن هذا يفتح عيون الآخرين ليتسقطوا عثراته، ولذلك أصبح الكثيرون يتساءلون بجدية، وبشكل أكبر وأعمق: أين الدعاة مما يحدث؟! وأين العلماء والمؤثرون القادرون على التغيير، والذين يتابعهم الآلاف، وأحياناً الملايين؟! فهناك أمور خطيرة تحدث في المجتمع، وتزداد انتشاراً، مثل:
– "القتل" لفتيات بريئات بذريعة قضايا الشرف ويتم تجاوزها، وللآن لم تصدر فتاوى رادعة، بل على العكس، نجد الفتاوى ما زالت تشجع من طرف خفي على القتل، وذلك حين تخفف العقوبة على الجاني وتعتبره غيوراً وشهماً.
– "التحرش" والتعرض لنساء محتشمات مهذبات، فهذه القضايا تُنكر وتكذب، ويُتغاضى عن الجاني وتُمرر، أو يلقى اللوم على لباس وسلوك الفتيات، ويُحذرن من الخروج، ومن الوجود على وسائل التواصل، يزيد الحصار عليهن.
فماذا عن الطفلة اللبنانية لين، التي تعرّضت للاغتصاب وهي في البيت ولم تخرج للشارع، ولم تتبرج، ولم تخضع بالقول، والأنكى أنها تعرّضت للأذى ممن ينبغي أن يوفر لها الحماية، فلقد فارقت لين، ابنة الست سنوات، الحياة نتيجة لعملية اغتصاب متكررة أدت إلى نزيف خارجي حاد، بحسب ما أكد طبيبان شرعيّان.
وبعد تحقيقات استمرت ما يزيد على الأسبوعين، اختتم ملف قضيتها بالادعاء على جدها لأمها للاشتباه فيه باغتصابها، وعلى والدتها بتهمة التستّر على الجريمة. وحين سألوا: كيف تتستر أم على جريمة بحق طفلتها، وإن ارتكبها أقرب المقربين إليها؟! كان الجواب "الخوف من المجتمع وعدم الوعي بمسؤولياتها، وغيرها من الدوافع". فانظروا إلى أين وصلنا بسبب السكوت عن الحق.
– ومنه "إسناد الحضانة للآباء" مما أدى لتعرض كثير من الأبناء لظلم وقهر من زوجات الآباء"، وهي قضيتي اليوم، وهي سبب كتابتي لهذا المقال، فقد حدثت جريمة مروعة في الحي الهادئ الراقي الذي أعيش فيه في عمان الأردن، وكانت مفاجأة هائلة وصادمة ومحزنة جداً، حيث قامت زوجة أب بربط الطفل بشجرة وتعذيبه بالضرب والحرق بالسجائر وبشتى الوسائل، وبحرمانه من الطعام والشراب، ثم ربطته بسيارة وسحلته في الشارع أمام الجيران حتى تقطع جسده ومات، وأبوه غير مكترث ولا مهتم.
وفي الأسبوع الماضي، سمع العالم عن مقتل الطفل موسى الذي ذبح قلبي، وهز وجداني، ذلك الطفل الجميل الذي قتلته زوجة والده في العراق، وهذا ما كتب عنه على المواقع الإخبارية: حالة من الغضب سيطرت على الشارع العراقي بعد واقعة قتل طفل على يد زوجة أبيه بطريقة مأساوية، وهو الطفل موسى ولاء البالغ 7 أعوام؛ حيث نشرت مكافحة إجرام بغداد فيديو لاعترافات زوجة الأب والتي قالت فيها: "أنا قتلت الطفل تعذيباً، حيث ضربته مرات كثيرة لا يمكن عدها، وكان يناديني ماما، ودفعته بالقوة وسقط على نافذة زجاج وتكسرت من قوة الضربة".
وروى أحمد، شقيق الضحية، تفاصيل دقيقة مرعبة كان شاهداً عليها، مؤكداً أن زوجة الأب كانت تضع الملح في عيون أخيه وفمه، وعندما يقول لها إنه سوف يتقيأ تقول له سوف أقتلك وأعطيك أكثر"، مضيفاً: "أن يدي شقيقه محترقة لأنها وضعتهما على الغاز، وأنها كانت تستعمل الكهرباء، ووقال إنها ضربت أخاه بالسكين على رأسه في 3 مناطق في رأسه تاركة آثارا واضحة، فكانت تُلبس أخيه ملابس شتوية حتى تغطي آثار التعذيب. وعندما مات قالت إنه يمثل".
وأضاف الأخ: "كان والدي يرى آثار التعذيب على جسدي أنا وأخي، ولكنه لا يعير الأمر اهتماماً، وكان يضربنا هو الآخر". والعجيب والغريب أن الفحص أكد "زوجة الأب المتورطة بالجريمة لم تعان من أي أمراض نفسية أو عقلية"؛ وهنا توقفت أنا، فإذا كانت زوجة الأب سليمة وفعلت كل هذا، فكيف سنضمن كيف ستعامل كل زوجة أب أولاد زوجها؟! وجعلني أتساءل: يا ترى كم من طفل يعذب بالخفاء ونحن نظنه ينعم بالأمان في بيت والده؟ وهل سننتظر حتى يُقتل أكثر من طفل لنقتنع أن ينبغي أن نتخذ خطوة إيجابية؟ أم سنترك الأمر هكذا حتى يأتي أدعياء "حقوق الطفل" فيسلبوا أولادنا منا؟ ولماذا يتصرف الجميع بكل صرامة وقوة مع إجهاض جنين، ويتعاملون بلين ورخاوة في قتل طفل كامل معافى وسليم؟! ولا يكفي الشجب، ولا الإدانة، وإنما المفروض أن تُراجع الفتاوى، وأن يمنع الآباء من حضانة الصغار، فالأب غير قادر على رعاية الصغار، ولو حكموا له بها، لأنه سيضطر لترك صغيره مع أنثى ليخرج للعمل. لذلك بات السؤال الأصح: "أين الفقهاء والعلماء مما يحدث؟! والمطلوب منهم:
أولاً- إصدار فتاوى تمنع الأب من الحضانة إذا تزوج، لأنه سيكون ظاهرياً هو الحاضن، ولكن بالحقيقة والواقع وعملياً: "هو غائب طول النهار، والحاضنة هي زوجة الأب"، ولقد فصلت المذاهب أحقية الحضانة، ولم يجعل أي مذهب الحضانة لزوجة الأب.
وللأسف بقيت هذه المخالفة الشرعية (الحضانة لزوجة الأب)، حتى بعد ما رأوه من ظلم زوجات الآباء على مر العصور… وبقيت رغم أن كثيراً من الآباء يسافرون ويغيبون، ويبقى الصغار مع امرأة أجنبية، ولا أحد يعرف إن كانت تسيء أو تحسن. وكثير من الآباء لا يكترثون لآلام أولادهم كما تفعل الأم، وقد لا ينتبه الأب ولا يدرك حجم ما يتعرض له الصغير من ظلم وهضم ويراه هيناً.
ثانياً- منع الأب من أخذ الصغار لبيته إذا كان متزوجاً، وإنما يراهم تحت إشراف مركز أسري، خوفاً عليهم من أي أذى. ثالثاً- التأكد أن الأب مؤتمن وصالح لمرافقة الصغار، وقادر على حمايتهم. سيقول لي بعضهم: "لقد بالغت، وماذنب المؤثرين والدعاة؟ وهل سيتمكنون من إصلاح العالم؟ وهل ما ذكرته بالمقال من تخصصهم؟". وجوابي: وهذا بالضبط ما أردته من مقالي، حيث رميت لأمرين:
الأول- إذا كان يحق للمؤثرين والعلماء (القادرين على التغيير) السكوت لاعتبارات يرونها، فإنه يحق أيضاً للحقوقيات السكوت في بعض المواطن، فلا تلومهن.
الثاني- إذا كان ما يحدث أمامكم من ظلم وهضم، ليس مسؤوليتكم ولا يمكنك التغيير، فاتركوا الحقوقيات ليفعلنه، فليست كل الحقوقيات سيئات ولا كلهن نسويات، فكثيرات منهن ملتزمات حريصات منصفات، ويعرفن الواقع أكثر منكم، ويملكن القوة والجرأة على حماية الطفل والمرأة، ولقد أبلين في بعض القضايا بلاء حسناً، فشدوا على أيديهن وساندوهن بدل اتهامهن والتعرض لهن.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.