أطل رأس النظام السوري، بشار الأسد، في مقابلة مع شبكة سكاي نيوزعربية، بـ 30 دقيقة، أعاد خلالها الأسد إجاباته القبيحة بما يتعلق بوضع سوريا، ومشكلة النظام مع شعبه وأزماته مع الإقليم والعالم، وفي نوبة أخرى من تكرار هذه القباحة المستعلية على الواقع بأكاذيب سخيفة، وواضحة في مأساويتها المختلطة مع النظام المفلس من كل شيء، أراد الأسد من خلالها تذكير السوريين والعرب والمجتمع الدولي بالحزن والفاجعة التي يقبع تحتها الشعب السوري بفضل هكذا نظام.
الإنكار الذي كرره الأسد، بنفي مسؤوليته عن تدمير ثلاثة أرباع سوريا، ومسؤوليته عن تهجير الملايين وقتل نصف مليون سوري، ليس جديداً في طرحه، لم يسأله المذيع عن صور قيصر، بل عن القانون الذي تحايل عليه الأسد بالكبتاغون، السوريون والعرب عموماً تجاوزوا مصداقية النظام وروايته منذ أكثر من عقدٍ، إطلالته على سكاي نيوز عربية، بعد أشهر من عقد القمة العربية في جدة، والاتفاق على تبني المبادرة الأردنية للبدء بسياسة الخطوة خطوة التي تقود النظام للاعتراف بالقرار الدولي 2254 لإطلاق عملية سياسية، وتحت ذريعة المبادرة نفسها لاحتواء النظام وإبعاده عن إيران، أوضح الأسد ثوابته الملتصقة بقوتي الاحتلال الروسي والإيراني وإرجاع الفضل لهما في بقائه بالسلطة، أغلق الأسد كل التكهنات والاحتمالات التي تراهن على تغيير جلد وعظم النظام من ملفات داخلية وخارجية.
يعتقد الأسد أن مواصلته في الكذب وتبني الإنكار كسلاح أبديّ يحميه من المحاسبة والملاحقة عن جرائم الإبادة والحرب، وبتأخير رحيله المحمي بعضلات طهران وموسكو، ظهر بشار الأسد على سكاي نيوز ليقول للسوريين: أنا موجود لأحكمكم، وبالعجز نفسه قدّم الأسد سلسلة من الأكاذيب المفضوحة عن عودة اللاجئين ورؤيته للمعارضة السياسية، كرر هذيانه عن المؤامرة وهشاشة الجامعة العربية والعلاقات العربية، وعن دور المؤامرة الكونية واحتشادها ضده، وكأنه "الرقم الصعب" في معادلة هذا الكون بحديثه عن الصمود، وربطه بأفضال موسكو وطهران وميليشياتهم.
إذاً، لا جديد في إجابات الأسد عن الأسئلة المقدَّمة، كرر في جزئية الرد عن علاقته بتركيا الاستفاضة بالهجوم على نظامها وعلى أردوغان باعتباره موجداً للإرهاب وداعماً له كقوة احتلال يرفض الجلوس معه قبل انسحاب قواته من سوريا، صوّر الأسد نفسه حريصاً على سيادة الأرض السورية، مع أن مذيع سكاي نيوز طرح عليه سؤالاً يتعلق بالغارة الأخيرة للاحتلال الإسرائيلي على محيط دمشق وبالقرب من قصره أثناء تحضير المقابلة، وأجابه الأسد بنفس مفردات الوقاحة المستخدَمة من أن الغارات ستتكرر ما دامت إسرائيل عدواً، لكن دون رد لانشغاله بقمع وقتل السوريين، ولأن الغارات ترافقت حسب تعريف الأسد مع تحرك السوريين ضده.
لم يفت مذيع سكاي نيوز سؤال الأسد عن علاقته مع حركة حماس، وصفها الأسد بعلاقة الغدر والنفاق، مع أنه استقبل وفودها بدمشق بوساطة إيرانية، ومع أن حماس هللت وأطنبت كثيراً لعودة علاقتها مع النظام، إلا أنها باقية في أدبياته مصدراً للغدر والنفاق، لم يأتِ الأسد على وصف الأنظمة "العربية المتآمرة" باعتقاده بأوصاف الغدر والنفاق، وقال: إنه تحاشى في خطابه في القمة العربية الهجوم على أحد، لكن حركة حماس تصنيفها عالٍ بأوصاف الخيانة والغدر والنفاق، وربطها بالتنظيم الإخواني لدى النظام السوري يُطنب مشاعر أنظمة أخرى في العالم العربي من القاهرة إلى تونس وأبوظبي وحتى تل أبيب. وهنا يُطرح سؤال جوهري وملحّ لحماس وقادتها في معنى الفائدة المرجوة لحركة المقاومة بعلاقتها مع نظام مجرم ومستبد وقاتل؟ وينظر لعلاقته معها بشكل استعمالي، عندما يقول لسنا بحاجة لدعمهم، هل هم يشكلون جيشاً، مع أنه استخدم تشكيلات فلسطينية كتنظيم أحمد جبريل لقمع وقتل السوريين، وهو ليس جيشاً.
بالنسبة للمشاهد السوري والعربي لإطلالة الأسد على سكاي نيوز، هي وثيقة مهمة تضاف لوثائق الكذب والخداع الرديء، واستخدام النظام السوري للنظرية الغوبلزية النازية، في إدارة الإعلام في العصر الحديث، هي شهادة مباشرة لدعايته المقيتة والوقحة في تصنيف ووصف الأحداث ومجرياتها، وبالنظر المستمر باستعلائية على السوريين، وربطهم بالمؤامرات وتسخيف أعدادهم ومطالبهم بطريقة عنصرية ونازية، باختراع أشكال من الأوهام التي يغرق فيها النظام السوري بغوبلزية مستعارة من أربعينيات القرن الماضي، فهو لا يستطيع بالإنكار فقط نفي وثائق وأفلام وصور وشهادات لجرائم نظامه وجيشه بحق ملايين السوريين، وعند وصفه للبعض بالغادر والخائن أو باستخدامه أدوات العروبة والقومية لتزوير جريمته، أو إطلاق صفة التآمر على من يطالبه باحترام كرامة ومواطنة الشعب السوري، فتلك نعوت لم تمنع ملايين السوريين والعرب والعالم من الوصول الحُر للحقائق الثابتة على الأرض، والتي تحمل بصمات كبيرة للأسد على جثث السوريين.
بكل الأحوال، قدّم الأسد وصولاً مباشراً ودقيقاً عن مأزقه وغرقه في الأكاذيب التي لم ولن تنفعه، وكل العناصر التي أتى على ذكرها وتخص النظام وعلاقاته العربية والإقليمية والدولية ذات الطبيعة التواصلية أقل أهمية بكثير، وأن النظام في حقبته الأخيرة من التحلل من ارتباطاته العربية بتركيزه على حسن اختيار حلفائه الذين ألصقوه بكرسي الحكم المتزعزع، أشياء قليلة وكثيرة في نفس الوقت نستخلصها من الثلاثين دقيقة لظهور الأسد الإعلامي، والتي تُظهر من هنا وهناك خليطاً من الأكاذيب بإستراتيجية زائفة بتمارين بغيضة للواقع، وتلك ميزة الغوبلزية التي غرق فيها الأسد منذ خطابه الشهير عام 2011، وتكرار واحدة من وقاحات الكذب اليوم أن لا فضل لأبيه حافظ بوصوله للسلطة، وأنه لن يتنحى لأن الشعب الجائع والمضطهد المُدمرة مدنه وحواضره يحبه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.