من أجمل ما قال الأديب والشاعر المصري مصطفى لطفي المنفلوطي في كتابه النظرات: " السبب في شقاء الإنسان أنه دائماً يزهد في سعادة يومه ويلهو عنها بما يتطلع إليه من سعادة غده، فإذا جاء غده اعتقد أن أمسه كان خيراً من يومه، فهو لا ينفك شقياً في حاضره وماضيه".
ومن أجمل ما سمعت من الشعر للشاعر اللبناني طانيوس عبده: "مـا مـضـى فـات والمـؤمَّل غـيـبٌ ولك السـاعـة التـي أنـت فيها".
قدر لابن آدم أن يعيش في هذه الحياة يعتريه الألم، والكدر والمصائب، فتصاب نفسه بالعلل والهموم والأحزان التي تكسر فؤاده، وتضعف عزمه، وتقصر جهده، وعلى ما في حياتنا من تسهيلات أفرزتها الحضارة في شقها التقني والمعلوماتي تبقى الروح في خواء مرير، ما لم تنتبه إلى الغاية الكبرى التي من أجلها فُطرت والتي جاءت في قوله تعالى : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.
يُبتلى هذا في ماله، ويبتلى هذا في صحته، ويبتلى هذا في ولده، وآخر في زوجه، وآخر يبتلى بخسارة حبيب، أو فقد عزيز، وهكذا هي الدنيا، لا تصفو دوماً لأحد!
بعضهم يحاول الخروج من حالة الحزن فينجح، وبعضهم يظل حبيس النفس، أسيراً، تتابع على قلبه الأحزان فتضعفه، وتهجم الهموم على جسده فتنهكه، غير أنه لو أعمل عقله وأدرك مراد الله منه لفقه أن الحزن على أمور قد ولّت ومضت لا ينفع بل يضر، ذلك أن قلبه صار معطلاً، وعقله بات مشتتاً، وجهده وسعيه أضحى قاصراً، لا يقوى إلا على الدموع، في غير خشوع، تنثني عزائمه، ويصير أمضى سلاحه الهرب.
لا غرو أن نحزن على فقدان حبيب، ونغتمّ لخسارة مال أو ولد أو شيء من متاع الدنيا، فنحن في الأخير بشر، لكن الأصل أن يتبع ذلك الحزن رضا بقضاء الله وقدره، فالله هو الذي اختار لنا ما نظنه بلاءً، فحق علينا أن نرضى، ذلك أن الرضا من مقتضيات العبودية.
والله لقد رأيت نماذج شتى في البلاء، أحدهم وهو صديق لي فقد كل ماله في لحظة فلم أرَ منه إلا كل رضا وقناعة، وتذكير منه برحمة الله وحكمته، وأن في المصيبة دواء قد ذاق طعمه فحمد الله أن ساقه إليه، ورأيت من فقد جزءاً يسيراً من ماله فجزع وسخط وكادت المصيبة أن تقتله.
إن الله لا يبتلينا ليعذبنا، بل ليربينا، على السراء والضراء والسعادة والشقاء، فيستخرج العبودية في كل حال، كما يبتلينا ليرفع قدرنا، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما مِن أحَدٍ مِن المُسلِمينَ يُصابُ ببَلاءٍ في جَسَدِه إلَّا أمَرَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ الحَفَظةَ الذين يَحفَظونَه أنِ اكتُبوا لعبدي في كلِّ يَومٍ ولَيلةٍ مِثلَ ما كان يَعمَلُ مِن الخَيرِ ما دامَ مَحبوسًا في وَثاقي"، يعني ما دام في المرض.
وفي حديث ثان:ٍ "من يرد الله به خيراً يُصبْ منه"، وفي حديث ثالث: "إنَّ اللهَ تعالى إذا أحبَّ قوماً ابتلاهم.."، والأحاديث في ذلك كثيرة .
لقد أدركت في مسيرة عمري أن لا طعم للحياة بلا مشاكل، ولا قيمة لها بلا متاعب، ومن لا يتعثر لا ينهض، فأدركت حكمة قول الله تعالى: "إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.