وأخيراً جاءت أخبار التغيير عبر الانتخابات من ليبيا، لكنها لم تكن الانتخابات العامة أو الرئاسية التي كان من المفترض إجراؤها وفق خارطة الطريق التي جاءت بالحكومة الوطنية الحالية، وإنما انتخابات المجلس الأعلى للدولة. فقد خسر خالد المشري رئاسة المجلس الأعلى للدولة في الجولة الثانية أمام محمد تكالا، وذلك بعد 5 دورات متتالية، ترأس فيها المشري رئاسة المجلس منذ عام 2018، استطاع فيها تثبيت حضوره السياسي وتوسيع علاقاته، ما حوّله لأحد محاور المشهد السياسي الليبي، الذي يدور حول الأشخاص لا المؤسسات.
طموح المشري للعب دور سياسي في ليبيا وضعه في مواجهة رفقاء الأمس، حزب العدالة والبناء الذي يمثل الذراع السياسية للإخوان المسلمين في ليبيا، وكذلك رئيس وزراء حكومة الحكومة الوطنية عبد الحميد الدبيبة. ففي عام 2019 خرج المشري على الملأ ليعلن استقالته من جماعة الإخوان المسلمين، متخففاً من عبء الجماعة، في الوقت الذي كانت فيه الجماعة في ليبيا وحزبها يعيشون صراعاً داخلياً ونقاشاً حول الهوية. كما أن مساعي المشري للبقاء في المشهد السياسي جعلته في مواجهة مع عبد الحميد الدبيبة، الطامح هو الآخر للبقاء في مقعد رئاسة الوزراء. إذ تصاعدت حدة الخلاف بين الطرفين، وصولاً لمنع أعضاء من المجلس الأعلى للدولة من السفر خارج ليبيا، في رسالة لكل من خالد المشري وأعضاء مجلس الدولة، في حادثة استحقت إدانة عقيلة صالح.
تخفّف المشري من علاقته مع العدالة والتنمية، ومواجهته لعبد الحميد الدبيبة، أسهم في جمع الطرفين ضده، إذ نجح التعاون المشترك بين الدبيبة والعدالة والبناء بالإطاحة بالمشري، كما تشير تفاصيل العملية الانتخابية في المجلس الأعلى للدولة.
وفي مقابل ذلك، سعى المشري لترسيخ دوره عبر اللعب مع خصم الأمس عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبي، المتمسك هو الآخر على سبل البقاء في المشهد السياسي، من خلال العمل على الدفع بحكومة موحدة و"محايدة" من الشرق والغرب تحل محل حكومة الدبيبة، بالتوازي مع إصدار تشريعات قانونية لرسم المشهد السياسي الليبي، في مشهد رآه المراقبون محاولةً من الرجلين لإعادة توزيع الأدوار والتحكم بخيوط المشهد.
فبعد شد وشذب ومحاولات للتوافق على القاعدة الدستورية والإطار القانوني للانتخابات المرجوة، تمثل هذا التعاون بتمرير مجلس النواب، الذي يتخذ من شرق البلاد مقراً له، التعديل الـ13 للإعلان الدستوري في فبراير/شباط الماضي، ومن ثم تصديق المجلس الأعلى للدولة على هذا التعديل. وفي حين نددت العديد من الأطراف، وتحديداً في الغرب الليبي باستصدار القانون، صرّح المشري بأن التعديل "هو وليد مشاورات مطوّلة بين المجلسين". ومن الجدير بالذكر أن محمد تكالا، الرئيس الجديد للمجلس الأعلى للدولة، كان من الرافضين للتعديل المذكور.
وفضلاً عن الفرقاء الليبيين، فقد قوبلت خطوة صالح-المشري لتمرير التعديل على الإعلان الدستوري بالبرود من البعثة الأممية لليبيا، والتي قلل رئيسها عبد الله باتيلي في إحاطته أمام مجلس الأمن من أثرها في حلحلة الأزمة الليبية، ووضع البلاد على سكة الانتخابات. وكما البعثة الأممية، لم يستطع المشري أن يحصل على دعم العواصم الصديقة، فضلاً عن المعادية له، لخطته في التحالف مع عقيلة صالح وإزاحة الدبيبة من المشهد السياسي. أما داخل المجلس الأعلى للدولة، فقد تناقص مع الوقت الدعم الذي كان يحظى به المشري، مع توسيع الدبيبة لقاعدة علاقاته داخل المجلس.
متحالفاً مع خصمه السابق، الذي لا شعبية له في الغرب الليبي، ومتخففاً من أصدقاء الأمس، بدا خالد المشري أكثر عرضة للإزاحة من المشهد السياسي الليبي، وهو ما تم "بسلاسة" ومن بوابة العملية الانتخابية، التي حاول المشري ركوب موجتها؛ لكن يشهد للمشري تسليمه بالهزيمة الانتخابية ومباركته للرئيس الجديد، في صورة يندر تكررها في ليبيا.
خسارة المشري لرئاسة المجلس الأعلى للدولة لن تؤدي إلى تحول كبير في محددات المشهد السياسي الليبي المنقسم بين الشرق والغرب، لكنها تعزز بطبيعة الحال سيطرة عبد الحميد الدبيبة على صدارة المشهد في الغرب الليبي، ما قد يفتح الباب لحدوث تغيير على المدى المتوسط، هذه المرة من باب الصفقات، لا من باب الانتخابات.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.