النيجر بلد إفريقي يمتلك حدوداً مع أغنى دول المنطقة من الجزائر لليبيا لمالي، لكن قلة سمعوا بها، أو لربما خلطوا بينها وبين نيجيريا، فلولا الانقلاب الأخير لما أدرك العالم أن شعب النيجر موجود ويعيش الفقر والفاقة، وهو الذي تطأ أقدامه تراب أغنى البلدان لما يمتلكونه من اليورانيوم والذهب والبترول والأراضي الخصبة الصالحة للزراعة، لكن أينما حضرت فرنسا حضر الخراب والدمار والمشاكل التي لا تنتهي.
بعد الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال عبد الرحمان تياني على الرئيس المخلوع محمد بازوم، المعروف بولائه لفرنسا وتقييده للاقتصاد النيجري بترك الهيمنة للشركات متعددة الجنسيات على خيرات البلاد وثرواتها، بانية أحلام دولها على شتات أحلام البسطاء والمهمشين المستعبدين في الأرض.
ففرنسا التي نقلت جيشها من مالي للنيجر تحت كذبة التدريبات لمكافحة الإرهاب، علم الجميع هناك أن الغرض حماية منشآت اليورانيوم وتحصين معاقل الشركات.
لكن فرنسا، ورغم جيشها الموجود هناك وقواعدها العسكرية المترامية على الأراضي النيجرية، صارت اليوم تذرف دموع الحسرة بعد الانقلاب المفاجئ الذي أتى على حين غرة لم يتوقعه أحد؛ ومن أولئك جهاز المخابرات الفرنسية، فالمخابرات الخارجية لجهاز الاستخبارات الفرنسي لم يتمكن من رصد الانقلاب قبل حدوثه، ما كلف باريس التأخر في التدخل لمنع الانقلاب، وبالتالي ضياع مصالحها، ولربما إلى الأبد في النيجر.
خاصة بعد فعلة قائد الانقلاب وجماعته التي قررت بعد 60 عاماً من استقلالها العسكري عن فرنسا؛ أنها قيد الاستقلال اقتصاديا، ففرنسا بشركة كوجيما، ثم أريفا وأورانو بدأت استغلال اليورانيوم قبل استقلال النيجر، وما زالت تستغله إلى اليوم؛ مستخدمة القانون النيجري غير العادل بالنسبة للنيجر في توزيع الحصص والأكثر من مفيد لفرنسا، هذه الأخيرة تدعي أن استخراجها لليورانيوم يساعد النيجر وتطورها، ومن عجائب الأمور أن اليورانيوم للنيجر، لكن فرنسا هي التي تحدد سعر البيع، أما حين التحدث عن التطور الذي تزعم فرنسا أنها آخذة في العمل عليه بالنيجر، فبمجرد النظر إلى التغطية بالكهرباء في فرنسا نجد أن النسبة بلغت 100%، أما النيجر فبنسبة 19% سنة 2021.
وهنا نلاحظ أن باطن النيجر لم يفد النيجر، بل أفاد محتلها فرنسا، فمدينة آرليت القريبة من مناجم اليورانيوم تعيش في خراب كبير وبيئة ملوثة وموت للعمال والمواطنين من آثار الإشعاعات ومخلفات اليورانيوم؛ ما أدى لإنهاء فرنسا وجود آريفا، لكن أورانو التي حلّت مكانها لم تكن بالرحمة التي كان ينتظرها النيجريون فقد استهلكت طاقات النيجر ونفوس النيجريين بانتهاك حقوق الإنسان وموت العمال والمواطنين جراء التلوث الذي لحق بآرليت وحاق بأهلها.
فبقفزة في غياهب التاريخ نجد أن فرنسا لا تلقي بالاً للأنفس ولا للعيش الكريم، فقد منحت فرنسا النيجر الاستقلال السياسي، وظلت محتلة إياها اقتصادياً، والدليل عملة CFA النيجرية التي تطبع في فرنسا، مؤثرة على النمو الاقتصادي، حارمة مواطني البلد الإفريقي من أبسط حقوقهم، ومثال ذلك الرئيس السابق مامادو طانجا ونيكولا ساركوزي حين اتفقا على رفع سعر كيلوغرام اليورانيوم مرتين عن سعره السابق لكن بمجرد الانقلاب على طانجا عاد سعر الكيلوغرام لسابق عهده.
فقد كان الانقلاب مدعوماً من الفرنسيين؛ حيث مامادو طانجا لم يخدم مصالح المستعمر السابق وبحث عن مصلحة شعبه وتثمين مداخيل دولته التي تنهب ثرواتها أمام مرأى الأعين.
أما سنة 2023، فقد حملت انقلاباً لم يكن لخدمة مصالح فرنسا، بل لخدمة النيجر وشعبها هنا قد أتى الخلاص من رجال سئموا العيش في المذلة وأبوا إلا أن ينتفضوا لإنهاء وجود فرنسا جملة وتفصيلاً بأراضيهم وكانت القرارات المتخذة ضربة قاصمة لظهر عاصمة الجن والملائكة؛ فقد تم طرد السفير الفرنسي وإيقاف التعامل العسكري مع فرنسا وإيقاف تصدير اليورانيوم لها، مما ينذر بشتاء دون أنوار على باريس التي ستغرق قريباً لو أتم النيجرين الأمر المنشود في ظلمات غرقت فيها لسنين آرليت ونيامي وغيرهما من المدن النيجرية.
فغير معقول أن يعيش النيجرون إلى الأبد في براثن الماضي الكئيب، وأن تكون النيجر بؤرة الاستغلال الفرنسي اقتصادياً حتى حين، فهل يكون الانقلاب حراك شعب وكسر أغلال الذل والمهانة نهائياً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.