ماكرون في ورطة جديدة.. كيف تسبَّب انقلاب النيجر في أزمة بملف الطاقة النوووية الفرنسية؟

عدد القراءات
841
عربي بوست
تم النشر: 2023/08/04 الساعة 11:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/08/04 الساعة 11:42 بتوقيت غرينتش
صورة أرشيفية للرئيس الفرنسي في إفريقيا/ رويترز

إن خيبات الرئيس الفرنسي تتوالى وتزيد من التعقيدات التي لم تجد لها أفقاً، فهو عنوان فشل النظام الفرنسي وافتقاره لحلول تحتوي أزماته الداخلية والخارجية، هكذا يمكن في تقديري تلخيص الوضع هناك، ولعل القادم ينذر بالأسوأ، وهنا نتحدث عن ملف اختلالات تأمين الطاقة (الكهرباء).

منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية حاول الرئيس الفرنسي أن يلعب دور الوسيط بين طرفي الصراع، وهو يدرك التداعيات الوخيمة نتيجة هذه الحرب، إلا أنه قوبل بإهانة شديدة من طرف الرئيس الروسي بوتين؛ مما دعاه بعد ذلك إلى أن يتقدم في الصف الغربي بشكل مكثف ضد روسيا لدواعي حماية فرنسا من الخطر الروسي الوجودي وأيضاً محو أثر الإهانة والانتقام، وهي ردات فعل قاصرة كما هو معتاد دون حسابات استراتيجية.

روسيا بوتين منذ مدة رسمت خارطة الطاقة العالمية على قواعد الصراع وتناميه ونسجت علاقات مع دول وفتحت مداخل إلى أنظمة تمتلك بها نقاط قوة وضغط في صراعها الجاري، وركزت اهتمامها على دول بعينها كدول متواجدة في وسط آسيا ومنطقة الساحل الإفريقي ودول مطلة على البحر الأبيض المتوسط.

اليورانيوم المخصب كان أحد عناصر الضغط وأدوات الصراع، إلى جانب الوقود الأحفوري من نفط وغاز وفحم والتي تسيطر على 40% من الاحتياجات العالمية التي ركزت عليها روسيا كسلاح تدخل به المعركة مع الغرب، ولذلك استثني اليورانيوم من العقوبات الغربية ضد روسيا.

كما أن فرنسا تعتمد على اليورانيوم بشكل كبير لتوليد الطاقة الكهربائية (70% من احتياجاتها الكهربائية الوطنية تؤمن من اليورانيوم) وتؤمن مصادرها من مناجم النيجر وكازاخستان وأستراليا ومؤخراً هي تغازل منغوليا لذات الدوافع، ومن هنا في تقديري نبدأ في فك لغز الانقلاب في النيجر والأطراف المؤثرة فيه.

لقد كانت نيجيريا معقل فرنسا الاستعمارية والمسيطرة على نظامها منذ استقلالها عام 1960 والمستنزفة لمقدراتها والتي يأتي اليورانيوم من أهم ما تستحوذ عليه فرنسا الاستعمارية، حيث تؤمن حاجتها الطاقوية منه والمقدرة بـ40%، وهنا يمكن أن نتساءل: ما هي تداعيات الانقلاب الأخير على ملف الطاقة النووية الفرنسية؟

قد تكون الإجابة متسرعة نوعاً ما، لكن حينما نأخذ السياق العام للصراع الدولي وقرار المجلس العسكري النيجيري بإعادة النظر في خطط إمدادات اليورانيوم النيجيري لفرنسا ومواقف دول جوار كمالي وبوركينا فاسو اللتين أعلنتا بشكل واضح دعمهما للمجلس العسكري واعتبرتا أن أي تدخل عسكري في النيجر هو عدوان عليهما وهددتا بالانسحاب من منظمة الإيكواس، يعزز لدينا اعتقاد أن روسيا مستفيدة من هذا الوضع سواء في حال نجاح الانقلاب أو فشله، وبذلك يكون اليورانيوم النيجيري إحدى أدوات الضغط الرئيسية ليس على فرنسا فحسب بل على الغرب عموماً.. هل هناك بدائل؟

تتجه الأنظار نحو كازاخستان الدولة التي تؤمن لفرنسا حوالي 25% من حاجتها للطاقة النووية وأيضاً لدول غربية، لكن هذه الدولة دون الاعتبار التاريخي (الاتحاد السوفييتي سابقاً) ولا الجغرافي (دولة جوار) ولا حتى إنها عضو في منظمة الأمن الجماعي التي تتزعمها روسيا ولا حتى موقفها المحايد من الصراع الروسي الأوكراني، كل ذلك وغيره لن يوازي ما تتحكم فيه روسيا من تخصيب اليورانيوم الكازاخستاني ونقله عبر إقليمها إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، فهل باتت فرنسا تحت ضغط روسي يهددها؟

هناك محاولات فرنسية سابقة بعد ما تبين لها أن انعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية تهددها بشكل مباشر، فعمدت إلى تشتيت المخاطر وتنويع مصادر تأمين الطاقة النووية، فكانت زيارة الرئيس الفرنسي لمنغوليا بعد اجتماع قمة الدول السبع لتطرح شراكة استراتيجية في مجالات مختلفة، لكن عينها مركزة أساساً على اليورانيوم، هذه الدولة التي طالما اعتبرتها الولايات المتحدة الأمريكية واحة الديمقراطية لتواجدها بين قوى ديكتاتورية وهو وصف كاذب لجذبها لمحورها ووضع يد الغرب عموماً على اليورانيوم الذي يعتبره المختصون من أهم المصادر في العالم غير أن موقعها الجغرافي وحجمها لا يقبلان بجوار غربي ثالث لروسيا والصين، مما تستبعد من خارطة الطاقة النووية الفرنسية في الوقت الراهن في تقديري.

صحيح روسيا لن تغامر بوقف الإمدادات من اليورانيوم المخصب، كما أنها لا تضع الغرب في جبهة موحدة ضدها، لكن نرى أنها تحاول امتلاك قوة ضغط مهمة تتمثل في اليورانيوم لإدارة صراعها وتعزيز تحالفاتها وتقوية نفوذها، كما أن المشهد العام لم يكتمل وتعقد الأوضاع وتشابكها لا يحتمل الخطأ، ولذلك نرى الخارطة ما زالت لم تكتمل وأن أطراف الصراع متعددة ولا ننسى في ذلك العلاقة الصينية الأوروبية ولا تأثير تركيا في مواقع مهمة من الصراع ودور دول الخليج الاستراتيجي في الصراع.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد بن غربي
أستاذ في القانون الدولي
أستاذ محاضر للقانون الدولي وحقوق الإنسان في جامعة زيان عاشور بالجلفة - الجزائر
تحميل المزيد