“تحويل الجامعة إلى مصنع لليد العاملة”.. هل ينجح الإصلاح الجامعي الجديد في المغرب؟

تم النشر: 2023/08/04 الساعة 12:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/08/04 الساعة 12:06 بتوقيت غرينتش
صورة تعبيرية لطلاب جامعيين/ shutterstock

إن القراءة المتأنية للإصلاح الجامعي الجديد في المغرب، الذي ينزل بصمت وخلسة كأنّ القائمين خلفه خجلون من تحمل مسؤوليته، تجعلك تقف على الخلفيات التصورية التي حكمت منطلقات إعداد هذا الإصلاح "البيداغوجي".

إنه ليس من الصعب على أي ملاحظ أن يجزم بأن الخلفية التي انطلق منها مشروع الإصلاح البيداغوجي، الذي تعرف الجامعة المغربية تنزيله على عجل هذه الأسابيع، هي التسريع بتحويل الجامعة إلى مصنع لليد العاملة الجاهزة للسخرة في معامل السخرة، تحت مسمى "تقليص الهوة بين الجامعة وسوق الشغل"، هذا المنطلق الذي تمت محاولة التعمية عليه بفقاعات مصطنعة على هامش دفاتر الضوابط البيداغوجية ومرسوم مجلس الحكومة والمذكرات الوزارية المخصصة لهذا الإصلاح، حيث تم التكثيف من الحديث عن "الجودة" و"الانفتاح" و"رسملة التجارب".. فقاعات كثيرة لم تنجح في إخفاء عاصفة "المهننة" وإغراق التكوين الجامعي في جب "التقنية" الصلبة/الجافة، المجردة عن المعرفة والقيم.

إن هذا التوجه في صياغة مضامين الإصلاح الجامعي الجديد، يجيب عن سؤال لطالما شكّل مشكلة أساسية في مشاريع الإصلاح (الكثيرة) المتعاقبة على الجامعة المغربية؛ وهو سؤال مركزي نعبر عنه إجمالاً بـ"ماذا نريد من الجامعة؟". سؤالٌ الحسمُ فيه سيحسم مجموعة من الإشكالات المترتبة عليه، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره كما يقرر الفقهاء.

لكن الإجابة عن سؤال بهذه المحورية، هي شأن مجتمعي يعني الجميع، فما هي يا ترى أشكال المشاورات "المجتمعية" التي اتُّخذت لمحاولة الإجابة عن هذا السؤال؟

باستثناء 12 "لقاءً تشاورياً" تكاد تجمع أغلب مكونات الجامعة من أساتذة وطلبة وإداريين (ينظر في هذا بيانات كل من النقابة الوطنية للتعليم العالي، والاتحاد الوطني لطلبة المغرب المتعلقة بهذا الشأن)، على اعتبارها لقاءات شكلية، غلب عليها الطابع الشكلي لإضفاء المشروعية على مشروع هُنْدِسَ في الخفاء.

لم يختلف مشروع الإصلاح الجامعي الجديد عن سابقيه في شيء، من حيث منهجية التنزيل. انفراد رسمي بتدبير المشروع، ما يضع المشروع في عزلة عن المعنيين الأساسيين به، وهي منهجية مجربة لم تفضِ إلا إلى نسخ مشوهة من مشاريع الإصلاح بقيت حبيسة قاعات الندوات، ولم تنعكس بأي شكل من الأشكال على واقع الجامعة المغربية.

إن تجريب المجرب ليس إلا وجهاً من أوجه الحماقة، وما دام القائمون على مشاريع الإصلاح الجامعي المتعاقبة مصرّين على اعتماد طرق التخطيط والتنزيل نفسها؛ فلا يُتوقع للمقدمات نفسها إلا النتائج نفسها.

ثم إن القول بكون أزمة الجامعة المغربية تنحصر أساساً في مشكلة تشغيل الخريجين؛ هو قول تدليسي يغض الأنظار عن مجموع حقيقة الاختلالات التي تعيشها الجامعة المغربية حقيقة، إن وظيفة هذه الأخيرة ليست منحصرة بأي شكل من الأشكال في تخريج التقنيين والمهنيين. هذا التصور المخل لوظيفة الجامعة لن تكون له من نتيجة سوى خلق كيانات مشوهة لا هي بمراكز للتكوين التقني ولا هي بجامعة منتجة لنخب منظرة ومبدعة، وبالتالي سيفقد الاثنان معاً هويتهما المميزة لكل منهما. 

إن الدفاع عن خصوصية الجامعة كمشتل للكفاءات المفكرة والمبدعة المتحررة من عقال "التقنوية" و"المهننة"، ليس نوعاً من التجريح في حق الخيارين الأخيرين، بل هو تمييز لوظيفة كل واحد منهما، وبناء للتكامل بينهما، ففي نهاية المطاف لن تشتغل التقنية إلا بما ينتجه لها المختبر الجامعي. 

إن الدفاع عن تأدية الجامعة لدورها الحقيقي، في صميمه، هو دفاع عن الوطن وعزته، هو بحث عن الرقي به من مجرد مصنع لليد العاملة الرخيصة، إلى الارتقاء به إلى مصاف الدول المنتجة للتقنية والمفكرة فيها. إن المغرب اليوم بحاجة إلى جامعة تؤدي أدوارها الحقيقية، جامعة تصنع الرواد والمبدعين.. فهي المدخل الحقيقي نحو الغد المجهول.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عبدالكريم ضوبيل
طالب باحث في علم الاجتماع
طالب باحث في علم الاجتماع
تحميل المزيد