كان للإعلام دور كبير في صناعة قُدسية للعبة كرة القدم؛ إذ رأى أن هذه الرياضة يمكن أن تتحول إلى شيء يلهي ويغني المواطنين عن أسئلة مهمة في الحياة، كالسؤال عن الأسباب الحقيقية لحياتهم البائسة وأوضاعهم المزرية في بعض البلدان.
وهكذا أصبحت رياضة كرة القدم بالتدريج، في بلاد لا يشعر مواطنوها بوجودهم، هي ملاذ من لا ملاذ لهم، فصنع بعض المواطنين من أنديتهم كيانات لا تُمس.
اليوم إذا فتح المواطن البسيط شاشة التلفاز، أو نظر إلى جهازه المحمول، سيشاهد ويسمع بكل تأكيد خطاباً يدور حول شيئين لا ثالث لهما: الأول أن فريقه يُحارب وتُعقد له المؤامرات، الثاني أن فريقه لا يُقهر وينتصر رغم أنف الجميع.
هذا الخطاب الذي يختلف باختلاف النتائج، هو خطاب مُتناقل عن كل دول العالم، لا سيما القنوات المصرية التي تنتمي للأندية الجماهيرية، وهي الطريقة التي يُحاول من خلالها الإعلام الاستهزاء بعقلية مُستقبِل حديثه؛ الطريقة المُتبعة لتبرير أي فشل وتفخيم أي انتصار.
حتى أصبح من المستحيل تصديق أننا خسرنا لأننا كنا نستحق هذه الخسارة؛ فأصبحت كل هزيمة بسبب، كل إخفاق بفعل فاعل، كل ظروف سيئة يمر بها النادي هي تخطيطات كبيرة لإسقاطه وتعكير صفو جمهوره، وبين البينين يعيش كل جمهور حالة مختلفة باختلاف اسم وقيمة فريقه نفسه.
الحالة الأولى: الغطرسة
هي الحالة الأكثر شيوعاً عند جماهير الفرق الأكثر تتويجاً في الدوري المحلي وعلى المستوى القاري، عالمياً وعربياً، فيصبح لدينا نوع من المتغطرسين؛ وهي بعض من الجماهير التي تعتبر أنديتها كياناً يُشبه المعبد؛ كل من يقترب منه، قولاً أو فعلاً، لا بد من أن يُعاقب!
هي الفئة التي يجلس في كرسي قناتها، رجل مرتدياً بدلة أنيقة يتحدث بكبرياء شديد عن قيم ومبادئ ناديهم، ويتحدث عن الحروب والمؤامرات التي يتم التخطيط لها بشكل دوري من قِبل بعض المُغرضين الذين يريدون شراً بهذا الكيان العظيم.
وهي الفئة التي تعتقد أن كرة القدم خُلقت من أجلها، دون غيرها، ولا أحد يستحق أن يفرح إلا إذا أذنوا له ورضّوا عنه، ويشعرون باستحقاقية رهيبة في النتائج والمباريات، ويُحولون كل شيء حولهم وحول أنديتهم إلى قاموس ذهبي يتغطرسون به على سائر الأندية والمشجعين.
هذه الفئة هي التي تستمد هذا الغرور الغريب من تاريخ ناديها، أو عدد ألقابه، أو حتى اسمه وقوة عناصره في وقتها الحالي، وتبدأ كل نقاش عن طريق سرد مجموعة من الأرقام بلا تفكير، وتُحول كل نقاش إلى آلة حاسبة تستدعي طرح وجمع مجموعة من الأرقام بهدف تحصيل نتيجة تُرضيهم وتُنصف فريقهم أو لاعبهم المفضل.
الحالة الثانية: الاستضعاف والمظلومية
المستضعفون؛ وهي الفئة التي تُشجع القطب الثاني في كل بلد تقريباً، والتي تتحدث دائماً عن القطب الأول بلهجة استنكار مبالغ فيها، وترى أن القطب الأول هذا قد وصل إلى ما وصل إليه بطُرق ملتوية، وخضعت له الأرض ومن عليها لتُرضيه وتستجدي عطفه.
في المقابل، تكون نبرة الاستعطاف لصالح ناديهم أو لاعبهم المفضل؛ يتحدثون عن مدى صبره وتحمله ما لا يُمكن تحمله، ومُحاربته أشياء لم يسبق له أن توانى عن تحملها، وهو الفريق الذي منذ أن تم تأسيسه يعيش في القهر والظلم والفوضى.
هي الفئة التي يجلس على كرسي قناتها؛ رجل آخر بنفس البدلة الأنيقة يتحدث بكبرياء شديد، عن المؤامرات والمخططات التي تتم منذ القِدم لتدمير هذا الكيان العظيم، ويطلب من جماهير الفريق أن تلتف حول النادي ورئيسه؛ لأن هذه هي الفرصة الأخيرة لهم للنجاة من هذا الطوفان الذي يضرب كيانهم العظيم.
وكل مصيبة تحدث فيه، لا بد من أن طرفاً خارجياً كان متسبباً فيها، وكل هزيمة هي بسبب: إما الحكم الذي أخطأ كما جرت العادة ليستفيد القطب الأول، أو الحظ الذي لا يُنصفنا أبداً ودائماً ما يخدم القطب الأكثر نفوذاً وحظاً، وإما بسبب ظروف إدارية أو محلية في دولته تدور وتستقر في كل مكان إلا مكان ناديهم.
هذه الفئة، هي التضاد الكامل للفئة الأولى؛ هؤلاء هُم من يُحولون أبسط الإنجازات إلى حالات استثنائية، ويعتبرون كل بطولة لهم بمثابة مجموع ما حققه الطرف الآخر باعتبار أن لقبهم يُساوي من النزاهة عشرة أضعاف ما تُساويه النزاهة في الكفة المقابلة!
يؤسفني إخبارك: لا أحد يهتم بك
تتفاجأ جماهير الكرة العالمية عادة، بحدوث صفقات مدوية كالمطرقة حينما تهوى على الرأس؛ صفقات تحدث في السر، أو تحدث في ظروف غامضة، أو تحدث لأن لاعباً من الغريمين قد تخلى عن فريقه وذهب إلى الطرف الذي يبغضه!
لاعبون لا يهتمون بنا ولا بكم، لا يكترثون لكل هذا السُبب والشتائم، لا يلتفتون لهذه الفوضى التي تحدث على كل مواقع التواصل الاجتماعي، ولا تُشاهدها ولا حتى تبحث عنها.
إنهم يستيقظون في الصباح، يذهبون إلى التدريب، يتناولون وجباتهم، يقضون وقتاً لطيفاً مع أُسرهم، ثم يعودون للمنزل لاستكمال ما اعتادوا روتينه كل يوم.
اللاعب لا يهتم برأيك فيه، هذه حقيقة لا تستبعد أن تُقابلها إذا أدركت أنها الحقيقة، ولذلك فهو يختار العرض الأنسب والأفضل والأكثر صخباً إذا حدث، اللاعب يذهب نحو الأموال فحسب، الفئة التي لا تفعل ذلك هي استثناء القاعدة حالياً وليست القاعدة نفسها!
اللاعب يختار تمثيل أي فريق يُريده لأنه يُريد ذلك؛ لا لأن أحداً أجبره ولا لأنه كان مُضطراً لقبول هذا العرض تحديداً، إلا في حالات يكون الأمر فيها فعلياً بعيداً تماماً عن رغبة النادي واللاعب وتفرضه عليهما اللوائح.
اللاعبون يذهبون نحو الأندية الأكثر إشراقاً في المستقبل، يذهبون نحو الأندية الأكثر إنفاقاً لخدمة الفريق ولهم، يذهبون نحو الأندية التي لا تُعارض، ويذهبون أيضاً نحو الأندية التي تكتظ بالشعبية الكبيرة، وبالإعلام الذي يتولى مهمة الدفاع عنهم على طريقته.
أنت ضحية…
أنت ضحية؛ هذه هي الحقيقة للأسف الشديد، لا أحد يأبه بك، إذا أرادوا أن يستفيدوا منك قالوا إن ناديك يُحارب لكي تنتفض وتُدافع عنه، وإذا رغبوا في إبرام أي شيء لا يُناسبك لن يهتموا بك ولا برأيك فيما سيفعلونه، أنت ضحية الإعلام الذي يضخ في رأسك كل هذه الأوهام حول ناديك، سواء كان ناديك من المستضعفين أو حتى من المتغطرسين، أنت ضحية كل هذه النقاشات الساذجة التي تخوضها بشكل دوري في مواقع التواصل الاجتماعي، والمقاهي، وترتكب فيه كل هذه الحماقات بتعصب شديد نحو كيان لا يعلم بوجودك سوى في حصيلة رقمية ضخمة، معظم من فيها هُم ضحايا على نفس شاكلتك، مهما كان مستواهم التعليمي أو الثقافي، أنت ضحية؛ لا أحد يهتم بها على الإطلاق!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.