ظهرت كرة القدم قبل عصور، لكنها كانت مقتصرة على فئة معينة، وغالباً ما تشمل الرجال فقط، لكن في الأزمنة القريبة تسنّى لنا أن نرى النساء يقتحمن هذا المجال، وصار بعضنا يشجع المرأة على اقتحام عالم المستديرة، بعدما حققن إنجازات مهمة وتاريخية في باقي الرياضات، لنجد بعضاً من أفراد المجتمع يفتخرون بنجاحاتهن، والبعض الآخر لم يعترف بذلك، حتى لو حصدن كل الجوائز، وانتصرن في كل المسابقات، كونه يرى أن مكان المرأة الأصلي في المطبخ.
في بلدنا المغرب تغيَّر كل شيء بعد الإنجاز التاريخي الذي حققه أسود الأطلس في مونديال قطر الأخير، حيث اتجهت عيون العالم أجمع إلى المغرب، وابتسم الحظ للرياضة المغربية، وأخيراً بعد مجهودات عديدة بُذلت على مدار السنين، لكنها لم تكن تُتوج بالجوائز المستحقة، أما هذه المرة فكل شيء تغير في الرياضة المغربية؛ إذ تمكّن الأسود من انتزاع ثمن تعبهم لسنوات، وانتشرت عدوى التفرد بالانتصارات، حتى شملت كل مجالات الرياضة المغربية، والحمد لله، ها نحن اليوم نحتفي بإنجاز اللبؤات، اللواتي رفعن العَلَم الوطني عالياً، بالتأهل لمونديال السيدات، ليكنَّ أول منتخب عربي نسوي يحقق هذا الإنجاز.
لكن مع الأسف، بعدما كان من المفترض أن يُعد هذا بحد ذاته مصدر فخر لنا جميعاً كجمهور، وحتى لو لم يتخطّين دوري المجموعات، إلا أن جلنا لاحظ كمية التنمر الذي انصبّ على لاعبات المنتخب الوطني المغربي، بعد خسارة أولى مقابلاته ضد المنتخب الألماني، الخسارة التي كانت طبيعية جداً ومتوقعة؛ كون هذا الأخير سبق وفاز بكأس العالم، وتُوج في العديد من المنافسات، ودولته تملك منذ سنوات آلاف النوادي الرياضية التي تؤهل الفتيات لاقتحام هذا المجال، ويعد المنتخب الثاني عالمياً في تصنيف الفيفا الأخير، عكس بطلات منتخبنا اللواتي صنعن مجدهن من اللاشيء؛ كون بلدنا لم يكن له المقومات نفسها التي تجعله يلتفت للاستثمار في الكرة النسوية، إلا في السنوات الأخيرة.
وتضاعفت كمية الحقد والكلمات الجارحة والاحتقار الذي مورس عليهن من قِبل البعض، فقط لكونهن نساء، ولأنهن تعثرن في أولى المباريات، والأدهى من ذلك أن الكلام الوقح الذي انتشر بعد المباراة لم يكن فقط من الرجال، بل حتى من قريناتهن النساء، حيث تم رفع شعار "كوزينتك"، وكأن أعمال المطبخ شيء معيب ومقتصر على النساء.
حتى لو كان مجرد التأهل لبطولة رياضية كهذه يعد فخراً للوطن ولكل رياضي ورياضية، فإن هذا لم يكن مبرراً كافياً يردع هؤلاء عن تعليقاتهم السلبية.
ومن الناحية الإيجابية فإن ما حدث لم يُحبط عزيمة لَبُؤات الأطلس ذرةً؛ بل على العكس تماماً، دفعهن ذلك لبذل أقصى ما بالوسع، لتحقيق المبتغى الذي ذهبن لأجله، وبطلات منتخبنا لا يعرفن أبداً طريقاً للاستسلام، واستطعن مجاراة كبار المنتخبات، مع أنه كان مجرد حلم، وحققن أول انتصار لهنّ في ثاني المباريات، بتغلبهنّ على منتخب شرس يسبقهن في الترتيب الكروي العالمي بفرق شاسع.
لكننا لم نشاهد الاحتفاء المتوقع بهن كما شاهدنا الملاحظات السلبية، التي انتشرت كالنار في الهشيم، حينما أخفقن في بداية مشوارهن بالمونديال، بل على العكس تماماً، لاحظنا بعضاً من المتنمرين بدل أن يشدوا على أيدي اللاعبات، ويعملوا على تشجيعهن لتخطي دور المجموعات، ويتمنوا لهن الفوز في المقابلة القادمة، قاموا بإطلاق تعليقاتهم السلبية على لباس إحدى البطلات؛ كونها محجبة بالطريقة التي لم ترضِ هؤلاء، وكأن النصح بنوعية ما ترتديه متوقف على رأيهم، مع أنها تُعد الوحيدة في كل المنتخبات التي تشبثت بحجابها، وكانت مصدر فخر لبلدنا، وتصدرت عناوين الصحف العالمية، وبدل أن نصفق لها جميعاً نجد بيننا من يحاول الانتقاص منها، لكن من المستحيل أن يحدث هذا ونصمت، فهذه البطلة تعد قلب دفاع اللبؤات، وظفرها يساوي كل هؤلاء التافهين الغارقين في مستنقعهم ويستيقظون فقط لتفريغ طاقتهم السلبية في مواقع السوشيال ميديا. وفي النهاية مسألة اللباس تخص الشخص نفسه، لا يحق لأيٍّ منا التدخل فيها، نحن لَسنا ملائكة الله في أرضه، نحن مجرد بشر نخطئ ونصيب، ولكلٍّ منا محاسنه وعيوبه، وما علينا فعله تجاه بطلات المنتخب هو الدعاء والتشجيع.
ومشاهدة طريقة اللعب والحبكة الرياضية، وليس شكلها وملابسها وظروفها الاجتماعية، وغيرها من المسائل التي أصبح بعضنا يدس أنفه فيها، بالرغم من أنها تفاصيل شخصية تخص الآخر ولا تعنينا نهائياً.
وإذا كنا نريد من البطلات التغلب على أكبر المنتخبات داخل الملعب، فعلينا أن نتّعظ ونأخذ العبرة من الجمهور الذي ساند الأسود في قطر، ونتصرف بالأسلوب نفسه، ونظل نشجع منتخباتنا بعد الخسارة كما نفعل عند الفوز، ونفتخر بهم وبهن، لأجل تحفيز الأجيال الصاعدة على بذل قصارى جهدها في هذا المجال وغيره، لرفع راية الوطن.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.