الإرادة الفلسطينية.. كيف تنمو المقاومة في الضفة الغربية رغم تنسيق السلطة؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/08/01 الساعة 14:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/08/01 الساعة 15:05 بتوقيت غرينتش
العدوان على جنين لم يحقق الأهداف المرجوة

يجتمع في فلسطين موقفان؛ موقف الفلسطيني الحر الذي يمثله محمد العزيزي وعبود الصبح وشباب المقاومة، وموقف الخذلان الممثل في السلطة الفلسطينية التي تنسق مع حكومة الاحتلال.

خلال متابعتي للأحداث في فلسطين، تبدو الأوضاع في الضفة ملتهبة، سواء في رام الله ونابلس وجنين أو في غيرها من مدن الضفة، فعلى ما يبدو، السلطة الفلسطينية لا تدخر جهداً في مطاردة الأبطال حاملي لواء الجهاد في الضفة، بل حتى إنها لا تتوانى في مهاجمة أهالي الشهداء أو المختطفين في سجونها؛ إذ لم تشفع وحشية الاحتلال الإسرائيلي واعتداؤه على مخيم جنين، فقام جنود السلطة باقتحام بيت المختطف القائد "مصعب الشتية"، واعتدت القوات على العائلة أمام ذهول الأهالي. 

تحت شعار "التنسيق المقدس" مع سلطات الاحتلال، أمست السلطة الفلسطينية جندياً إسرائيلياً لا يختلف عن باقي الجنود، له مهام محددة، كما له رقم مالي يتلقى أجره كل شهر من تل أبيب. 

وربما يتفق معي البعض أن اتفاق أوسلو عام 1993، كان بمثابة النكبة الثانية، فقبلها، كانت منظمة التحرير الفلسطينية ترفض الاعتراف بإسرائيل، وتسعى لاستعادة أرض فلسطين كاملة، لكن بتوقيع الاتفاق اعترف الفلسطينيون بوجود إسرائيل كدولة، على أساس قرار مجلس الأمن الدولي لتقسيم فلسطين بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وتم التوافق على أن يدخل اتفاق أوسلو حيز التنفيذ بعد شهر واحد من توقيعه.

9 اتفاقيات سياسية واقتصادية وأمنية وقَّعتها منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل على مدار 27 عاماً/ توقيع أوسلو 1993 – رويترز

واليوم لم يبق منه إلا ما يخدم المصالح الإسرائيلية، حتى إن نشأة السلطة الفلسطينية أصبحت نقمة؛ إذ تتعاون مع الاحتلال وتحول دون مشاركة أي فصيل فلسطيني آخر السلطة، لكي تبقى هى كممثل وحيد للفلسطينيين، في محاولة منها للحيلولة دون وصول أطياف أخرى على رأسها الحركة الإسلامية التي بات يتزعمها آنذاك الشهيد "أحمد ياسين"، وبهذا تمت معاهدة أوسلو التاريخية؛ التي قدمت لإسرائيل حلاً لم يكن ليخطر على البال؛ فعوض أن تشغل بالها بالضفة وجدت شرطياً مخلصاً يلعب دوره بطل أمانة وصدق، بل وقد يتجاوزها في إذلال الفلسطينيين. 

ربما يبدو لغير المتابع أن هذا الكلام قاسٍ بعض الشيء، فالسلطة الفلسطينية ستبقى فلسطينية ولن تتحول لإسرائيلية. لكن المتابع للأوضاع في الضفة سيبصم بالعشرة على ما ذكرته، بل سيزيد عليه كلاماً أشد قسوة، وهذا هو الواقع الفلسطيني، فإسرائيل تعمل على ملاحقة المقاومين واغتيالهم، والسلطة الفلسطينية تراقبهم وتقدم المعلومات عنهم وتسهل الاقتحامات وتتغافل عنها، فلنأخذ مدينة نابلس كمثال. 

ففي كل مرة تقتحم القوات الإسرائيلية نابلس، لم يحدث مرة أن تدخلت قوات السلطة واشتبكت مع المقتحمين؛ والملاحظ أنها تختفي حين الاقتحام فلا يكاد يرى أي عنصر منها، وتظهر مباشرة بعد انسحاب القوات الإسرائيلية؛ حتى بات اختفاء عناصر السلطة مؤشراً للاقتحام الإسرائيلي!

التنسيق الأمني بين أجهزة السلطة الفلسطينية وحكومة الاحتلال

بل إن محافظ نابلس حين سُئل عن المقاومة في المدينة نعت أمهات المقاومين بلفظ سيئ للغاية، ولمز وهمز في المقاومين البواسل. كذلك -كما سبق وأشرنا- تعتقل السلطات الفلسطينية المقاومين وتشتبك معهم في أحيان كثيرة، وتقتحم منازل أهلهم وتجرهم للتحقيق نكاية في المقاومين. 

كما لا يخفى على أحد في فلسطين أن السلطة الفلسطينية، تضغط على المقاومين في الضفة من أجل تسليم سلاحهم، والكف عن مقاومة الاحتلال، وهذا أمر لا تتحرج منه حكومة فتح، فعباس سبق وصرح مراراً وتكراراً بأنه يرفض رفضاً باتاً أن يطلق الفلسطيني رصاصة واحدة على إسرائيل، وطالب ببناء "جسر حب بين الطرفين"، وحين لم تحقق إسرائيل حلمه ببناء جسر الحب، بل حفرت بنادقها قبور الشهداء والمجاهدين والأطفال، ظهر في الأمم المتحدة وهو يصرخ "يا عالم احمونا!".

وفي تناقض يبكي ويضحك، نجد أي شخص أراد الدفاع عن فلسطين بسلاحه سيجد السلطة الفلسطينية في وجهه قبل حكومة الاحتلال، فبالتالي لا معنى لصراخ أبو مازن، وكل ما في الأمر أنها لقطة إعلامية يتقنها القائمون على السلطة في الضفة كثيراً، ففي العلن يصرخون وفي الخفاء ينسقون ويستثمرون أموالهم في إسرائيل. 

وحين نفق شمعون بيريز، لم تستحي السلطة وهي تقدم العزاء لإسرائيل، فهل يعقل أن يأمن المرء نفسه للسلطة كهذه؟ 

ولنكُن منصفين، يوجد داخل صفوف حركة فتح وداخل السلطة الفلسطينية رجال لا يبيعون وطنهم بل وكثير هم الذين ارتقوا شهداء بعد اشتباك مع القوات الإسرائيلية، وهم الذين كانوا في جنين جنباً إلى جنب مع الشباب يردون كيد الصهاينة.

الاشتباك المقدس.. من جميل العموري إلى النابلسي

لطالما كانت غزة في نظر الكل معقل المقاومة، بينما الضفة تخنقها السلطة، رغم ذلك ومن وسط مخيم جنين بزغ نجم جميل العموري، الشاب الذي جاء دون سابق إنذار ليسطر ملحمته الخاصة، ويعيد أمجاد المقاومة دون الاتكال على تنظيم سياسي، ويشعل في أزقة مخيم جنين نار الاشتباك المقدس.

ففي الوقت الذي أراد أهله أن يشتري السيارة لكسب قوت يومه وتأسيس أسرته، كان لجميل رأي آخر، ومشروع آخر؛ إذ سيبيع جميل سيارته، ليشتري بنادق له ولأصحابه.

كتيبة عرين الأسود في نابلس/ تصوير: هشام أبو شقرة
كتيبة عرين الأسود في نابلس/ تصوير: هشام أبو شقرة

وهكذا وضعت بداية "كتيبة جنين" لتشتعل روح المقاومة، التي سرعان ما ستنتقل من جنين نحو باقي المدن، وبالأخص نابلس؛ إذ سيعمل شباب من المدينة على زيارة الشهيد جميل العموري، ومن هؤلاء شهداء نابلس (عبود الصبح، محمد العزيزي، محمد الدخيل، أدهم مبروكة، إبراهيم النابلسي). 

سرعان ما اشتعلت الاشتباكات في جنين وفي نابلس، وفي كل مرة تقتحم القوات الإسرائيلية تمطرها بنادق الشباب بوابل من الرصاص، يفرض عليها التراجع أو ينتهي الاشتباك بمصرع جنود واستشهاد مقاوم فلسطيني، ومع أن كليهما يموت، لكن شتان بين هذا وذاك، بين العميل والشهيد.

استطاعت قوات الاحتلال بعد سنوات وأشهر وباستخدام الجواسيس والعملاء، اغتيال المقاومين في جنين وعرين الأسود، فاستشهد كل من القائد جميل العموري، والقائد عبود الصبح، والقائد محمد العزيز، والقائد أدهم مبروكة، الملقب بالشيشاني، والقائد إبراهيم النابلسي، والقائد وديع الحوَح.

استشهادهم لم يحبط العمل المسلح بل زاده توهجاً؛ عملاً بوصية النابلسي قبل استشهاده "لا تتركوا البارودة"، وعوض أن ترتاح السلطات الإسرائيلية ومعها السلطة الفلسطينية، أصبحتا أكثر توجساً، فقد باتت الضفة الغربية تشهد تنسيقاً بين المقاومين، وتعرف بين الفينة والأخرى عمليات منفردة. لقد استعرت نار الشهادة في قلوب الشباب الفلسطيني في الضفة، وأضحى كل من يمتلك السلاح يتجه نحو إحدى كتائب المقاومة، ونحن اليوم أمام غزة جديدة ولا شك ستشهد السنوات القادمة انتفاضة جديدة تقودها الضفة الغربية، ومعها ستنتهي السلطة ومنسقو الاحتلال، خاصة مع تردي الأوضاع الصحية لأبومازن؛ لذلك بشكل واضح يصرح القادة في إسرائيل بأهمية السلطة الفلسطينية كجندي إسرائيل وأحد أعمدة بقاء دولتهم، وكما قلنا بقاء السلطة الفلسطينية أولوية عند إسرائيل وأمريكا.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علي الرباج
كاتب مغربي
كاتب مغربي
تحميل المزيد