"بالطبع كل شيء بيننا سيكون بالمشاركة، ولكل منا دوره"
بهذه الكلمات أجبت خطيبتي التي سألتني بغتة عن أدوارنا في رعاية بيتنا المستقبلي، ولم أكن أدرك حينها أنه أمر يستوجب نقاشاً كبيراً، فالأمر بسيط وسنتشارك في أعمال البيت سوياً.
ودعتها، وأنا في طريقي استرجعت حديثنا في الأمر، وأعدت التفكير في مدى أهمية هذه المسألة، وأدركت مدى صعوبة الأمر للمرأة بأن تعمل داخل المنزل وخارجه، وإن كان عملها خارج المنزل اختيارياً في بعض المجتمعات المرفهة، فعملها داخل المنزل أمر حيوي وضروري، وحتى وإن أقسمت لها بالمشاركة في بعض الأعمال، فالنظرة الاجتماعية توجب على المرأة تحمل مسؤولية الأعمال المنزلية دون مقابل مادي متفق عليه ولا عدد ساعات عمل معينة.
هل العمل المنزلي يستحق الأجر؟
لم تكن خطيبتي هي أول من يطرح هذه الأسئلة ويناقشها، خلال نهاية الستينات وبداية السبعينات تحديداً، تطرقت العديد من التيارات النسوية اليسارية الغربية لهذه المسألة، وظهرت نقاشات مثيرة حول طبيعة وجدوى العمل المنزلي، ولعل هذا ما نلمسه في مقال المفكرة النسوية مارغريت بنستون "الاقتصاد السياسي لتحرر المرأة"، إذ نوهت إلى أن النظريات الماركسية السائدة تجاه العمل تغفل عن دور النساء في تحليل الاقتصاد الرأسمالي العام، إذ تركز هذه النظريات بشكل أساسي على عمل المصانع والمكاتب المصنفة كأعمال خاصة بالرجال.
كما تفترض بنستون أن الاستغلال الرأسمالي يحدث بشكل طبقي بحت، مما أدى إلى تجاهل الاختلافات بين النساء العاملات والرجال العاملين، حيث يتم التعامل معهم على أنهم يعانون من نفس الظروف في سوق العمل.
فالعمل المنزلي مصطلح شامل تندرج تحته العديد من الأقسام، كالتنظيف والطبخ ورعاية الزوج والأطفال والحسابات المالية المنزلية، وترتيب العلاقات الاجتماعية، وفي المقابل لا يلقى هذا العمل القيمة الاجتماعية المستحقة باعتباره عملاً لا يجني مالاً على عكس عمل الرجل.
أما عن المفكرة مارياروزا داللا كوستا، فترى في مقالها "النساء والانقلاب الاجتماعي"، أن رأس المال يعتمد على الأسرة بكامل أفرادها من أجل إعادة إنتاج العمالة بأقل تكاليف، وهنا يأتي دور المرأة في خدمة عجلة الإنتاج عن طريق رعاية الرجل العامل وإنجاب الأبناء وتربيتهم.
ومن هنا جاءت لداللا كوستا ورفيقاتها فكرة تأسيس حركة نسوية عالمية تحت اسم "الأجور مقابل الأعمال المنزلية"، والتي لم تكن تهدف إلى حصول النساء على أجور مقابل العمل المنزلي، وإنما تسعى إلى تطبيع مفهوم العمل المنزلي وترسيخه على أنه عمل لا يقل أهمية عن عمل الرجل المحدد بساعات معينة.
لتأتي بعدها المفكرة الأمريكية والناشطة الحقوقية أنجيلا ديفيس، رافضة الطرح الذي قدمته مارياروزا داللا كوستا طامحة في تأسيس نظام اشتراكي للعمل المنزلي، مبررة ذلك بصعوبة الأعمال المنزلية في الأساس، وأن هموم النساء هي الهروب من هذه المعاناة وليس فقط الحصول على أجر مادي في مقابلها.
ودعمت ديفيس طرحها بالاشارة إلى أن النساء العاملات اللاتي كن يعملن في منازل الطبقات الراقية (وكن تاريخياً عادة نساء أفرو أمريكيات، وحالياً من المهاجرات من آسيا أو أمريكا اللاتينية) كان يمثلن أدنى فئات القوى العاملة في أمريكا. وعليه، إذا تم دفع أجور هؤلاء النساء المشتغلات في المنازل، فإن ذلك لن يؤدي إلى إنهاء استغلال العمل المنزلي بشكل عام، بل سيؤدي فقط إلى تعميمه على جميع النساء بدلاً من التركيز على الفئات التي امتهنت العمل المنزلي.
وبعيداً عن الحلول المقترحة من هذه الأطروحات، ساعدتني هذه التحليلات للتفكير في النظرة المجتمعية لدى أغلب مجتمعاتنا العربية في وقتنا الحاضر للعمل المنزلي، وأدركت أنها ربما تكون بشكل كبير هي المشكلة الأكبر وراء مشاكل بنيوية داخل دولنا وبيوتنا، إذ بينما يشتكي بعض الرجال من دخول المرأة سوق العمل ومنافستها لهم، ينظرون بعدم تقدير للعمل المنزلي ودورة الحيوي في زيادة ثرواتهم وإنتاجهم.
ولا تقتصر المشكلة في نظرة الرجال فقط للعمل المنزلي بل النساء أيضاً، فالمرأة بدون عمل خارج المنزل لا ترى ذاتها متحققة، فتندفع لمشاركة الرجال أعمالهم في المصانع والورش والمكاتب، في محاولة لإثبات قيمتها المجتمعية التي لم تجدها في العمل المنزلي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.