خرج اللاعب المصري صالح جمعة منذ أيام، في لقاء على إحدى القنوات المصرية ليتحدث عن موهبته الضائعة، والتي كادت في يوم من الأيام أن تضعه في فريق كبير مثل: ريال مدريد وبرشلونة، على حد تعبيره.
هذه المعضلة لا نستطيع التملص منها أبداً بالمناسبة؛ معضلة أن نحترف لكي نروي لمن يعيشون هنا ما شاهدناه في الخارج، معضلة أن نذهب لأننا لا بد من أن نعود حاملين قصصاً وحكايات لمن لم يذهب.
صالح جمعة الذي خاض فترة معايشة في أندية: سبورتينج لشبونة البرتغالي، وبروسيا دورتموند الألماني، وعاد إلى الدوري المصري ولعب في أفضل نادٍ في إفريقيا؛ النادي الأهلي.
لكن صالح حاله حال معظم من سبقوه في هذه الدائرة؛ لاعب يعرف أن لديه موهبة، ويعرف أنه لن يستثمرها بالشكل الصحيح، ويعرف أنه سيمتلك مساحة من الغفران عند كل جمهور يُمثل ناديه، ثم سيعتزل بلا أي إنجاز يُذكر، بعدها سيعود إلى الشاشة عبر البرامج المملة التي تبدأ من بعد العشاء وتنتهي قبل الفجر.
وسيتباكى على مسيرته التي أضاعها بمحض إرادته، وسيتحدث عن جودته وستسعى البرامج لاستضافته، لقول نفس الكلام في كل لقاء، وستزيد المشاهدات على كل حلقة يظهر بها، وستُكتب نفس التعليقات عنه: "لو ركز هذا اللاعب في مسيرته لأصبح…".
أحمد حسام ميدو هو مثال حي على هذه المقولة؛ الرجل الذي تحدث عنه مدربه الهولندي السابق والأسطورة الهولندية في المنتخب ونادي برشلونة، رونالد كومان، وقال إنه لا يفهم كيف يتعامل الشعب المصري مع أحمد حسام ميدو وكأنه إله!
لم يكن أحمد حسام ميدو مجرد موهبة عابرة بالنسبة لمصر، بل كان أكثر من ذلك، ففي عام 2003 كتبت الجارديان البريطانية في تقريرها عنه: "هو يمثل الشارع العربي، أكثر مما يُمثل ديفيد بيكهام الإنجليز، هو بمثابة مارادونا للأرجنتين وربما أكثر!".
لعب أحمد حسام ميدو في أندية كثيرة أهمها: روما الإيطالي، سيلتا فيغو الإسباني، توتنهام الإنجليزي، وبالطبع نادي أياكس أمستردام، كما أنه كان على أعتاب الانضمام لنادي يوفنتوس الإيطالي لولا وصول السويدي زلاتان إبراهيموفيتش للفريق.
وعاد ميدو إلى مصر، حاملاً معه القصص التي يعشقها الناس ويلتفون حول قائلها لسماعها، وأصبح إعلامياً يتحدث كما يتحدث كل من لعبوا كرة القدم في مصر ولا يمتلكون أسلوباً لبقاً ولا حتى أفكاراً تليق بمشاهديهم.
على عكس هؤلاء، كان محمد صلاح؛ الحالة المصرية الوحيدة التي خرجت ولم تعُد، ورغم انتقاد الناس له أحياناً بأنه لم يعد يمثل ثقافتهم، إلا أنه لا أحد تقريباً يستطيع إنكار أن محمد صلاح قرر الخروج عن هذا السرب الذي سيعود حتماً إلى وطنه، لكنه خرج منه باحثاً عن سرب آخر يطوف العالم كله دون تحديد نقطة وصول!
نحن نُعاني كثيراً ولا أحد يهتم!
في لقاء سابق مع الإعلامية منى الشاذلي، تحدث البطل المصري في رياضة رفع الأثقال، محمد إيهاب، عن معاناته الشديدة في تطوير نفسه بنفسه، وعن رغبته في رفع علم مصر في المحافل العالمية، وكان محمد إيهاب يستأجر شقة في شارع فيصل بالجيزة، ليتدرب فيها على رفع الأحمال الثقيلة استعداداً للبطولات التي من المُمكن أن يُشارك بها.
قال محمد إيهاب إنه كان يستأجر الشقة في مبنى كان آيلاً للسقوط، ولهذا السبب كان البطل المصري يرفع الثقل كاملاً ثم ينزل به بهدوء شديد ليضعه على الأرض، لا كما نراه على التلفاز؛ يرفعه ثم يتركه بسرعة من ثقله!
بطل مصري آخر في رياضة الشطرنج؛ كان اسمه باسم أمين، البطل الذي كان يتدرب ويسافر ويُواجه أبطال العالم على نفقته الخاصة، واضطر أيضاً لخوض بطولات عالمية بمفرده، ودون أن يسمع عنه أحد.
باسم أمين لمن لا يعرفه؛ هو أول مصري وعربي وإفريقي، يحصل على لقب السوبر جراند ماستر، أعلى ألقاب رياضة الشطرنج، وكذلك أول مصري وعربي وإفريقي يدخل تصنيف أفضل 100 لاعب في رياضة الشطرنج.
باسم تحصل على مجموع 104% في الثانوية العامة؛ بسبب التزامه الدراسي علاوة على تفوقه الرياضي، ثم التحق بكلية الطب، وفي السنة الثالثة له في الكلية تعنتت إدارة الكلية لتأجيل الامتحانات الخاصة به؛ فاضُطر آسفاً أن يعيد السنة الثالثة في الكلية للمرة الثانية بعد رسوبه!
الأمر أسوأ بكثير مما تظن
لم يكن محمد الشوربجي وشقيقه مروان الشوربجي، أول ولا آخر من سيهرب بموهبته للنجاة في قارب التجنيس؛ لأن الأمر أبعد مما يكون عن التجنيس نفسه.
الفكرة كلها، أن هذه الرياضات ترفع اسم مصر عالياً، نعم بعضها قد لا يكون هو الرياضة الأولى ولا الثانية ولا حتى الثالثة في اهتمامات الشعب المصري، لكنهم يفلحون في جلب ميداليات وألقاب لا يستطيع منتخب الرجال في كرة القدم تحقيقها، وهو المنتخب الذي فشل في الوصول إلى 22 نسخة كاملة من كأس العالم إلا في ثلاث نُسخ فقط!
وعقب كل إخفاق قاري وعالمي للمنتخب المصري للرجال، يتحدث الناس عن سوء الحظ وعن اللعنة التي تُلاحقنا؛ دون التركيز على حقيقة أننا لا نعمل بالقدر الكافي لنتأهل، فلسنا السنغال التي تأهلت إلى البطولة على سبيل المثال بنفس عدد مرات وصول مصر تاريخياً في بداية قرننا الحالي؛ أي منذ عام 2000 وصلت السنغال إلى كأس العالم بنفس عدد مرات وصول مصر إليه منذ عام 1930!
الأمر يصعب حصره في نقطة أو نقطتين؛ لأنه أكبر من ذلك بكثير، فلنسأل أنفسنا: لماذا تصبغ محمد صلاح بصبغة الغرب بعد أن كان يُشبهنا واعتبرناه واحداً منّا؟ لماذا تهرب معظم المواهب المصرية إلى الخارج وتُمثل دولاً لا تطيق ذِكر اسمها؟ لماذا تتمتع المواهب الفاشلة باهتمام وتكريم بعد اعتزالها وتُستضاف على شاشات التلفاز وتتحول إلى نماذج تؤخذ كقدوة للأجيال القادمة؟ لماذا يتحدث الأشخاص الذين لم يُحققوا شيئاً طوال مسيرتهم كأنهم يعرفون كل شيء دون خجل من جهلهم؟
إذا عرفنا إجابات هذه التساؤلات؛ سنعرف في المقابل لماذا نسألها…
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.