أحد ممن أعرفهم تزوج عن حب، ولأنه كان مثالياً في نظراته وتصوراته، متأثراً ربما بما يدور في الدراما الحالمة تملّك منه الغضب لمّا تلاشى التجمل، فتسرع وطلق زوجته، ولما استرد عقله، اكتشف أن الله قد وهبه جوهرة ثمينة، لكنه لم يتمكن من المحافظة عليها، وها نحن على أعتاب السنة الثالثة، وما زال مهتماً بإرسال من يقنعها بالعودة إليه، لكنها مصرة على عدم العيش معه مرة أخرى لأنه- بزعمها- كسر كبرياءها التي تمثل رأس مالها.
وما فتئ صاحبنا يصبح كل يوم ويمسي نادماً على الذي فعله ساعة غضبه.
كان "أرسطو" شديد الإعجاب بنموذج المرء الذي يغضب من الشخص المناسب بالقدر المناسب في الوقت المناسب للهدف المناسب، وراح علماء النفس يقيسون ذكاء المرء العاطفي من عدمه بناءً على القرب والبعد عن تلك المعادلة التي أرساها أرسطو، ذلك أنه من الصعوبة بمكان أن يتحكم الإنسان في نزعاته، ونزواته، وأن يحسن قراءة مشاعر الآخرين العميقة، فضلاً عن أن يجيد التعامل بمرونة مع الخلاف والاختلاف فيخرج غضبه مكسواً باتزان.
و"عنترة بن شداد" قبل 1600 سنة وفي زمن الجاهلية، كان يؤكد أن الحاقد لو كانت منزلته رفيعة لما حمل حقداً على أحد، ولا كان الغضب من طبعه؛ ذلك أن مَن طبعه الغضب ينفر الناس منه، فلا ينال المنزلة الرفيعة التي يريدها، وذلك في مطلع قصيدته التي يقول فيها:
لا يَحمِلُ الحِقدَ مَن تَعلو بِهِ الرُتَبُ
وَلا يَنالُ العُلا مَن طَبعُهُ الغَضَبُ
الغضب شعور من المشاعر التي تسيطر على كل الناس، فهو بالأساس غريزي، وأعلم أن متبلدي الإحساس فاقدي الذوق يحيطون بنا من كل جانب غير أنه يحلو لكثير من الناس أن يجعلوا الغضب مبرراً للعدوان، فالعدوان ليس أمراً فطرياً في الإنسان بخلاف الغضب، ومن ثم لا يجوز لعاقل أن يتخذ من غضبه مبرراً لتجاوزه في حق الآخرين.
أعتقد أنّ نصح نبينا الكريم محمد- عليه أفضل الصلاة والسلام- للرجل الذي أتاه طالباً النصيحة، بقوله: (لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب) من أجمل النصائح على الإطلاق؛ لأن فيها معالجة للفعل وقت حدوثه، ووقاية للإنسان في المستقبل من شر قد يقع، وذلك لأن الإنسان لحظة الغضب يدخل في حالة نفسية تبعث على الهياج يتبعها تصرف لا شعوري يخرجه عن جادة الصواب، وحتماً سيكون لأفعاله وتصرفاته وقت الغضب تبعات ثقيلة في المستقبل، من المؤكد أنه سيندم عليها ولات ساعة مندم.
أنصح دائماً بعدم الغضب ولا أعفي نفسي من المبالغة أحياناً في مشاعري وأقوالي وأفعالي، ومن ثم فلم أكتب من باب التنظير أو المثالية، لكن ربما تأتي الكلمات في إطار من رأى من نفسه ضعفاً، فأحب ألا يراه في الآخرين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.