تختلف الدول الإفريقية عن بعضها البعض، بسبب ما يملكه كل بلد من تاريخ وجغرافيا ولغة مختلفة ومميزة، رغم ذلك تتشارك أغلب دول القارة سمات فشلها الديمقراطي، الذي يرجع إلى الإرث الاستعماري، وهذا ما عبّر عنه عالم الاجتماع البيروي "آنيبال كيخانو" بمصطلح "كولونيالية السلطة"، حيث يرى كيخانو أن الاستعمار لا ينتهي بنهاية الوجود العسكري للمستعمر في البلاد، وإنما بنهايته على المستوى الفكري كذلك. وهذا الذي لم يحدث إلى الآن في القارة الإفريقية.
فلم يتغير الواقع السياسي والاقتصادي والقانوني لأغلب الدول الإفريقية عن حقبة الاستعمار. حيث ظلت آليات القمع الحكومي وجميع المؤسسات تعمل بنفس نمط الدولة الاستعمارية التي تحاول تأميم المجال العام لصالحها، وتقمع أي حركة مقاومة لسلطتها مقابل بعض الحقوق الاقتصادية للمواطن والتي سريعاً ما تبخرت مع الفشل الاقتصادي.
الفشل المتكرر على المستوى الاجتماعي-الاقتصادي والقبضة الأمنية القوية للعسكر في القارة السمراء بشكل عام، يوضحان لماذا تظهر أغلب الدول الإفريقية بشكل حاسم وفعال عند اتخاذها إجراءات قمعية أو وحشية، كان المثال الأبرز على ذلك الأنظمة بدول شمال إفريقيا في ردع الربيع العربي بحزم لا نظير له. بينما ظهرت خجولة مستحية من أدائها الهزيل في تطوير المجتمع وتلبية احتياجات المواطنين.
فما زالت إلى الآن الأنظمة الحاكمة في قارة إفريقيا تنظر إلى مواطنيها والشارع السياسي على أنهم مجالات يجب أن تبقى تحت السيطرة، وكلما نجحت الأجهزة الأمنية في إحكام قبضتها اعتبرت الأنظمة نفسها ناجحة، لأنه يقلل من فرص إزالتها، وهذا تصور استعماري صبغت به هذه الأنظمة نفسها بينما تحاكي المستعمر. وهذا بدوره ينعكس على سياسات وفكر هذه الأنظمة من حيث رؤيتها لشكل وأولويات الدولة وتفاعلاتها مع المجتمع.
ففي أغلب الدول الإفريقية، نجد أن القادة الحاكمين يعملون على تقويض سيادة القانون وإضعاف المؤسسات الديمقراطية، وهذا يشبه بشكل ملحوظ، أساليب الحكم التي كان يمارسها المستعمرون الأجانب في الماضي. على سبيل المثال، يمكننا الإشارة إلى 4 زعماء أفارقة بدأوا فترات جديدة بالحكم في الأشهر الأولى من عام 2021، رغم القيود الدستورية المفروضة على عدد فترات الولاية.
في جمهورية الكونغو، يتصدر دينيس ساسو نغيسو قائمة الرؤساء الذين استمروا في السلطة لفترات طويلة، حيث يعيش الآن فترة ولاية سابعة. وكذلك يوري موسيفيني في أوغندا الذي بدأ فترة ولاية سادسة، وإدريس ديبي رئيس تشاد الذي بدأ فترة ولاية سادسة أيضاً حتى مقتله في 20 أبريل/نيسان 2021، وإسماعيل عمر جيله رئيس جيبوتي الذي بدأ فترة ولاية خامسة، وهو ثاني رئيس لجمهورية جيبوتي منذ استقلالها عن فرنسا.
هؤلاء الزعماء بعقليتهم الاستعمارية تجاوزوا القيود الدستورية للبقاء في الحكم لفترات طويلة جداً، والعديد منهم فعل ذلك أكثر من مرة، مما يوضح لنا لمَ تفشل ديمقراطيات إفريقيا في صنع مؤسسات حُكم شرعية تُمكنها من المحافظة على ديمقراطيتها.
إن استمرارية الحكم الطويلة بدون انتخابات حرة ونزيهة، تدمر أي فرص للديمقراطية وتعطي فرصة للاستبداد والفساد واستمرار الاستعمار الفكري. لتحقيق التقدم والاستقرار في الدول الإفريقية، يجب تعزيز مفهوم الحكم الديمقراطي الحقيقي، والالتزام بتنظيم انتخابات حرة ونزيهة، وتعزيز مفاهيم مثل فصل السلطات واحترام حقوق الإنسان ومكافحة الفساد. تحتاج إفريقيا إلى قادة يعملون بجد للنهوض بمصالح شعوبهم وبناء مؤسسات ديمقراطية قوية وشفافة، متخلصين من داء فكر المستعمر القديم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.