“العدوى الأخلاقية”.. هل أصبحت مجتمعاتنا بيئة خصبة لنشر الأفكار المسيئة؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/07/29 الساعة 07:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/07/29 الساعة 07:51 بتوقيت غرينتش


هل أنت عدوى، هل مفهوم العدوى يرتبط بالأمراض فقط، هل يمكن أن تُعدي غيرك عن طريق أمر آخر، مشاعرك مثلاً، هل من الممكن أن يؤثر عليك أحد بسهولة، هل نحن في عالم يمكن أن يعدي شخصٌ شخصاً آخر عبر بعض الحروف والكلمات؟

العدوى الحقيقية ليست عدوى الأمراض، بل هي عدوى الأخلاق، فعدوى الأمراض يمكن أن تنتهي بأي وسيلة ممكنة، لكن من الصعب أن تنتزع خُلقاً سيئاً من شخص ما، فالصديق الصالح يجعل صديقه صالحاً إذا كان الأول أكثر تأثيراً على الثاني، والعكس صحيح أيضاً، يمكن للصديق الضال يجعل صديقه ضالاً مثله، وعندما تبدأ دائرة العدوى الأخلاقية بين الأشخاص لا تنتهي، وتبدأ بالانتشار سريعاً كسرعة الضوء، فكما يقولون، أصدقاؤك أو المقربون إليك هم عنوانك، فلقد جاء في الحديث الذي رواه أبو موسى الأشعري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّما مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ، والْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحامِلِ المِسْكِ ونافِخِ الكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ إمَّا أنْ يُحْذِيَكَ، وإمَّا أنْ تَبْتاعَ منه، وإمَّا أنْ تَجِدَ منه رِيحاً طَيِّبَةً، ونافِخُ الكِيرِ إمَّا أنْ يُحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أنْ تَجِدَ منه رِيحاً خَبِيثَةً". متفق عليه.

الكلمة في ذاتها عدوى بأحاسيسها وعواطفها المتدفقة من القلوب إلى الألسن إلى الآذان المنصتة، فعلى سبيل المثال، عندما تقول لشخص: ثيابك حسنة وجميلة، ستنتقل هذه الكلمة فوراً إلى أذنيه، وسيشعر بسعادة غامرة على مدار اليوم، وتبثُّ فيه الثقة والثبات، أما إذا قلت له: ثيابك سيئة، حتى ولو على سبيل المزاح، فسوف يشعر بضيق وحزن في نفسه، وسيهتز وربما يسقط كعمود صدِئ.

وكما أن كل أمر يقوم الإنسان به على مدار حياته مؤثر على حياة غيره كما ذكرنا، فإن الأشياء الصغيرة التي ليس لها صيت كأشياء كبيرة أخرى مبهرجة مؤثرة أيضاً، كالابتسامة الصغيرة صباحاً في وجه أحدهم، لها مفعولٌ ساحر، فالابتسامة عدوى، تزرع في القلوب الفرح، وتنزع الهموم مهما كانت، وتضع أولى الخطوات للمحبة بين شخصين، وتذوّب الاختلافات والنزاعات بين المتخاصمين، فالابتسامة وقعها على القلب كالمعجزة، فهي ليست فقط عضلات وجه تنقبض وتنبسط، بل هي سحر يتدفق من القلب إلى القلب، فالأمر يظهر أنه هين، لكن في باطنه معانٍ كثيرة تَخفى على الأبصار، وتعلمها القلوب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَبَسُّمُك في وَجْه أَخِيك لك صَدَقةٌ" رواه الترمذي، فالبشاشة ليست طبعاً سهلاً على كل البشر، بل هي عادة تعكس القلب وطهارته، وتنزع الحقد، وتُظهر السماحة والتواضع، فهي مجموعة من المشاعر، فبالتالي ليس غريباً أن الابتسامة تفعل المعجزات، أليس كذلك؟! 

من المحزن أن نرى مجتمعاتنا لا تتحرى العدوى الأخلاقية أو العاطفية، ولا تفكر في الكلمة قبل أن تخرج من أفواهها، فتصيب قلباً فتقتله حزناً وقهراً، فنحن أصبحنا في مجتمعات لا تنشر إلا السلبية المُطلقة والأفكار السيئة، لا أخفيكم أني أعلم أن معظم أولئك الناس لا يفهمون ما معنى الإيجابية والسلبية في حد ذاتها، ولكن يجب على كل شخص أن يكون نبراساً لمن حوله، ليبين الحق والنور، فإذا لم يكن بيننا أحد يعي تلك الأفكار فسوف تُهدم مجتمعاتنا عن بكرة أبيها، وسوف تتغلغل في القلوب الحقد والغيرة والكره.

ما عليك فقط إلا أن تكون أنت الإيجابي، وتنشر الأفكار الحسنة، وتؤثر فيمن حولك، فتخيَّر أفكارك التي تأخذها ممن يحيطون بك، وتخيّر كلماتك التي تخرج من فِيكَ، ولا تنسَ أنك عدوى! وضَعْ حداً لمن حولك؛ كي لا يكونوا عدوى تقتلك من الداخل، وتهدم عقلك، فأفراد المجتمع هم كالمبنى الواحد؛ إذ تأثرت لبنة تأثر المبنى كله وسقط، وتذكّر دائماً: "أنت عدوى"!.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر هشام مغربي
كاتب مصري
مهندس وكاتب مصري، له العديد من المقالات والقصص المنشورة. من أعماله "أذنبت مرة أخرى".
تحميل المزيد