بعد أن طوت الدول العربية صفحة الخلاف التي استمرت لسنوات طويلة مع النظام السوري، تكللت بعودته إلى جامعة الدول العربية، في خطوة محورية، نحو إعادة تأهيله إقليمياً، لم تتخطّ هذه العودة أثقل الملفات التي لطالما ناقشتها هذه الدول مع بشار الأسد قبل الموافقة على إعادته إلى مصافها.
الكبتاغون أو ما يُعرف بالمخدر المعجزة، وهو دواء مشترك من الأمفيتامين والتوفيلين، منشط ومنبه شديد يسبب الإدمان، ورغم مرور 10 سنوات من حرب مدمرة، نالت من الأراضي السورية وشعبها وغيرت من شكلها في الخرائط، فرُسمت وقسمت معابر جديدة داخلية تفصل بين المناطق، إلا أن شيئاً واحداً بدا وكأنه عابر للتقسيم وخطوط التماس فتحوّل إلى تجارة مربحة تفوق قيمتها 10 مليارات دولار: الكبتاغون، ليغزو بعدها هذا المخدر دول الشرق الأوسط التي أصبحت تعاني من هذا العقار.
وصارت المسألة أكثر تعقيداً من كون الكبتاغون مجرد حبوب سحرية ارتبط اسمها بتنظيم الدولة والجماعات المتشددة في سوريا والعراق، فهذا المخدر يدرّ مدخولاً هائلاً على أطراف متنوعة في بلد أنهكت الحرب اقتصاده لتتحول سوريا بزعامة الأسد لدولة مخدرات بامتياز.
منذ حضور بشار الأسد القمة العربية في جدّة وما تلا ذلك من سلسلة تحركات للسعودية في دمشق واصلت العديد من الدول العربية ومنها السعودية والعراق الإعلان عن ضبط شحنات كبيرة من المخدرات والكبتاغون، وكذلك الأمر بالنسبة للأردن نقطة العبور الأولى، إذ واصلت خوض "حربها" على الحدود، معترضة دخول هذه الحبوب في شحنات مخبأة داخل صناديق الخضراوات والفواكه ومعلبات المواد الغذائية وحتى في بطون الماشية، وعبر طائرات الدرون.
هذا المشهد أثبت أن تخلي نظام الأسد عن تجارة الكبتاغون مقابل عودته إلى الحضن العربي لن يتم، فهذه العودة لن تعوضه عن مليارات الدولارات التي يجنيها عن طريق تجارة هذه المادة، حيث تُعد حبوب الكبتاغون اليوم أبرز الصادرات السورية، وتفوق قيمتها كل قيمة صادرات البلاد القانونية، وفق تقديرات مبنية على إحصاءات جمعتها العديد من الهيئات الدولية، خلال العامين الماضية، لتطرح بعدها العديد من التساؤلات بشأن مآلات "القضية الكبرى" بين الدول العربية والنظام السوري، وما إذا كان الأخير يمتلك القدرة في تقديم "خطوة مقابل خطوة"، وهي المقاربة المتبعة في عملية إعادته إلى الحضن العربي، بعد سنوات من القطيعة.
التخوف من استفحال ظاهرة تهريب المخدرات من سوريا دفع إلى عقد اجتماع عاجل بين الجيش والمخابرات في الأردن وسوريا الأحد 23 يوليو/تموز لمناقشة مكافحة تجارة المخدرات المتنامية عبر الحدود المشتركة، التي شهدت مناوشات ألقي بالمسؤولية عنها بشكل أساسي على ميليشيات موالية لإيران لها نفوذ في جنوب سوريا.
بينما السعودية وبقية دول الخليج تحارب في جبهة واسعة لضرب مخابئ شبكات المخدرات، وهي تدرك أن الأمر أوسع من مجرد إيقاف ملايين حبوب الكبتاغون التي تتقاطر من كل حدب وصوب، وأن حقيقتها تتلخص في محاولات يائسة لضرب المصادر الرئيسية التي أغرقت شوارعها بالكبتاغون.
دول الخليج متخوفة من فشل مقاربة خطوة بخطوة التي أعلنت عنها بشأن جهود مكافحة الكبتاغون، إذ أدركت أن الملف أثقل من احتوائه ضمن اتفاقيات، فهو لم يعد يختصر بعمليات تهريب، بل بوجود شبكات مستوطنة منذ سنوات طويلة لن يكون القضاء عليها بالبساطة التي توقعتها هذه الدول في بداية الأمر، فهذه الشبكات لها حلفاء وشركاء، وأصبحت تشكل ما يسمى الاقتصاد الموازي في المنطقة.
إن عودة سوريا إلى الجامعة العربية لم تكن محفزة بالقدر المطلوب الذي يجعلها تتخلى عن تجارة الكبتاغون، ولم تتضمن من جهة أخرى التزامات حقيقية لتجاوز حقبة دولة المخدرات، فمن الخطأ الاعتقاد بأنه على المدى القصير ستتخلص من تجارة هذا المخدرة، فالأسد الذي استطاع أن يوفر مليارات الدولارات من تجارة المخدرات والتي سمحت له بالاستمرار بالرغم من العقوبات المسلطة عليه، لن يتخلى عليها بسهولة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.