تقف الصهيونية الدينية اليوم في مركز الصراع داخل دولة الاحتلال، وهي عامل تصعيد ضد الفلسطينيين، وخصم عنيد للعلمانيين الصهاينة، هذا الأسبوع هدد إيتمار بن غفير بحل الائتلاف الحكومي إذا قبل نتنياهو بحلول وسط مع المعارضة بشأن مشروع قانون "الحد من المعقولية"، الذي يعد انقلاباً على الديمقراطية في دولة الاحتلال.
الصهيونية الدينية هي أصغر التيارات الرئيسية الأربعة في دولة الاحتلال حجماً: (أصغر من اليمين العلماني، واليسار العلماني، والتيار الديني الحريدي)، لكنها اليوم أبرزها تأثيراً في السياسة الصهيونية، وأكثر صخباً وتحمساً لمبادئها.
من المفارقات أن الصهيونية الدينية اليوم هي على النقيض تماماً مما كانت عليه منذ 70 عاماً، حيث كانت جسراً بين المتدينين اليهود والعلمانيين، وكانت تياراً هامشياً قليل التأثير، كما كانت مواقفها من الفلسطينيين أقرب للحمائم من الصقور.
ولكن كيف حصل هذا الانقلاب ولماذا تأسست وكيف تطورت الصهيونية الدينية؟
الحركة الصهيونية هي حركة علمانية "تنويرية" وحملت في بداياتها الأولى ثورة على التقاليد الدينية التوراتية والمؤسسة الحاخامية في أوروبا، والكثير من قادتها الأوائل لم يكونوا علمانيين فحسب؛ بل كانوا ملحدين، ولهذا اخترعوا "الشعب اليهودي" كقومية وليس كأتباع ديانة.
أما المؤسسة الحاخامية التقليدية فنظرت بعداء للصهيونية بسبب ثورتها على التقاليد الدينية، كما عارضت قيام دولة لليهود في فلسطين؛ لأن هذه يجب أن تكون بقرار رباني حسب المعتقدات الدينية السائدة، ويجب "انتظار أن يرسل الله المسيح والهيكل من السماء".
هنا جاءت فكرة الصهيونية الدينية التي نظّر لها الحاخام أبراهام كوك بداية القرن الماضي (منذ 120 عاماً تقريباً)، واعتبر أن الفكرة الصهيونية هي ترجمة لتعاليم الدين اليهودي رغم أن قادتها علمانيون.
فاستخدمت الحركة الصهيونية الفكر "الصهيوني الديني" من أجل استقطاب المتدينين اليهود وإقناعهم بقبول فكرة قيام دولة إسرائيل.
عند إنشاء دولة الاحتلال عام 1948 كان دور الصهيونية الدينية هامشياً في السياسة الداخلية الإسرائيلية وكانت أقرب للأداة بيد الدولة من أجل إعطاء صبغة دينية لمشاريعها.
نقطة التحوُّل
بدأ التحول في دور الصهيونية الدينية بعد احتلال القدس والضفة وغزة عام 1967، استخدمتها دولة الاحتلال لتشجيع الاستيطان في المناطق المحتلة، وتحمست الصهيونية الدينية لهذا الدور؛ لأن الضفة والقدس تمثلان قلب الأرض المقدسة والمدن التاريخية التوراتية مثل الخليل ونابلس والقدس، والهيكل المزعوم.
نشأت إثرها جماعات متعددة تدور في فلك الصهيونية الدينية مثل "غوش أمونيم" و"أمناء جبل الهيكل"، ونشطوا في تشجيع الاستيطان.
كما نشأت أحزاب وجماعات تدعو لطرد الفلسطينيين نهائياً وتهويد الضفة بشكل كامل مثل حزب "كاخ" الذي أسسه الحاخام مئير كاهانا، والذي حمل أيضاً فكراً معادياً للصهاينة الذين يعتبرهم "متساهلين مع الفلسطينيين"، وبسبب آرائه المتطرفة تم إخراج حزب كاخ عن "القانون الإسرائيلي".
بعد أن كانت الصهيونية الدينية أداة بيد دولة الاحتلال انقلبت عليها وأصبح لها شخصيتها المستقلة والمتطرفة، وبدأ الصدام بعد اتفاقية أوسلو التي تخلت عن مناطق توراتية تعتبرها الصهيونية الدينية أهم من تل أبيب نفسها.
وأصبح التيار جزءاً من التحريض ضد إسحاق رابين، واستغل حزب الليكود ذلك وانتهى الأمر باغتياله على يد أحد أنصار الصهيونية الدينية.
ازداد نفوذ الصهيونية الدينية بعد صعود شارون للحكم وظهور جماعات استيطانية متعددة مثل "فتيان التلال" و"تدفيع الثمن" التي استخدمها شارون لخدمة مشاريعه الاستيطانية.
الصهيونية الدينية في مركز القرار
ومع عودة نتنياهو للحكم أصبحت الصهيونية الدينية أكثر نفوذاً، وأصبحت لها أجندتها الخاصة بتعزيز الاستيطان في الضفة.
وهنا يجب أن نفهم شيئاً عن الصهيونية الدينية أنها ليست حزباً واحداً؛ بل هي أكثر التيارات في دولة الاحتلال تشرذماً واختلافاً، لذا بالتوازي مع تصاعد الخلاف بين نتنياهو وخصومه كان هنالك صراع يجري داخل الصهيونية الدينية، انتهى بتحييد الأطراف الأقل تطرفاً مثل نفتالي بينيت وأيليت شكد، وحزب البيت اليهودي، وسيطرة الأطراف الأكثر تطرفاً ممثلة بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، والذي يعد امتداداً لحزب كاخ الذي يعتبر خارجاً عن القانون في دولة الاحتلال وأمريكا وأوروبا.
واستغلت الأحزاب الدينية بشقَّيها (الحريدي والصهيونية الدينية) حاجة نتنياهو لها في مواجهة معارضيه من أجل فرض شروطها، سواء ما يخص بالاستيطان وما نراه اليوم من فلتان المستوطنين في الضفة هو انعكاس لذلك، أو ما يخص فرض القوانين والتشريعات التي تقوض من الأسس الليبرالية والعلمانية والديمقراطية لدولة الاحتلال.
إن الصهيونية الدينية اليوم هي أكثر التيارات في دولة الاحتلال عداءً للفلسطينيين، والأكثر تعصباً لما تريده والأكثر صخباً، والأقل مرونة في التفاهم مع شركائها في دولة الاحتلال.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.