في الأجيال التي سبقت جيلنا، كان من الطبيعي أن تجد رجلاً قد نال أعلى الشهادات العلمية بينما زوجته لم تصل إلى ما وصل إليه، فربما اكتفت بالابتدائية، أو الإعدادية، بينما كان الوفاق والتفاهم بينهما في أعلى درجاته.
في تصوري كان ذكاء المرأة الاجتماعي يشفع لها، فلم تكن كل أمهاتنا وجداتنا من الدارسات لعلوم وفنون التربية، لكن الواحدة منهن كانت مدرسة في الذوق وحُسن التوجيه والإرشاد وتدابير الحياة.
طلبات الرجل بسيطة جداً، وهذا ربما ما لا تدركه كثير من النساء اليوم، وقد تبدأ علاقة بانجذاب متبادل، استناداً إلى الشكل، خفة الدم، الثراء، التفوق العلمي، المستوى الاجتماعي المرموق، وغيرها، لكنها قد تفشل على المدى المتوسط والبعيد لضعف التوافق.
مخطئ من يعتقد أن الحب وحده يصنع بيوتاً سعيدة، أو الزواج من امرأة جميلة شكلاً، أو الارتباط برجل أكثر دخلاً، بل من يصنع ذلك (التغافل) وسعي كل طرف لفهم الطرف الآخر؛ فالرجل قد ينبهر بالمرأة الذكية علمياً، الجميلة شكلاً، المميزة قواماً على المدى القريب، لكنه على المدى المتوسط والبعيد يحب ويعشق المرأة الذكية ذكاءً اجتماعياً، التي تعظّمه أمام أهله، وضيوفه، وترفع قدره، وتثني على رأيه، تشعره بأنه رجل بكلمات مفعمة بالمدح والإطراء، تسارع في ضيافة زواره، متفهمة لطبيعة الخلافات الزوجية، متقبلة لعيوبه، قليلة الشكوى والتذمر، تختار الوقت المناسب والمكان المناسب لبثّ شكواها، المتحلية بحسّ الفكاهة، القادرة على اتخاذ قرار في غيابه دون تردد، الرقيقة غير القاسية.
ومن ملامح الذكاء الاجتماعي توحيد المشاعر وانسجامها، فلا يفرح أحدهما وقت حزن الآخر، ولا يبدي حزناً وقت فرحه، ولهذا من نماذج الحب الفريدة نموذج سيدنا عبد الله بن رواحة وزوجته، ومن تجليات هذا الحب الفريد أنها رأت سيدنا عبد الله يبكي فقال لها: ما يُبكيك؟ قالت: رأيتُكَ تبكي فبكيت!
لماذا كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أحب الناس جميعاً (رجالاً ونساءً) إلى قلب رسولنا صلى الله عليه وسلم؟
الحب ميل قلبي لا دخل للإنسان فيه، ولكن قد توجد أسباب واضحة لتعميق هذا الحب، وبالنظر لحال أم المؤمنين عائشة فقد كانت زوجة مثالية يجتمع فيها الجمال بكل مشتملاته، عالمة، مثقفة، أديبة، شاعرة، ذكية ذكاءً اجتماعياً فاق التصور رغم صغر سنها، فقد دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو على فراش الموت، ولما نظرت في عينيه أدركت أنه يرغب في استخدام السواك دون أن يطلب منها ذلك، فلم تكتف بإعطائه السواك، لكن قامت بمضغه ليلين فيتمكن صلى الله عليه وسلم من استخدامه بأقل مجهود، وقد استغرب ابن أختها عروة بن الزبير من حالها فسألها يا أمَّتاه، لا أعجَبُ مِن فقهك؛ أقول: زوجة نبيِّ الله وابنةُ أبي بكر، ولا أعجبُ مِن عِلمِك بالشِّعر وأيامِ الناس؛ أقول: ابنة أبي بكر، وكان أعلمَ الناس، ولكن أعجبُ مِن علمِك بالطبِّ، فجاوبته بأنها كانت تسجل ما كان يمليه العرب الوافدون على النبي أيام مرضه من وصفات وطرق علاجية.
أما عن حال بعض نساء والرجال اليوم، فقد تعيش المرأة مع زوجها 100 عام ولا تدري شيئاً عن ذوقه في المأكل والمشرب وما يبسطه وما يفسد مزاجه، وفي المقابل قد تجد الرجل مر على زواجه أعوام ولا يدرى شيئاً عن نفسية زوجته، فيتعامل معها كما لو أنها جماد ضمن مكونات البيت.. ثم يسألون عن سر تزايد حالات الطلاق!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.