كان أوريول روميو، على رأس القائمة التي يطمح من خلالها برشلونة لاستكمال نهج الجيل الأفضل في تاريخه؛ فريق بيب غوارديولا.
في أكاديمية نادي برشلونة، كان أوريول روميو رفقة تياغو ألكانتارا، مارك بارترا ومارتن مونتويا، من الأسماء اللامعة في صفوف الفريق الرديف لبرشلونة.
ربما كان روميو أقلهم موهبة وأكثرهم دراية بذلك أيضاً، وكان الكادر الفني لبرشلونة على علم بالأمر، وكان يرى أن أوريول روميو لن يستطيع المواصلة أبداً في سرعة الكرة التي يقدمها فريق برشلونة الأول.
في الفريق الأول لبرشلونة، كان سيرجيو بوسكيتس يترأس مثلث خط الوسط المتمثل في الثلاثي: أندريس إنييستا، وتشافي هيرنانديز، وسيرجيو بوسكيتس، وبالتدريج تلاشت فرصة أوريول روميو في تمثيل الفريق الأول لبرشلونة بصورة مستمرة؛ وقرر على إثر ذلك أن يُغادر إسبانيا قاصداً إنجلترا تحديداً.
تعاقد معه نادي تشيلسي، وكان روميو يعتقد أن الحظ يمكث في لندن، لكن الفريق الأزرق كان لديه بالفعل لاعب ارتكاز لا يمكن الاستغناء عنه مهما كانت الإغراءات؛ الغاني مايكل إيسيان.
ومع الوقت، فَهم روميو أن منافسة هذه المواهب، في فرق مثل برشلونة وتشيلسي، ليست لمن هُم مثله، واتجهت مسيرته التي بدأت في قمة الهرم للسقوط بسرعة حتى استقرت به في ساوثهامبتون، وكما جرت العادة في مثل هذه القصص، لم تكن خطوة ساوثهامبتون إلا خطوة تُقربه من الإعارات، والوصول إلى جيرونا، الصاعد حديثاً إلى الليغا الإسبانية منذ سنوات.
وتعلم أوريول روميو درساً مهماً مما حدث؛ أن الحياة قد تمنحك فُرصاً يحسدك الناس عليها، لكن موهبتك لا تسعفك للتكيف والتأقلم معها بأفضل طريقة ممكنة لذلك!
نصيحة غيرت مسار حياته بالكامل
حينما كان في صفوف تشيلسي، كان يتدرب في المواعيد المُحددة، ويُغادر الصالة الرياضية نحو المنزل، ويتبع نظاماً غذائياً مُحدداً، لكن المشكلة كلها تكمن في الفراغ الكبير على مدار ما تبقى من اليوم.
في تشيلسي، سأل زميله الإسباني خوان ماتا، عن أي شيء يفعله في يومه؟ فكانت نصيحة ماتا: اقرأ..
من يومها، لم يتوقف أوريول روميو عن القراءة أبداً، وتحول بالتدريج من قارئ إلى كاتب ومؤلف، نعم، الصفقة الجديدة لنادي برشلونة هو رجل مثقف للغاية، ولا تنطبق عليه كل النِكات السخيفة التي تم تداولها على كل مواقع التواصل الاجتماعي، العربية منها والأجنبية أيضاً.
ألّف أوريول روميو كتابين، سعرهما يتراوح بين 25:30 يورو للكتاب الواحد، ومؤلفاته نالت استحسان الكثير من القُراء والكُتاب المشهورين في قارة أوروبا.
ولم يتوقف طموح أوريول روميو عند هذا الحد، بل وصل إلى حضوره ندوات لتحفيز الشباب في الأكاديميات التابعة للأندية الإسبانية، وتحدثه معه وإلقاء كلمة في بعضها، علاوة على محاولاته لتعلم مختلف لغات العالم، لدرجة أنه تعلم اللغة اليابانية؛ تحسباً لإمكانية التوجه نحوها خلال مسيرته الكروية، أو زيارتها بعد اعتزاله، أو حتى السفر إليها بقصد معايشة شعوب مختلفة عن الشعوب الأوروبية.
قرأ روميو كثيراً، واستمد جزءاً كبيراً من سلامته النفسية ناحية الناس من تجاهلهم، حيث يعتبر الفيلسوف الألماني أرتور شوبنهاور، فيلسوفه الذي يتخذ منه أفكاره ومعلوماته.
لاعب كرة قدم من دون حسابات سوشيال ميديا
لاحظنا أن نادي برشلونة أثناء إعلانه عن التعاقد مع أوريول روميو، لم يُشر لحسابات اللاعب على أية منصة؛ السبب في ذلك أن أوريول في الأصل لا يمتلك أي حساب على مواقع التواصل الاجتماعي.
في بداية مسيرته، ومع دخول عالم الميديا بقوة، بصفته قد مثّل برشلونة الإسباني وتشيلسي الإنجليزي، كان روميو مفتوناً في البداية بفكرة أن يُنهي المباراة ويضع بعدها صورة تليق به مع عبارات رنانة للمتابعين.
لكنه جلس مع نفسه، وقال إن الأمر يبدو سخيفاً للغاية، لا فائدة تعود عليه من الظهور بأفضل صورة ممكنة، ووضع عبارات سخيفة عليها، لكي يُقيمه الناس سواء بتعليقات إيجابية أم سلبية، وكأنه يبيع نفسه لهم مقابل هذه التعليقات.
لا يمتلك أوريول روميو حساباً على منصة التواصل الاجتماعي إنستغرام، وأيضاً كان يمتلك حساباً على منصة تويتر، ولم يكُن يشارك عليها بصفة مستمرة، إلى أن أغلقه هو الآخر.
"إذا كانوا يستفزونك بسهولة؛ فهذا يعني أنهم يتحكمون بك بالسهولة نفسها، آراء الناس ليست بهذا القدر من الأهمية".
ابتعاد روميو عن مواقع التواصل واعتزاله آراء الناس؛ جعله إنساناً واقعياً بصورة أكبر، وأصبح أوريول روميو أباً كما يُمكن أن يوصف الأب بالتعريف الصحيح، أصبح قريباً للغاية من أسرته وزوجته.
ولم يتوقف أوريول عند هذه المرحلة من التواضع؛ فقرر أن يحلق رأسه بالكامل رفقة مجموعة من الأصدقاء، وقال فيما بعد إن الصلع علامة من علامات العبقرية، ومن يتمتعون بالصلع لديهم جانب أفضل من بقية البشر، وسواء كنت بلا شعر أو كان لديك الكثير منه، فهذا لا يعني أبداً أن تكره نفسك، ولا تنتظر أن يُقيمك أحد بناءً على ما يراه هو فيك.
"البساطة" درس من حياة أوريول روميو
للوهلة الأولى، قد يظهر من صورة أوريول روميو كِبر عمره، لكن على العكس فهو على سبيل المثال أصغر من روبرت ليفاندوفسكي وإلكاي غوندوغان وفي عُمر مارك أندريه تير شتيجن نفسه؛ وربما لهذا السبب سَخر الناس منه.
لأن هيئته كانت توحي بالبساطة الشديدة، خرج من برشلونة ليتغرب بحقيقة ومجاز الفعل حرفياً، بيقين تام أنه لا يليق بأسلوب لعب الفريق، لكنه وافق على أول عرض قُدم إليه حينما أتاه برشلونة، وعاد لسد الثغرة نفسها التي خرج من أجلها في الأساس؛ تعويض رحيل سيرجيو بوسكيتس.
الصفقات في مواقع التواصل الاجتماعي غالباً تُقيّم على أساس الشكل، ومقاطع الفيديو المتداولة في كل مكان للاعب، ولا تهتم الجماهير بشخصية أو جوانب محورية في حياة بعض اللاعبين، الذين من الممكن أن يكونوا أسوأ بكثير من ظنهم فيهم، وبعضهم أفضل بكثير من الأفكار المتداولة عنهم!
لذلك، كان أوريول روميو محقاً تماماً، حينما قال إنه لا يهتم؛ لا يهتم بآراء الناس حوله كلاعب، ولا حتى بآراء الناس حول شخصيته أو هيئته الجسدية وملامح وجهه، وهو في الأساس لا يكترث بكل ما قيل عنه، لأنه لا يمتلك حسابات يُمكن من خلالها الاطلاع على كل التعليقات السلبية التي لاحقته منذ ارتباط اسمه بفريق برشلونة!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.