يعاني قطاع غزة، منذ أن فرضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي حصاراً عليه، من انقطاع مستمر للكهرباء بشكل يومي، في ظل الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، يشكو سكان القطاع، من ساعات طويلة من قطع الكهرباء، الأمر الذي أدى إلى غضب كبير أظهرته مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، من خلال حملة إلكترونية تطالب بتشغيل المولِّد الرابع في محطة توليد الكهرباء، وأثارت الأزمة موجة غير عادية من السخط والاستياء على وسائل التواصل الاجتماعي.
ماذا يعني تشغيل المولِّد الرابع بالنسبة للأهالي؟
تشغيل هذا المولِّد من شأنه دعم جدول توزيع الكهرباء المعمول به بكمية كهرباء تقدر بـ20 ميجاوات، وهي كمية ليست كبيرة ولكنها ستمكن شركة توزيع الكهرباء من تطبيق جدول 8 ساعات وصل التيار بشكل كامل، مع إمكانية تطبيق بعض الزيادات في ساعات الليل. وتتراوح احتياجات قطاع غزة من الكهرباء في الأيام العادية ما بين 450 إلى 500 ميغاوات، وتزداد هذه الاحتياجات في ذروة فصل الصيف لتصل إلى 600 ميغاوات، بمعنى أن العجز تقريباً 50% من احتياجات قطاع غزة من الكهرباء. ويبقى التساؤل المطروح من قبل الغزاويين والذي يحتاج إلى إجابة: "هل أزمة انقطاع الكهرباء أزمة مفتعلة؟ ومن يتحمل مسؤولية أعباء انقطاع الكهرباء الذي يؤثر سلباً على حياة المواطنين؟
مع ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة العالية واستمرار أزمة انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، يعيش المواطنون في غزة حياة بؤس، في ضوء الاتجار بأسعار الكهرباء عبر المولدات، وفوضى منتشرة في قطاع غزة. ويعد الاحتلال الإسرائيلي مسبباً رئيسياً للأزمة، بدءاً باستهدافه المباشر لمحطة التوليد، ورفضه السماح بإدخال معدات المحطة، وربطه السماح بإدخال الوقود ضمن مساومات سياسية، كما أدى الانقسام السياسي إلى خلق ازدواجية في المسؤولية عن المحطة وقطاع الكهرباء في قطاع غزة ككل؛ نظراً إلى حالة التشابك بين الإدارات على صعيد المسؤولية تجاه توريد السولار. ولا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال تأثيرات الحصار الإسرائيلي الخانق الذي فُرض عقب سيطرة حركة حماس العسكرية على القطاع عن تداعيات هذا الخلاف، وما رافقه من زيادة الفجوة في القرارات بين طرفي الانقسام.
وتتمثل أسباب الخلاف بين طرفي الانقسام في النزاع على الشرعية والمسؤولية بشأن هذا الملف. ففي الوقت الذي رأت فيه السلطة الفلسطينية أنها الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين، وأنها يجب أن تتلقى الأموال المحصلة من غزة، ثم تعمل على سداد ثمن الفواتير، وإرسال كميات الوقود اللازمة بمحطة التوليد، رأت حركة حماس أنها الحكومة الشرعية القائمة، وإلى جانب ذلك تبرز أسباب فنية متعلقة بمتابعة الكشوفات المالية الخاصة بالتحصيلات من المشتركين في القطاع، وحجم الأموال المحصلة، وآليات التسديد والدفع، مروراً بالملف الفني الخاص بالصيانة والمعدات اللازمة لتطوير الشبكة.
وعلى الرغم من أن حماس تدير السلطة الحاكمة لقطاع غزة بشكل تام، فإنها تلقي ملف الكهرباء دائماً على عاتق السلطة الفلسطينية التي تدفع فاتورة الخطوط الإسرائيلية والمصرية وتمول ثمن الوقود، وفي ملفات أخرى أيضاً تظهر حكومة غزة كمن يريد الحكم دون بذل أي تكلفة خدماتية أو تطويرات في البنى التحتية والقطاع المؤسسي والمجتمع المدني، فقط تريد مكاسب ذلك الحكم، ولتتحمل السلطة الفلسطينية نفقات قطاع غزة، فحكومة غزة غير متفرغة لهذه الملفات الهامشية، وأمامها مع الفصائل الإسلامية والوطنية رحلة طويلة من الإعداد والتجهيز "لمعركة تحرير فلسطين".
منذ سنوات، يدور الحديث في قطاع غزة عن مشاريع يتم تنفيذها من أجل المساهمة في التخفيف من الأزمة، أو مشاريع ذات طابع استراتيجي تستهدف القضاء على المشكلة من جذورها، إلا أنها لم تصل إلى مرحلة التنفيذ الحقيقي، ومنها مشروع غاز مارين، ويقدر الاحتياطي في الحقل بـ1.1 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، أي 32 مليار متر مكعب، يعادل طاقة إنتاجية 1.5 مليار متر مكعب سنوياً لمدة 20 سنة لتشغيل التوربينات في محطة التوليد، ووجود الغاز بحد ذاته لا يولد كهرباء، الغاز يخفض تكاليف إنتاج الكهرباء في محطة التوليد ولا يزيد كمية الكهرباء المولدة من التوربينات، يعني توفر كل الغاز في العالم لن يزيد إنتاج محطة التوليد عن الحد الأقصى التصميمي لها، وهو 120 ميغا وات/ساعة، بافتراض تشغيل المولد الرابع.
موضوع الجباية هو جوهر الأمر في أزمة الكهرباء الحاصلة في قطاع غزة، وللأسف الشديد السلطة الوطنية هي من تدفع فاتورة الكهرباء عن غزة، وهناك من يجبي من المواطنين سعر الكهرباء ولا تستفيد منه كهرباء غزة مطلقاً.
والمطلوب باختصار أن تكون هناك جباية أولاً من الجميع من كافة المؤسسات الموجودة، ويتم استثمار هذا المبلغ في تحسين الكهرباء بتشغيل المولدات الموجودة التي تحتاج إلى وقود، وهذا الوقود يتم شراؤه من الطرف الإسرائيلي، والمطلوب تشغيل كافة المولدات الموجودة، وهذا يتطلب توفير الأموال، والأموال موجودة بفعل الجباية، ناهيك عن أن السلطة الوطنية هي من تدفع الكهرباء التي تأتي من إسرائيل، وهذا هو جوهر الموضوع. وعلى الجميع أن يلتزم وتحديداً المؤسسات الرسمية في قطاع غزة بدفع ما تستهلكه من كهرباء.
كما أن هناك ضبابية في موضوع الكهرباء، وهذا يعود لغياب الشفافية والوضوح والمحاسبة على الأداء وليس المحاسبة على الفواتير، كما أن محاولة البعض تحويل الموضوع إلى مشكلة جباية فهذا مزعج جداً؛ لأنه بفرض التحصيل 100% من كافة الفواتير، فإن كمية عرض الطاقة غير كافية. إن موضوع الجباية مهم لتشغيل الأعمال اليومية لشركة توزيع الكهرباء التي تعاني من مشاكل كثيرة، وجزء كبير من تلك المشاكل يخص النمط الإداري وموازين القوى، وأن منظم الخدمة شريك في الشركة وأمور كثيرة. إن عدم وجود منظم خدمة محترف وليس له مصلحة مع مزودي الخدمات هو أمر أساسي من أساسيات حوكمة الإدارة العامة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.