المجالد بالعربية أو "Gladiator" بالإنجليزية واحد من أكثر أفلام هوليوود احترافية، واستحق عن جدارة أن يحصد العديد من الجوائز العالمية. وهو فيلم تدور أحداثه في عصر الإمبراطورية الرومانية، وتحديداً في عصر الإمبراطور والفيلسوف الرواقي ماركوس أوريليوس.
شاهدت الفيلم أكثر من مرة، غير أن المرة الأولى استوقفني فيها مشهد في بداية الفيلم، بقيت أفكر فيه طويلاً لدرجة أعمتني عن التركيز فيما تلاه من مشاهد.. فالحرب دائرة والأشلاء متناثرة وفي وسط الأهوال جنود وقادة ميدانيون يتفانون في قتل أكبر عدد من الجيش المقابل.
على الجانب الآخر، يجلس الإمبراطور، الذي يقوم بدوره الممثل الأيرلندي "ريتشارد هاريس"، على فرسه في منطقة ليست قريبة من البقعة التي تدور فيها الحرب الشرسة، ينتظر أن يبشره أحد الجنود بالنصر، أو يخبره بالهزيمة؛ فيجد متسعاً من الوقت كي يهرب.
حتى ابن الإمبراطور والذي أبدع في دوره الممثل "خواكين فينيكس"، والذي من المفترض أن يتولى كرسي الحكم بعد أبيه، ورغم أنه يتمتع بحيوية؛ لأنه في عز شبابه وأوج قوته، كان جالساً في عربة تجرها الخيول في مشهد يعكس الوجه المضاد للحرب.
في الواقع فكرة أن ينأى الإمبراطور أو الزعيم والحاكم بنفسه عن مناطق الخطر لم ترد في الأفلام فقط، بل كان ذلك أمراً واقعاً في جل المعارك التاريخية.. لماذا يضحي الملك أو الإمبراطور بنفسه؟ بل من يضحي هم العبيد وعامة الشعب، وإن لزم الأمر فالقادة الكبار في الدولة!
بعيداً عن الأفلام والسينما وقريباً من ذكرى الهجرة النبوية التي نستنشق عبيرها في تلك الأيام المباركة دار بخلدي كيف تصرف الزعيم والرائد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بشجاعة في أحداث الهجرة، وكيف انصرف الجميع، وبقي هو معرضاً للخطر؛ لكي ينطبق عليه الوصف الذي وصف به نفسه: "الرائد لا يكذب أهله"، والرائد تعني المتقدم الشجاع الذي يسبق قومه.
لقد كان خروج النبي من وسط الأهوال والمخاوف مبرهناً على كمّ الشجاعة التي يتحلى بها؛ فقد فوجئ النبي صلى الله عليه وسلم برجل يدعى بريدة بن الحصيب، زعيم قبيلة أسلم، ومعه سبعون من أبناء القبيلة لا يريدون إلا إيقاف النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه وتسليمه، وتسلم الجائزة التي رصدتها قريش، فلم يرتعد ولم يخف، بل حاورهم وأقنعهم بالإسلام، فدخلوا جميعاً في دين الله، وصلى معهم النبي العشاء جماعة ممثلين بقوامهم هذا ثلث من دخل في الإسلام من وقت نزول الوحي.
بل لما عرض عليه دليله في الهجرة عبد الله بن أريقط طريقين، محذراً إياه من أحدهما؛ لأن به لصين فاتكين، مقترحاً أن يسلك طريقاً آخر، أمره الرسول أن يمضي في الطريق الذي به هذان اللصان حتى أتى إلى الجبل الذي فيه الغار وناداهما أن انزلا، فنزلا ودار حديث بينهما وبين الرسول ابتدره النبي سائلاً: من أنتما؟ فقالا: نحن المهانان.
فقال الرسول: "انزلا فأنتما المكرمان" فنزلا، وبعد نقاش مثمر أسلما.
إن رسولنا الكريم، نأى بفكرة أن الزعيم أوالحاكم يجب أن ينأى بنفسه عن مناطق الخطر، معرضا فقط جنوده وشعبه، بل أكد على فكرة "الرائد" الذي يتقدم قومه وأهله بكل شجاعة وحكمة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.