النبوة والرسالة.. ضرورة عقلية وحاجة بشرية

عربي بوست
تم النشر: 2023/07/18 الساعة 07:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/07/18 الساعة 07:38 بتوقيت غرينتش
صورة تعبيرية

إن النبوة اتصال بين الخالق والمخلوق في تبليغ شرعه، وسفارة بين الملك والمالك الواحد الأحد وعبيده، ودعوة من الرحمن الرحيم -تبارك وتعالى- لخلقه ليخرجهم من الظلمات إلى النور، وينقلهم من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فهي نعمة مهداة من الله تبارك وتعالى إلى عبيده، وفضل إلهي يتفضل به عليهم، وهذا في حق المرسَل إليهم. 

أما في حق المرسَل نفسِهِ فهي امتنان من الله يمُنّ بها عليه، واصطفاء من الرب له من بين سائر الناس، وهِبة ربانية يختصه الله بها من بين الخلق كلهم، ولا تُنال النبوة بعلم، ولا رياضة، ولا تُدركُ بكثرة طاعة وعبادة، ولا تأتي بتجويع النفس، أو بإظمائها كما يظن مَن في عقله بَلَادة، وإنما هي محض فضل إلهي واصطفاء رباني، فهو جل وعلا كما أخبر عن نفسه: ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [البقرة: 105].

إن النبوة لا تأتي باختيار النبي، ولا تُنال بطلبه، ولذلك عندما قال المشركون كما يحكي القرآن: ﴿لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ أجابهم الرب تبارك وتعالى: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾.

فالله تعالى هو الذي يقسم ذلك، ويتفضل به على من يشاء من الناس، ويصطفي من يشاء من عباده، ويختار من يشاء من خلقه، ما كانت الخيرة لأحد غيره، وما كان الاجتباء لأحد سواه. 

وإنّ الإيمان بالنبوة هو الطريق المؤدي إلى معرفة الله عز وجل ومحبّته، والمسلم المفضي إلى رضوان الله وجنته، والسبيل المؤدي إلى النجاة من عذاب الله، والفوز بمغفرته.

والحكمة من بعث الرسل والأنبياء منها: 

– حاجة الخلق إليهم.

– دعوة الناس إلى عبادة الله.

– إقامة الحجة على البشر بإرسال الرسل.

– الأنبياء هم الطريق لمعرفة العقائد الغيبية.

– حاجة الخلق للقدوة الحسنة.

– إصلاح النفوس وتزكيتها.

– تحقيق غايات عظمى ووظائف كبرى.

– الاستفادة من سنن الله في الأفراد والشعوب والأمم والدول.

– تعليق القلوب والأرواح بالله تعالى، والسير في موكب الأنبياء والمرسلين المبارك. 

ب. خصائص الأنبياء والمرسلين:

يمكن إجمال هذه الخصائص التي تفرّدوا بها عن سائر البشر فيما يلي:

اصطفاؤهم بالوحي والرسالة.

العصمة.

تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم.

تخييرهم عند الموت.

يدفن النبي حيث يموت.

لا تأكل الأرض أجسادهم.

أحياء في قبورهم.

لا يورثون بعد موتهم.

إعداد الله لهم وتهيئتهم لرسالاته، وقد تم تفضيل كل هذه الخصائص بأدلتها الشرعية في كتابي عن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام.

ويُعدّ الإيمان بأنبياء الله ورسله ركناً من أركان الإيمان، فلا يتحقق إيمان العبد حتى يؤمن بجميع الأنبياء، ويصدّق بأن الله تعالى أرسلهم لهداية البشر، وإرشادهم، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وأنهم بلّغوا ما أُنزل إليهم من ربهم البلاغ المبين، فبلّغوا الرسالة، وأدّوا الأمانة، ونصحوا الأمة، وجاهدوا في الله حق جهاده، قال تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ [البقرة: 285].

ومن السنة قول النبي ﷺ: "الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن بالبعث".

قال ابن تيمية: فنؤمن بما سمى الله في كتابه من رسله، ونؤمن بأن لله رسلاً وأنبياء سواهم لا يعلم أسماءَهم إلا الذي أرسلهم، ونؤمن بمحمد ﷺ، وإيمانك به غير إيمانك بسائر الرسل، وإقرارك به وتصديقك إياه دائماً على ما جاء به، فإذا اتَّبعت ما جاء به أديت الفرائض، وأحللت الحلال وحرّمت الحرام، ووقفت عند الشبهات، وسارعت في الخيرات. 

وقال أيضاً من أطاع رسولاً واحداً فقط فقد أطاع جميع الرسل، ومن آمن بواحد منهم فقد آمن بالجميع، ومن عصى واحداً منهم فقد عصى الجميع، ومن كذَّب واحداً منهم فقد كذب الجميع، لأن كل رسول يصدّق الآخر، فمن كذَّب رسولاً فقد كذَّب الذي صدّقه، ومن عصاه فقد عصى من أمر بطاعته.

إن الإيمان بأنبياء الله عز وجل لا يتم حتى يؤمن العبد بجميع الأنبياء من غير حصر، من قصهم الله علينا ومن لم يقصصهم، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [غافر: 78].

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علي الصلابي
داعية ومؤرخ إسلامي
داعية ومؤرخ إسلامي متخصص في قضايا الفكر السياسي والتاريخ الإسلامي
تحميل المزيد