جمعني موقف بصديق سعودي أخذ يعلمني بعضاً من اختلاف اللهجات داخل المجتمع السعودي، وهي كثيرة ومتشعبة، ولكل لهجة خصوصية لا تخلو من جمال.
أخذني ذلك الموقف لأفكر: لماذا قد يشعر بعض الناس في مجتمعاتنا بالحرج عند التحدث بلهجتهم الأصلية؟ بينما أعتقد أن من علامات ودلائل السواء النفسي أن تتكلم بلهجة أهل بلدك، فلا تخجل أن تتحدث بالطريقة التي يتحدث بها محيطك الاجتماعي، وليس من التمدن والتحضر في شيء اعوجاج لسانك لتبدو مثقفاً، أنيقاً، ذا مكانة اجتماعية رفيعة.. ومن العيب الشديد أن يتم الاستهزاء باللهجات ذات الطابع المحلي.
في ستينيات القرن الماضي تم تحويل مسرحية "بجماليون" للأديب العالمي برنارد شو إلى فيلم سينمائي بعنوان سيدتي الجميلة أو "My Fair Lady"، وحاز هذا الفيلم على العديد من الجوائز العالمية، من أبرزها جائزة الأوسكار لأفضل فيلم، وقد عالج هذا الفيلم مسألة تَهمّ المجتمع الإنجليزي، الذي يحظى بتنوع ثقافي وجغرافي كبير انعكس على تعدد اللكنات واللهجات به، وأجاب الفيلم بشكل واضح على السؤال التالي: هل هناك علاقة بين اللهجة والمكانة الاجتماعية للشخص؟
ويبدو أن المرأة الحديدية "مارجريت تاتشر" التي رأست وزراء المملكة المتحدة بنهاية سبعينيات القرن الماضي وحتى بدايات التسعينيات تأثرت بالفيلم، حيث اعتمدت على تغيير لهجتها بحسب المنطقة التي تزورها، ولما كان أهل إحدى المقاطعات يتحدثون بلكنة أرستقراطية سايرتهم وتحدثت بلهجتهم.
على النقيض عُرف عن توني بلير، الذي ترأس المنصب نفسه في بريطانيا، أنه لا يتحدث إلا بلهجة فخمة أقرب للرسمية، لكنه تحدث إلى العمال بلهجة تتماشى مع الطبقة التي يريد أصواتها في الانتخابات!
الشاهد: قد يعمد سياسي إلى تغيير لهجته لغرض براجماتي نفعي، لكن ما الذي يدعوك أيها المواطن الحزين لاعوجاج لسانك؟!
إن كل اللهجات صحيحة من الناحية اللغوية، وفي كل لهجة جمال فريد، وجرّب أن تستمع إلى اللهجة الحمصية وتقارنها بالعامية السورية، وجرب أن تسمع لهجة الشراقوة، وتقارنها باللهجة المصرية العامية؛ لتقف على مدى الجرم الذي يختلقه العنصريون.
جرم لا يدفعه غير عدم الاتزان النفسي والشعور باحتقار الذات، فوحدهم الجهلاء هم الذين يعتبرون أن مخاصمة الهوية وأدواتها ومظاهرها معيار التقدم والتنوير.
في حين أن أغلب شعوب العالم تعتز بهويتها وغنى تنوعها الثقافي واللساني، فلا يعتبرون في ذلك منقصة، فالأفارقة في الأدغال والاسكتلنديون في أطراف الأرض، والهنود في شبه قارتهم، واليابانيون في جزرهم القابعة في عمق البحر، بل وحتى سكان الإسكيمو في عمق الجليد؛ ينظّمون أعياداً ومناسبات احتفالاً بالزي التقليدي، كنوع من التعبير عن حبهم لوطنهم.
بينما تقيم حكومة أستراليا كل عام احتفالية تحمل عنوان (يوم التعدد المجتمعي)، لإبراز المجتمع الأسترالي كمجتمع متعدد الحضارات، ويطلبون من الحضور ارتداء أزيائهم الوطنية الأصلية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.