تعيش البشرية في عصر مليء بالتحديات من الحروب الى الكوارث الطبيعية ومن الأوبئة الى الأمراض الوراثية، ومن بين هذه التحديات التي تعتبر من أكبر التحديات التي تواجهنا اليوم هو التغير المناخي.
حيث أنه لم يعد مجرد مصطلح علمي، بل هو كارثة تمتد تأثيرها إلى كل جانب من جوانب حياتنا، بدءاً من الصحة وانتهاءً بالاقتصاد.
وعلى الرغم من أن النقاشات حول التغير المناخي تركز في الغالب على تأثيره على البيئة، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل سيكون لهذا التغير المناخي تأثير مدمر على الاقتصاد؟
على مر السنوات القليلة الماضية، بدأت العلوم والأبحاث تكشف لنا بوضوح شديد عن روابط قوية بين التغير المناخي وتأثيره على استقرار اقتصادنا العالمي. وبنظرة بسيطة على الأخبار المتعلقة بنسب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وارتفاع درجات الحرارة القياسية، وارتفاع مستويات البحار، التي تحذرنا من العواقب الكارثية المحتملة لهذا التغير المدمر على البيئة والمجتمعات، كل هذا يشير إلى أن التغير المناخي يمكن أن يتسبب في تبديد الاقتصادات العالمية وتعطيل نموها.
درجة واحدة قد تحدث فوضى في البيئة والحياة البشرية
يقدر خبراء التغير المناخي أن هناك فرقاً يبلغ 5 درجات مئوية فقط بين متوسط درجة حرارة الأرض الحالية ومتوسط درجات الحرارة في العصور الجليدية.
وعلى الرغم من أن هذا الفرق يبدو ضئيلاً، إلا أن درجة واحدة من التغير في حرارة الأرض قد تكون كافية لتسبب تأثيرات خطيرة على البيئة والحياة البشرية.
فقط تلك الزيادة الصغيرة يمكن أن تتسبب في اندلاع حرائق في الغابات، وجفاف في المزروعات، وفيضانات في البحار والأنهار؛ مما يعكس مدى حساسية النظام البيئي لأي تغير طفيف في درجة الحرارة، ومدى حساسية الموقف والضرورة العاجلة للتصدي لتغير المناخ وتخفيف تأثيراته من خلال تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة والتوسع في استخدام مصادر الطاقة المتجددة.
الانبعاثات الكربونية خطر يهددنا منذ الثورة الصناعية
في الحقيقة لم تبدأ انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون وتأثيراتها في الظهور البارحة فقط، بل بدأت معدلاتها بالزيادة تحديداً بعد الثورة الصناعية، خصوصاً في الدول المتطورة؛ مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي اعتمدت على الوقود الأحفوري اعتماداً شبه شامل في صناعاتها؛ مما جعلها تتصدر قائمة أكبر الدول مساهمة في ظاهرة الاحتباس الحراري بنسبة 24.5%.
عواقب التغير المناخي على الاقتصاد
تحتمل العواقب السلبية لتغير المناخ أن تكون أكثر خطورة مما نتخيل، وتتراوح بين تدمير المنازل والبنى التحتية إلى فقدان الموارد الطبيعية وتدهور الحياة البرية. إن التأثيرات الاقتصادية للتغير المناخي يمكن أن تكون أكثر كارثية، حين تؤدي إلى تعطيل النمو الاقتصادي وتفاقم الفقر وعدم المساواة الاجتماعية.
فعلى سبيل المثال، الموجات الحارة المتكررة وارتفاع درجات الحرارة القياسية تؤثر بشكل مباشر على أداء العمل وإنتاجية القوى العاملة؛ إذ تؤدي الى الاعتماد الشديد على الطاقة لتبريد المنازل والمكاتب مما يضغط على الاستهلاك الكهربائي ويؤدي إلى ارتفاع تكاليف الطاقة وتحميلات إضافية على الاقتصاد.
بالإضافة إلى ذلك، الأعاصير والفيضانات التي ترافق التغير المناخي تتسبب في خسائر مادية هائلة للمجتمعات المتضررة، وتعطل إنتاج الشركات وتفقد وظائف العمل؛ مما قد يؤدي إلى انكماش الاقتصاد المحلي وانخفاض معدلات النمو.
أما على صعيد الزراعة، فإن التغير المناخي من الممكن أن يتسبب في نقص المياه والجفاف المتزايد، مما يقلل من إنتاجية المحاصيل ويؤثر على توفر الغذاء، مما سيؤدي إلى انخفاض المعروض وارتفاع الطلب والأسعار وبالتالي سنرى خللاً في الأسواق.
من المثير للقلق أن تقارير للبنك الدولي تشير إلى أن حوالي 100 مليون شخص إضافي قد يدخلون إلى دائرة الفقر بحلول عام 2030 إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة التغير المناخي.
ناقوس خطر التغير المناخي يدق الاقتصاد العالمي
وفقاً لأحدث الأبحاث التي أجراها معهد Swiss Re، يُشير التقرير الجديد الذي أصدره إلى أن التغير المناخي قد يتسبب في فقدان حوالي 10% من القيمة الاقتصادية العالمية بحلول منتصف القرن الحالي. يعتبر هذا السيناريو واقعياً إذا استمرت زيادة درجات الحرارة على المسار الحالي ولم يتم تحقيق أهداف اتفاق باريس والعمل نحو تحقيق الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050.
ويأخذ هذا المؤشر في الاعتبار تأثير المخاطر المناخية على 48 دولة تمثل 90% من الاقتصاد العالمي، ويقوم بتصنيف مستوى مقاومتها الشاملة للتغير المناخي. وتشير نتائج المؤشر إلى أن جميع الدول ستتأثر بالتغير المناخي، ولكن بعضها أكثر عُرضة للضعف من غيرها.
الاقتصاد الأمريكي الكبير في دائرة خطر التغير المناخي
إضافة للتقرير السابق، يأتي تحذير التقرير الوطني الرابع للتغير المناخي في الولايات المتحدة الأمريكية الصادر في عام 2018 ليجعلنا ندرك خطورة الموقف؛ حيث يهدد هذا التغير بتعطيل الاقتصاد الأمريكي القوي بشكل جوهري؛ إذ سيساهم ارتفاع درجات الحرارة بارتفاع مستوى سطح البحر، مما سيتسبب في تدمير الممتلكات والبنية التحتية الحيوية، ومن ثم سيؤثر سلباً على صحة البشر وإنتاجيتهم، ويضر بقطاعات مهمة مثل الزراعة والغابات والصيد والسياحة. بالإضافة إلى ذلك، يشير التقرير إلى أنه سيزداد الطلب على الطاقة نظراً لتراجع موثوقية إنتاج الكهرباء، وستواجه إمدادات المياه ضغوطاً متزايدة.
وما يدعو للسؤال هنا إذا كان اقتصاد قوي مثل أمريكا سيتأثر بمسألة التغير المناخي بهذا الشكل الذي يزعزع استقراره، فما بال الاقتصادات النامية والناشئة؟
كيف يؤثر التغير المناخي على حياة سكان الدول الفقيرة؟
بينما يشعر الجميع في العالم بآثار تغير المناخ، فإن الأشخاص الأكثر ضعفاً لمواجهة هذا الخطر هم الأشخاص الذين يعيشون في أفقر بلدان العالم؛ مثل دول القارة الإفريقية؛ حيث ستكون لديهم موارد مالية محدودة لمواجهة الكوارث. هذا بالإضافة إلى أنه ستكون لهذه الدول نسبة من احتمالية تضرر 2.5 مليار مزارع من أصحاب الحيازات الصغيرة في العالم.
بينما الرعاة وأصحاب مصايد الأسماك الذين يعتمدون على المناخ والموارد الطبيعية في الغذاء والدخل، فستهدد تغيرات الطقس التي لا يمكن التنبؤ بها بشكل متزايد أنماط حياتهم؛ إذ ستتغير طبيعة المواسم، وتزداد الكوارث الطبيعية بشكل غير متناسب لحياة هؤلاء السكان؛ مما يعرض سبل عيشهم للخطر ويزيد من مخاطر الفقر والجوع.
وتعتمد أغلب تلك المجتمعات الفقيرة على الزراعة والموارد الطبيعية للبقاء على قيد الحياة. لذلك بالنسبة لهم، فإن تأثيرات تغير المناخ؛ تغير الطقس، ومحدودية مصادر المياه وزيادة التنافس عليها مستقبلاً، هي مسألة حياة أو موت. ويا للأسف تستمر انبعاثات الدول المرفهة لتحويل مستقبل حياتهم إلى لعبة تخمين يائسة؛ إذ يعلم الجميع أن اقتصادات دولهم الفقيرة ستقف عاجزة عن تحقيق أدنى شروط الحياة لهم أمام الكارثة.
لذلك، يجب أن يتم تعزيز التعاون الدولي وتوجيه السياسات الاقتصادية نحو الاستدامة والاقتصاد الأخضر. وعلى الدول أن تلزم العمل بجد على تحقيق أهداف تقليل الانبعاثات وتعزيز الطاقة المتجددة في مواجهة التغير المناخي والحفاظ على الاقتصادات من التدمير مستقبلاً؛ لذا على أقل تقدير يجب أن تشجع الحكومات كافة وبفعالية الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة وتحسين كفاءة استخدام الطاقة بشكل أشمل وأسرع.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.