مع اقتراب التظاهرات السنوية وتجمع قمة المقاومة الإيرانية، والتي كان الأصدقاء والأعداء على اطلاع عليها، يقترب هذا القلق بشأن ما سيكون عليه مصير المقاومة الإيرانية!
فالشرطة الفرنسية ترفض التظاهرات الإيرانية في الأول من يوليو/تموز من العام الحالي! بينما هاجمت الشرطة الألبانية مخيم أشرف 3، التابع للمقاومة الإيرانية في 20 يونيو/تموز من هذا العام، وتم نهب أجهزة الكمبيوتر الخاصة بالسكان.
ووفقاً للخبر المنشور، الذي لا يزال محل نقاش ساخن، سلّمت الشرطة الألبانية أكثر من 200 جهاز حاسوب تمت مصادرتها من أشرف 3 إلى نظام ولاية فقيه الملالي في خبر صادم.
تبعث هذه الأخبار بالمزيد من القلق، إذ أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن دعمها لإجراء الشرطة الألبانية، وهو ما يُنذر بأنها قد أعطت الضوء الأخضر لنظام الملالي.
يُذكر أن ألبانيا وافقت عام 2013 على استضافة 200 عضو في منظمة "مجاهدي خلق"، بناء على طلب الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة، بعد إخراجهم من معسكرهم في العراق.
تشبه هذه الأجواء، بغض النظر عن اختلاف الآلية وبعض الجوانب الأخرى، إلى حد كبير تطورات ربيع عام 2003، حين قصفت طائرات التحالف قواعد المقاومة الإيرانية في أرض العراق! بينما في فرنسا وقتها هاجم الآلاف من رجال الشرطة الفرنسية مقر المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، ومن خلال إجراء غير قانوني.
ويتكرر نفس المشهد اليوم بعد عشرين عاماً، حين لم تدم فرحة نظام الملالي بقمع المقاومة طويلاً حتى تحولت إلى قلق، فاشتعلت الاحتجاجات، وأصبح مذاقها مريراً على النظام؛ فقد اصطفت حينها قوى الشعب والمقاومة الإيرانية ضد قوة السلطة الديكتاتورية وداعميها الدوليين.
سياسة المهادنة والاسترضاء لبعض الدول مع الديكتاتورية في إيران
على الرغم من أن سياسة الاسترضاء التي تتبعها بعض الدول مع ديكتاتورية ولاية الفقيه كانت تستخدم على الدوام على مدار العقود الأخيرة المتعلقة بتاريخ إيران فإن ما تميزت وتتميز به سياسة المهادنة والاسترضاء في الظروف الحالية عما سبق هي أنها ترافق وتتزامن مع الانتفاضة الأخيرة للشعب الإيراني والدور الحتمي الذي لا غنى عنه للبديل الديمقراطي الحقيقي للشعب الإيراني!
خلال هذه الانتفاضة رأت شعوب العالم من جانب أن الشعب الإيراني يريد الإطاحة بالديكتاتورية في وطنه، ولأجل ذلك ما زال يدفع منذ زمن كُلفةً عالية من الأموال والأرواح.
ومن جانب آخر، فقد ثبتت حقيقة أنه لم يكن هناك في مواجهة الديكتاتورية في إيران سوى الشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية "المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية"، بينما خطابات وشعارات الدعم من قبل الأوساط الإقليمية والدولية كانت كلمات فارغة لا حاجة لها، وليس لها أي جذور وتأثير في المجتمع الإيراني.
رغم مهادنة فرنسا انتصر المستضعفون
مع سماح القضاء الفرنسي بإجازة المظاهرات بعد أن منعته الشرطة الفرنسية، تجمّع الإيرانيون هذا العام في باريس تعبيراً وتجسيداً لروح كل الإيرانيين النبلاء والأحرار داخل إيران وخارجها في كل دول العالم، وجاء ذلك نتاج حرب تاريخية وغير متكافئة، تدور بين الشعب والنظام في إيران، وأظن أنها في مرحلتها الأخيرة التي ستكون الغلبة فيها للشعب.
ما نجحت فيه المقاومة الإيرانية هو تثبيت في وعي الشعب بأن الحل والبديل الديمقراطي لا يمكن الاستغناء عنه، وعليه فإن ما ترسخ في أذهان الرأي العام الآن هو أن ما سعى إليه الاستعمار والقوى الرجعية بأقدامهم وأرجلهم لزرعته في الشعب قد اقترب من خط نهايته، وعلى حد تعبير مايك بنس، المرشح الرئاسي الأمريكي الذي قال في خطابه بتجمع القمة الأخيرة: لم يكن النظام الإيراني حتى يومه في مثل هذه النقطة من "الضعف" ولم تكن المقاومة الإيرانية في مثل هذه النقطة من "القوة والشرعية".
إذن دخلت سياسة الاسترضاء مع الديكتاتورية الدينية الحاكمة في إيران المشهد في فرنسا بأداة منع تظاهرات المقاومة الإيرانية، رغم ذلك تمكنت المقاومة الإيرانية من أن تجرها إلى الهزيمة والانكسار بأداة "القانون والعدالة"، وإذا كانت هذه السياسة تهدف إلى تغطية هجمات الشرطة الألبانية غير القانونية على أشرف 3 متسترين برداء العدالة والقانون، فقد تحدّتها المقاومة الإيرانية بوسائل "العدالة والقانون" وحتى قبل تطبيق العدالة، وسرعان ما انكشفت طبيعتهم غير العادلة وغير القانونية على الملأ.
مفترق طرق تاريخي
قضية النظام الإيراني والمقاومة الإيرانية المطروحة الآن على طاولة المجتمع الدولي هي قضية أوسع من برنامج وسياسة، وحتى استراتيجية دولة أو عدة دول معنية بالظروف الراهنة المتعلقة بإيران؛ فهل ستقف حكومات العالم، بكل ما لديها من برامج وسياسات واستراتيجيات إلى جانب شعب ومقاومة إيران، أم إلى جانب الديكتاتورية المتحكمة بهذا البلد؟! المنطق الإنساني والواقعي والتقدمي يخبرنا بأن تحولاً تاريخياً لصالح الشعب والمقاومة الإيرانيين يوشك أن يحدث.
قوة وصمود المقاومة الإيرانية
لقد نهضت المقاومة الإيرانية في ظل تغيرات العصر مراراً، متنفسة من تحت رمادها مثل طائر الفينيق، وأثبتت شرعيتها، وذلك عندما تحزمت قوى الرجعية والاستعمار، خاصة في العقود القليلة الأخيرة على تدميرها، وفي كل مرة يضربون رأسها بحجر يتعرضون لهزيمة كبيرة في كل مرة.
ورأت كل شعوب العالم ذلك في الانتفاضة الأخيرة، كيف سارعت فلول ديكتاتورية الشاه إلى مساعدة الديكتاتورية الدينية الحاكمة لينعموا بمنجزات انتفاضة الشعب والمقاومة الإيرانية وإبقاء الديكتاتورية في سلطة حكم إيران.
لقد رأت كل شعوب العالم كيف سارع "الاستعمار" لمساعدة قوى "الرجعية" وقدم دعماً مادياً ودعائياً وإعلامياً للديكتاتورية الدينية، ومرة أخرى يحوك مهرجو العصر من أجل "سرقة قيادة الانتفاضة" حتى ينحون "البديل الديمقراطي" جانباً.
ورأت كل شعوب العالم أنه ما لم تكن المقاومة الإيرانية حاضرة صامدة فاعلة على مسرح الأحداث فإلى أين سينتهي مصير كل فرد وجماعة إيرانية، خاصة في الانتفاضة الأخيرة! إنها المقاومة التي هي قبل كل شيء كنزٌ تاريخي ووطني لجميع الإيرانيين المؤمنين المتعهدين بحرية إيران.
لقد رأت كل شعوب العالم أن "الصمود أمام الاسترضاء مع الديكتاتورية" و "والصمود في مواجهة مؤامرات الرجعية والاستعمار" كانت متجلية فقط في إمكانية وقدرة هذا البديل، وقد أقام تظاهراته وتجمع قمته السنوية العالمية في باريس، ورأت كيف حيد بدائل التبعية الصنيعة وجعل مؤامرات المسترضين السياسية التي في ظاهرها قضائية كمن يرسم على الماء، أو كما يُقال هواء في شباك، وشقوا الطريق في المقاومة لأنفسهم وشعبهم للمضي قدماً ضد الديكتاتورية في إيران.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.