إن وجود المقاومة ومدى فاعليتها بات واضحاً في أكثر من منطقة داخل فلسطين، وهذا ما يزعج الاحتلال الإسرائيلي الذي أيقن أن قيادة المقاومة تدير المعارك بكفاءة عالية، كما أن سرعة ردة الفعل القوية للمقاومة في الساحات مختلفة وتصاعد العمليات المؤثرة في الضفة الغربية، أصاب المؤسسة الإسرائيلية بحالة هستيرية، وهذا ما يدفع قوات الاحتلال دائماً لتحميل المسؤولية لقيادات المقاومة السياسية والعسكرية في غزة أو خارجها، وقد بات ملاحظاً أنه يواصل تهديده لبعض الشخصيات المحرّكة، والتي تبذل الجهد لتوحيد الساحات وتوحيد المقاومة في أكثر من محور.
وربما هذا ما سيدفع الاحتلال لارتكابه حماقة القيام بعملية محدودة في غزة، رغم أن الهدف من هذا العدوان العسكري الذي سيندلع لا يتعلّق بقطاع غزة بذاته، وإنما يأتي من أجل إيقاف عمليات المقاومة في الضفة الغربية؛ وقد أظهر استهداف القيادات في غزة رسالة الاحتلال التي أراد أن يوصلها الاحتلال وهو توقف العمليات في الضفة الغربية، وتحييد غزة عن أي مشاركة أو انخراط في الرد على أي عملية عسكرية محتملة واسعة في مدن الضفة الغربية.
وهو ما لن تقبله غزة في ظل التصعيد في الضفة الغربية وتسريع مشروع الاستيطان وضم الضفة وهذا ما يزيد دوافع الاحتلال الإسرائيلي لشن حرب على غزة والتي تكمن في الآتي:
دوافع الاحتلال لشن حرب على قطاع غزة
- فشل الاحتلال في تحقيق أي نتائج مرجوة خلال عدوان مايو/أيار 2021م.
- عدم تحقيق نتائج في حملات العدوان السابقة، مثل العدوان الذي وقع في أغسطس/آب 2022 والآخر الذي شن في مايو/أيار 2023.
- عدم استقرار جبهة غزة؛ وقدرتها على الانفجار بشكل مفاجئ، وصعوبة التنبؤ بالتوقيت.
- السعي اليائس لتطبيق استراتيجية الحملة بين الحروب؛ بهدف تأخير نشوب الحرب الشاملة متعددة الجبهات.
- الرغبة في استهداف قادة المقاومة الفلسطينيين، ومُضاعفي القوة، الذين يؤثرون في حالة المنظومة القتالية الفلسطينية المقاومة.
- تحييد قادة العمل العسكري في الضفة الغربية، المتواجدين في غزة.
- تحييد الجبهة الفلسطينية؛ لضمان هدوء مجمل الجبهة الفلسطينية، عن أي حرب محتملة في الإقليم، قد تندلع مع لبنان أو مع إيران، وحصد نتائجها سريعاً.
- الأزمة الداخلية الشديدة في الكيان، والتي قللت مجال المناورة الإستراتيجية له.
وبناء على تلك الدوافع والملاحظات المعلنة وغير المعلنة، ستتمثل سيناريوهات العملية الإسرائيلية على غزة في الخطوات التالية
قبل العملية
- قبل الهجوم الأول، ستكون هناك عمليات استخباراتية مكثفة لتحديد المواقع المستهدفة وجمع وتحديث المعلومات عن الأهداف والعناصر البشري، وسيتم جمع بيانات ضخمة (صور جوية، بيانات صوتية، ومعلومات جغرافية)، لاكتشاف الأنماط المشتركة والمؤشرات المبكرة عن التهديدات الأمنية، ومستويات النشاط، وسيتم تحليل البيانات الكبيرة بمساعدة أنظمة الذكاء الاصطناعي، من خلال:
- استخلاص أنماط وتحليل المعلومات من مصادر مختلفة مثل الصور الجوية، والفيديوهات، والتسجيلات الصوتية، والمستندات.
- استخدام تقنيات التعلّم الآلي لتصفية المعلومات وتحديد الأولويات.
- تحليل صور الاستشعار عن بُعد مثل الصور الجوية والصور الفضائية للكشف عن الأهداف العسكرية المحتملة، وتقييم الدمار الناتج عن ضربات جوية أو قصف.
- تحليل محتوى ورسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية الأخرى لتتبع المعلومات والاتجاهات والتفاعلات الاجتماعية؛ لاستخلاص أنماط السلوك والمشاعر والتوجهات لدى الأفراد أو الفصائل العسكرية.
- إخلاء تكتيكي، سريع للمستوطنات المحاذية على طول قطاع غزة، وانسحاب مخطط لوحدات الجيش والابتعاد عن منطقة السلك الفاصل لمسافة 4 كيلومترات، بهدف للحفاظ على سلامة الجنود ومركباتهم من التعرّض للقذائف الموجّهة بالليزر، وتقليل المخاطر المحتملة في بداية جولة القتال، وحماية سكان المستوطنات من التعرض لرشقات الردّ الأولى، وهذه السياسة تستند عادة إلى قوانين وخطط عسكرية مسبقة وتعليمات خاصة محددة، لكل من السكّان المدنيين والجنود، وسيتم الإخلاء السريع والسرّي ليلاً قبل بدء العملية بيوم أو يومين.
هجوم الافتتاح
في سيناريو هجوم الافتتاح المحتمل، سوف تشمل العملية العسكرية عدة عناصر واستراتيجيات، بما في ذلك:
- اغتيال عدة قادة عسكريين بنفس اللحظة، وهو سلوك محتمل جداً ضمن استراتيجية الهجوم الافتتاحي لجيش الاحتلال مؤخراً، ويهدف هذا النوع من الإغتيالات المتزامنة إلى تعطيل قدرات القيادة وتخريب الهيكل القيادي، مما يؤثر على القدرة على التخطيط السريع واتخاذ القرارات العسكرية رداً على هذا العدوان.
- استهداف منصات الصواريخ والأفراد العاملين في سلاح المدفعية، بهدف تقليل قدرات الفصائل العسكرية في إطلاق الصواريخ الاستراتيجية والقذائف المتوسطة، وتخريب بنيتهم التحتية وتدمير الأسلحة والتجهيزات المتعلقة بهذه المنصات.
- بعد الضربة الافتتاحية، سيتم تفعيل استخدام التقنيات الإلكترونية والاستخباراتية المتقدمة للتعرف على هوية الأفراد وجمع المعلومات الآنية عنهم، ويشمل ذلك مراقبة الاتصالات الإلكترونية والتجسس على الشبكات واستخدام برامج التحليل الضوئي والتعرف على الوجه وتحليل البيانات الضخمة لتحديد أماكن الأفراد المستهدفين.
- استهداف الأفراد المتخصصين والفاعلين الذين تم تحديد أماكن وجودهم بدقة، من خلال الصواريخ والطائرات بدون طيار، والصواريخ الموجهة والطائرات بدون طيار المسلحة لاستهداف الأفراد بدقة عالية.
الهجوم الدفاعي المضاد
أما عن المقاومة ستعتمد على أسلوب الهجوم الدفاعي المضاد، وسيتم البدء بتنفيذ خطط الهجوم الدفاعي المضاد، من خلال استراتيجية الرد النّوعي والمدروس مسبقاً للرد على هجمات العدو وقواته العسكرية المعادية في المقام الأول، بهدف صد الهجمات الأوليّة، وتقليل الخسائر والتأثير العسكري والمعنوي للعدو، وسيكون شكل الهجوم المضاد متنوعاً ومعتمداً على عدة عوامل، وهناك بعض الأشكال المحتملة للهجوم الدفاعي المضاد:
- الهجمات المباشرة ضد القوات المعادية المتحرّكة والمكشوفة على الحدود، بواسطة القوات المتخصصة والمنظمة مثل وحدات مضاد الدروع والهاون، بهدف تدمير وتشتيت قدرات العدو على الحدود.
- استخدام الحرب النفسية والإعلامية وعدم التسرّع بالرد، مثل استراتيجية التزام الصمت المؤقت التي استخدمت مؤخراً؛ لزعزعة الثقة والروح المعنوية لقوات الاحتلال، وتوجيه رسائل إلى العدو وجمهوره، وكذلك للجمهور العربي والفلسطيني المحلي؛ بغرض التأثير على الرأي العام وتحشيد الدعم اللازم للمقاومة.
- البدء بهجمات القرصنة الإلكترونية لاختراق أنظمة الاتصالات والشبكات الحاسوبية لقوات الاحتلال، لتعطيل الأنظمة العسكرية، بالإضافة لهجمات إنكار الخدمة (DDoS) لتعطيل أو إعاقة خدمات الشبكة والمواقع الإلكترونية الخاصة بالاحتلال، بهدف التلاعب بشبكة الهاتف أو الإنترنت أو الكهرباء أو الإنذار المبكر أو القبة الحديدية.
- تنفيذ عمليات هجومية متزامنة ومتعددة من عدة محاور في نفس الوقت، لتشتيت القوات العسكرية الإسرائيلية وخلق حالة من الفوضى ضمنها، والتي تشمل عبور الحدود المفتوحة، وتجاوز الحواجز التحت أرضية، والتسلل إلى الأراضي المحتلة لشن الهجوم السريع والمباغت؛ وقد يتم استخدام الطائرات بدون طيار أو القوارب أو الأنفاق أو المركبات والدرّاجات المفخخة؛ لتنفيذ اختراق الحدود المحصّنة والتسلّل إلى مناطق حساسة بهدف الأسر أو التخريب.
- بدء سيناريو الهجمات الصاروخية المعدّ مسبقاً وفق الجدول الزمني؛ لاستهداف المستوطنات القريبة من قطاع غزة أو مدن الوسط الأبعد، بهدف خلق حالة من الذعر وإلحاق الأضرار المباشرة بالبنية التحتية الإسرائيلية.
- استهداف القبة الحديدية المنتشرة على الحدود الشمالية الشرقية لقطاع غزة بشكل مباشر، مثل أن تفاجئها القوات المتسللة وتقوم بتفجيرها من مسافة صفر، أو من خلال الصواريخ الموجّهة الليزرية، والصواريخ قصيرة المدى، أو إغراقها وتشتيتها وإخراجها عن الخدمة.
- تفعيل الصواريخ بعيدة المدى، بهدف زعزعة الاستقرار في المناطق الحيويّة، وتكوين ضغط سريع على الأطراف العسكرية والسياسية، وخلق حالة من القلق لدى السكان المغتصبين، وقد تستهدف مدن العمق والمدن الكبرى ومرافق حيوية مهمة في دولة الاحتلال، بنوع متطوّر من الصواريخ ذات نظام الإطلاق القوي والدقيق والبنية التحتية المتقدمة للإنتاج، ومن المحتمل أن تحمل هذه الصواريخ تكنولوجيا وخبرة متقدمة.
قواعد الاشتباك
- في حال استهدف الاحتلال الإسرائيلي الأبراج متعددة الطبقات والمنازل المدنية في قطاع غزة، فستستمر المقاومة بالرد بقصف العمق الإسرائيلي، وستكون منطقة غوش دان وتل أبيب تحديداً هدفها الرئيسي.
- إذا تعمّد الاحتلال الإسرائيلي استهداف منشآت الكهرباء في غزة بشكل مباشر، وإلحاق الضرر بالقطاعات الاقتصادية والاستشفائية، فإن المقاومة ستستهدف محطةَ توليد الكهرباء في مدينة عسقلان المحتلة، ولن تكون محطة استخراج الغاز البحرية بعيدة عن أهدافها.
- وفي حال أطلقت مدفعية الاحتلال على الحدود القذائف العشوائية على بيوت وأراضي المواطنين، فإن المقاومة ستكثّف من ضربات الهاون الثقيل، والطائرات المسيّرة المتفجّرة.
النتائج المتوقّعة
- فشل الاحتلال بتحقيق أهدافه المعلنة، وعدم قدرته على التحكّم بسير المعركة.
- في حال تمكّنه من الوصول واستهداف بعض قادة المقاومة، سيعتبر ذلك إنجازاً وسيسعى لوقف العدوان، وحينها سيبدأ الإضرار بالمنشآت الحكومية كنوعٍ من الضغط لوقف المعركة.
- مناورة المقاومة بالوقت، والتأني وعدم خضوعها للضغوطات، سيكسبها تفوّقاً يربك حسابات قادة الاحتلال السياسيين والعسكريين.
- فشل "دينامية التصعيد"، وتطبيق "عقيدة الضاحية" والتي كانت العنوان لإحدى الاستراتيجيات التي استنبطها الجيش الاسرائيلي لمواجهة أعدائه إبان الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو/تموز 2006. وسيطبقها الاحتلال حينها بوصفها كعامل ردع للضغط على السكان المدنيين في قطاع غزة، وهي تقوم على تفعيل قوة نار غير متكافئة وغير متناسبة مع "مصدر التهديد".
وبالتالي سيظهر الجمهور الفلسطيني والرأي العام انتصاره، وسيعتبر أن إسرائيل فشلت فيما يسمى الردع، وأن الحرب على قطاع غزة لن تحسم بعد كل عدوان، وأن المقاومة دائماً تخرج منتصرة، وأنها لم تستنزف كامل قدراتها العسكرية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.