بعد فاجعة “مدينتي”.. كيف تزرع المؤسسة العسكرية المصرية إحساس “التفوق العنصري” في أفرادها؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/07/10 الساعة 14:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/07/11 الساعة 08:46 بتوقيت غرينتش

كنتُ يوماً من سكان بورفؤاد، وفي صباح جمعة أو إحدى الإجازات الرسمية، حسب ما أذكر، قررت أن أخرج بسيارتي للعبور إلى مدينة بورسعيد. كان الوقت مبكراً، والناس كانوا كسالى في صباح يوم العطلة. وجدت نفسي وحيداً في المعدية، بجانب سيارة نقل عسكرية تحمل لوحات القوات البحرية. يُذكَر أن الحملة الميكانيكية لجيشنا العظيم لا تزال تستخدم سيارات ذات ماركات تعود لجيش العبور، وإلى يومنا هذا، معظم سيارات النقل تعود إلى حرب الاستنزاف، مما يعني أن سيارات الكراز والزيل والجاز السوفييتية عمرها يتجاوز الخمسين عاماً تماماً.

يداوم أشاوس جيشنا العظيم بدورية صيانة المعدات، وتأمين النواحي الفنية لها. كما يتم طلاء السيارات بشكل دوري باللون الزيتي أو الكاكي، بينما في حالة القوات البحرية يتم طلاؤها باللون الأزرق، وأحياناً يتم طلاؤها باللون الرمادي في حالة القوات الجوية.

في ذلك الصباح، كانت سيارة النقل في المعدية مدهونة باللون الأزرق. يمكن لمعدية بورفؤاد استيعاب حوالي خمسين سيارة، ولكن كنت وحيداً مع تلك السيارة في المعدية. وقد لاحظت خروج الدخان من مختلف الألوان من المحرك ومن تحت السيارة ومن أنبوب العادم. عندما بدأت المعدية في التحرك، قلت في نفسي إنه من الأفضل أن أبتعد قدر الإمكان عن السيارة العسكرية، فقد لاحظت أيضاً أن السائق لم يقم بإيقاف المحرك أثناء العبور، مما يشير إلى أنه يخاف إن أطفأ المحرك، ألا يدور مجدداً عند الوصول.

بالإضافة لذلك أعلم أنه في أيام العطلات، يقود ربابنة المعديات الجدد أو الاحتياط، لأنه من الأصوب أن يقود المعديات الأكثر خبرة ساعة الزحام عندما تمتلئ على الآخر. 

رغم ذلك، ارتطم الربان الاحتياطي بالرصيف في بورسعيد ارتطاماً شديد، فوجدت السيارة العسكرية تجري من مكانها  في الخلف إلى اليمين عشرين متراً لتصطدم بسيارتي أقصى اليسار وإلى الأمام.

خرجت غاضباً وصرخت على العسكري، فنزل من جواره ضابط ملازم أول ونهرني لتوبيخي للسائق العسكري، ثم كسر فانوس الإضاءة الخلفية لسيارتي وسألني إذا كنت أرغب في إبلاغ الشرطة العسكرية عن الحادث. كان ردي متهكماً ساخراً منه بمثل شعبي قديم، لكن الضابط لم يفهم ردي، فأشرت له بالمضي في طريقه.

ذكرني هذا بالحادث بما وقع هذه الأيام  في "مدينتي" المدينة العالمية على أرض مصرية، حيث حادث الدهس الذي قام به ضابط طبيب برتبة نقيب (حديث التخرج من كلية الطب العسكرية) و هو من طبقة فوق متوسطة، حيث اشتعل غضبه فداس وسحق أسرة مصرية "فوق متوسطة" لخلاف على خدش سيارته!.

وبينما وقعت الحادثة يوم 1 من يوليو/تموز، لم تستطع الداخلية في بيانها في 2 يوليو/تموز، أن تشير إلى أن المتهم فيها من الحربية، بل كل ما استطاعت إعلانه أن المتهم ليس من ضباط الداخلية! مما جعلنا في انتظار المتحدث العسكري ليعلن بنفسه أن المتهم من القوات المسلحة!.

 وهو ذكرني بحالة القضاء في بعض الدول المتأخرة، حين يرتكب ضابط في الجيش جنحة أو جناية، لا تتم محاسبته من قبل النيابة العامة أو الشرطة التابعة للسلطة القضائية المدنية، بل يتم تحويل الأمر إلى الشرطة العسكرية أو النيابة العسكرية. وهذا كان هو الوضع المشابه تماماً لحالة المحاكم القنصلية التي درسناها، حيث لم يكن أصحاب الجنسيات الأوروبية يثقون في عدالة ونزاهة نظام القضاء والنيابة لدينا، لكن اليوم وبعد جلاء الأجنبي المستعمر لماذا يستمر عمل نظام العدل لدينا بنفس النمط؟

شيء آخر يدعو للذهول، هو حالة الأفراد العسكريين، سواء كانوا جنوداً أو ضباطاً، إذ يفترض فيهم السلامة النفسية، وذلك لأننا لسنا في حالة حرب. ولدينا خزان بشري هائل لاختيار أفضل الأفراد نفسياً وجسدياً وتعليمياً. ونظراً لقلة الأعداد في الكليات العسكرية، سواء التقليدية أو الفنية أو الطبية، فمن المفترض أن يكون الضابط في أعلى درجات اللياقة النفسية والجسدية والمهنية، وأن يكون مثالاً للشرف في أعلى درجاته، و هو ما يتوقعه المواطنون في شتى الدول، أن يكون ضباطهم هم المثل الأعلى للتكوين المهني.

بينما نحن هنا، ومن حكم خبرتي أثناء فترة تجنيدي في أوائل الثمانينيات وإلى يومنا هذا، ما زلت  ألاحظ أن  النواحي النفسية لا تؤخذ في عين الاعتبار مطلقاً في الاختيار أو الترقي داخل المؤسسة العسكرية، مما يعني وجود ضباط قابلين للانفجار النفسي أو الانهيار بسبب أي محفزات خارجية. 

 بناء على تلك الملاحظات، فإن ضباطنا إجمالاً يتجرعون ثقافة مؤسسية تبث داخلهم فيما يمكن أن نسميه التفوق "العنصري"على الأفراد المدنيين، مهما كانت مستويات الآخرين الاقتصادية أو التعليمية أو الاجتماعية، بالتالي نحن المدنيين في نظرهم إما فاسدون أو منحلون أو "خرعون" أمام آلهة الكمال الشرطية أو الحربية، والذي لا يخفى على أحد كيف تحصل أغلبهم على وظائفهم العسكرية، سواء استغلال لصلات ونفوذ عائلي أو محسوبيات وربما رشاوى.

لذلك الآن، ينبغى على المجتمع المصري مراجعة قوانين التمييز ضد مواطنيه المدنيين، وحماية المدنيين من المثول أمام المحاكم العسكرية، والتي جرى تمديد مداها والجرائم التي يحال فيها المدنيون إلى المحاكم العسكرية، التي مهما قيل عنها أو حاول البعض الدفاع عن فكرتها، فإنها تفتقر  للضمانات من الحيدة والاستقلال والنزاهة المطلوبة في دولة سيادة القانون و الدستور.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

شريف العصفوري
روائي وكاتب مستقل
تحميل المزيد