تعرّض مخيم جنين الذي لا تتجاوز مساحته النصف كيلومتر مربع إلى تدمير ممنهج من قبل السلطات الإسرائيلية، حيث شنت سلطات الاحتلال عملية عسكرية واسعة هدفت إلى تدمير البنى التحتية للمخيم.
تركيز على تدمير البنى التحتية
ركزت إسرائيل في حملتها هذه على استهداف شبكات توزيع المياه والكهرباء وقصفت المنازل والمحلات التجارية، وتعمدت إلحاق الضرر بسيارات المواطنين هناك. نعم لقد شارك في هذه الحملة أكثر من 3 آلاف جندي من الوحدات الخاصة وعشرات الطائرات والمدرعات. واللافت والمثير للاهتمام كان العديد الكبير من الجرافات التي استخدمتها إسرائيل لتدمير المخيم بشكل كامل.
تقدر الخسائر المادية لهذه العملية البشعة بنحو 40 مليون دولار، وهذا الرقم مرشح للمضاعفة، إذ إن هناك العديد من الخسائر لم يتم حصرها بعد سواء في الممتلكات العامة أو الممتلكات الخاصة. إن أقل ما يمكن أن توصف به الأفعال الإسرائيلية في جنين بأنها "جرائم حرب".
انتهاك صارخ لحقوق الإنسان
فيما قبل مجازر جنين، تعرّض الفلسطينيون إلى نظام التمييز المؤسسي ضد جميع فئاته العمرية وضد اللاجئين الفلسطينيين سواء أولئك القابعين تحت سلطة الاحتلال أي ما يُعرف بالخط الأخضر (الأراضي التي تم احتلالها خلال 1948) أو أولئك الذين يعيشون خارج سلطته.
كشف تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية عن النطاق الفعلي لنظام الفصل العنصري في إسرائيل. وسواء كان الفلسطينيون يعيشون في غزة، أو القدس الشرقية، أو الخليل، أو إسرائيل نفسها، فهم يُعامَلون كجماعة عرقية دونية ويُحرمون من حقوقهم على نحو ممنهج. وقد تبين لمنظمة العفو أن سياسات التفرقة ونزع الملكية والإقصاء القاسية المتبعة في جميع الأراضي الخاضعة لسيطرة إسرائيل تصل بوضوح إلى حد الفصل العنصري.
يجب التأكيد مرة أخرى على أن ما حصل في جنين يعتبر جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، إذ إن الاحتلال قام وبطريقة متعمدة بتخريب المخيم بهدف تهجير سكانه، كما استهدف المدنيين العزل هناك بالطائرات، وعمل كذلك على استخدام المدنيين كدروع بشرية.
إن استهداف المدنيين والمباني والممتلكات الخاصة للمدنيين والممتلكات العامة في مخيم جنين من مساجد ومشفى حكومي، ينتهك العديد من النظم الأساسية للقانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان بما في ذلك المادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة والتي تقر أن تدمير واغتصاب الممتلكات على نحو لا تبرره ضرورات حربية وعلى نطاق كبير بطريقة غير مشروعة وتعسفية هو مخالفة جسيمة، ويشكل جريمة حرب وفقاً لميثاق روما.
الموقف العربي والعالمي من جرائم الحرب الإسرائيلية
بعيداً عن عملية إحصاء الخسائر المادية والبشرية يبدو أن العالم يغمض عينيه عن عمد عن هذه الجرائم، لا بل يبدو أن دول العالم تشارك بطريقة أو بأخرى في معاناتنا كفلسطينيين. لا إدانات دولية لهذه الجرائم البشعة بل يبدو أن بعضهم ذهب إلى المساواة بين الضحية والجلاد. ذهبت الولايات المتحدة الأمريكية بعيداً وكعادتها في تأييد جرائم الاحتلال في جنين، إذ صرّحت بأنها تؤيد هذه العملية. تصف هذه الدولة التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان العملية العسكرية والتصفية لمخيم كامل بأنها عملية دفاع عن النفس!
لا نستغرب من الولايات المتحدة التي عاثت فساداً في العراق وأفغانستان وفيتنام وغيرها من الدول أن تطلق على هذه الجريمة وصف "الدفاع عن النفس"، إذ إن طريقتها في احتلال العراق وتدميره وتدمير أفغانستان كانت مشابهة ولكنها أطلقت أوصافاً أخرى على هذه العمليات كوصف "الدفاع من أجل الحرية" "مكافحة الإرهاب" و"صناعة الأمم".
وأما عن مواقف الدول العربية فهي مخجلة للغاية، فعلى الرغم من المشتركات في الدين واللغة والعرق مع إخواننا العرب، فإن إدانتهم كانت خجولة للغاية ولا يمكن مقارنتها بغير العرب من المسلمين كتركيا وإيران وماليزيا. نعم لقد تعهدت الإمارات بتقديم مساعدات تقدر بـ15 مليون دولار لإعادة إعمار المخيم ولكن هذه العطايا تواجهها العديد من الانتقادات.
إذ إن هذه المساعدة يبدو أنها ستمر عبر السلطة الفلسطينية التي يرفضها الشعب الفلسطيني ولا تعتبر ممثلة له على الإطلاق. هذه السلطة التي تتعاون أمنياً مع إسرائيل وتنخرط معها في تقديم المعلومات الاستخباراتية للقضاء على المقاومين الفلسطينيين. لقد تعالت أصوات الفلسطينيين في المخيم وغيرها من المناطق على طول وعرض التراب الفلسطيني بأن السلطة لا تمثل الشعب الفلسطيني.
ختاماً، يبقى سؤالنا معلقاً دوماً والذي لا يرغب أخوتنا العرب في الإجابة عنه وهو: هل نحتاج نحن الفلسطينيين إلى الدعم المادي للمضيّ في سبيل تحقيق الحرية؟ كلا، ما يحتاجه هذا الشعب المقاومة هو التضامن المعنوي تماماً كما تفعل الشعوب العربية في الوقوف إلى جانب أكثر القضايا عدلاً وانصافاً. ما نطلبه من الحكومات العربية هو ببساطة أولاً تبني مواقف شعوبها، وثانياً عدم التعاون مع العدو الإسرائيلي ضد قضيتنا.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.