حين لا نرى الحقيقة كاملة.. كيف يمكن أن تخدعنا كرة القدم؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/07/07 الساعة 11:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/07/07 الساعة 11:54 بتوقيت غرينتش
عربي بوست

في كرة القدم، كما في أي لعبة أخرى، هناك فوز وخسارة، بالإضافة إلى التعادل، وهذا ما يعرفه الكل دون استثناء. وفي كل أنحاء العالم تنتهي المباريات بعد الصافرة، ويبدأ النقاش الذي قد يستمر لأسبوع على الأكثر، إلا أن بعض المباريات لم تنتهِ في ذهن البعض إلى يومنا هذا.

خلال التصفيات الأخيرة المؤهلة إلى كأس العالم قطر 2022 تواجهت المنتخبات الإفريقية بطلة المجموعات، فوجد المغرب نفسه في مقابلة مع المنتخب الكونغولي، بينما وقعت مصر في فخ السنغال، وواجه المنتخب الجزائري نظيره الكاميروني، والتقى نسور قرطاج مالي. وفي النهاية، تأهل كل من المغرب وتونس وأُقصي المنتخبان المصري والجزائري.

إقصاء مرّ هو الذي تعرض له رفقاء محمد صلاح، لكنهم تناسوا الأمر هذه المرة، وها هم يمضون قدماً، وليس يذكر الشارع المصري المباراة إلا قليلاً، فلم تكن هذه المرة أمر من يوم إقصاء الجيل الذهبي بقيادة الرسام محمد أبوتريكة ورفاقه من التأهل لكأس العالم 2010 في جنوب إفريقيا على يد الجزائر في مباراة درامية وصفت حينها بمعركة أم درمان.

لم يستوعب المصريون بعدها مرارة عدم التأهل، وظل هناك إيمان خفي بأن المباراة ستعاد بأي طريقة، وأتذكر حينها انتشار بعض الأخبار في مصر عن أن فيفا ربما يعيد المباراة، إذ كان يرى الشارع المصري آنذاك، أن فيفا منع مصر من التأهل بشكل مباشر بعد فوزه 2 – صفر على الجزائر في القاهرة، من خلال إلغاء قاعدة احتساب الهدف في مرمى الخصم في مباراة العودة بهدفين في حال تساوي الفريقين المتنافسين في عدد النقاط وعدد الأهداف.

نفس الحالة تكررت في الشارع الجزائري العام الماضي، عندما لم يستوعب الإقصاء، ولم يتقبل فكرة عدم وجود الخضر في مونديال قطر.

بدأت المباراة عند الدقيقة الثانية والعشرين حين سجل موتينغ هدف التقدم للأسود الكاميرونية، بعدها توالت محاولات محاربي الصحراء، التي أدت إلى تسجيلهم هدفين عن طريق المهاجم إسلام السليماني، إلا أنه في كلا الهدفين تدخلت تقنية "الفار" لمصلحة الكاميرون. ففي الهدف الأول احتسب الحكم تسللاً، وفي الثاني لمسة يد، لتنتهي أطوار اللقاء بتلك النتيجة التي أهّلت المنتخبين إلى الأشواط الإضافية.

أمام الجمهور الغفير الذي ملأ جنبات الملعب، وأمام هتافاتهم، لم يكن أمام أحمد توبة وهو يشاهد الكرة قادمة من ركنية نفذها رشيد غزال سوى الارتقاء واستقبالها برأسية قوية سكنت الزاوية التسعين لمرمى حارس الإنتر أونانا، لتعمّ الأفراح الجزائر من شرقها إلى غربها، وليصدح المعلّق بـ"هيا بنا إلى المونديال".

وكما يقول البيت الشعري: "تجري الرياح بما لا تشتهي السفن"، وكما يعرف الجميع، فإن كرة القدم علمتنا ألا نفرح بالفوز إلا بصافرة النهاية، جاءت رمية تماس نُفّذت بسرعة إلى رجل لاعب الوسط الذي أرسلها بشكل مثالي إلى رأس زميله الذي مررها برأسه إلى داخل المنطقة المحظورة، منطقة العمليات؛ لتجد المهاجم إيكامبي في انتظارها على أحر من الجمر، ولم يكن لصاحب التجربة الأوروبية مع أولمبيك ليون أن يهدر فرصة كهذه، خاصة أن الدفاع الجزائري كان في حالة فوضى جعلته ينسى مهمته الأصلية ويفسح المجال للمهاجم الذي لم يتوانَ في وضع الكرة على يسار مبولحي، لتسكن الشباك أمام دهشة وحسرة الجزائريين الذين ودوا لو أنهم في حلم، لكنهم لم يكونوا كذلك؛ وما حدث واقع لا مفر منه، والجزائر خارج حسابات فيفا في مونديال قطر.

وكعادة كرة القدم وخصوصاً خلال هذه المباريات الحاسمة لم تنتهِ المباراة هنا، طالما أنها في عقول الجماهير الجزائرية لم تنتهِ، فهناك من كان يؤمن مجدداً بأن فيفا سيذهب نحو الإعادة، بل سيؤهل الجزائر مباشرة ويقصي رفقاء إيكامبي الذي اغتال أحلام الجزائريين!

يبدو الأمر هزلياً وغير قابل للتصديق، تعد مباراة مصر قبل انتشار مواقع التواصل بشكل واسع لذا من الصعب قليلاً تتبعها،  على عكس اليوم فبإمكانك اليوم البحث عنها، لتصطدم بكمية المنشورات والفيديوهات التي تتحدث عن إقصاء الجزائر الأخير، وستتعجب من القوة الإبداعية لدى البعض، والإخراج المذهل لروايات عن التأهل المتوقع والقريب. فتقريباً، كان لا يمر أسبوع دون خروج أحد الجماهير بفيلم من نوعية الخيال العلمي عن تأهل الجزائر إلى المونديال، والغريب هو التفاعل مع مثل هذه القصص؛ إذ تجد المعلقين وهم في غاية الانتشاء والسعادة، يهللون ويذكرون الله ويسبّحون كأنه فتح جديد!

وحتى يوم النهائي في لوسيل، ربما لكانت تخرج بعض الصفحات لتنشر خبراً مفاده تأهل المنتخب الجزائري إلى النهائي مباشرة، وستجد أن هناك من سيصدق الخبر، وقد تستغرب، لكن للأمر علاقة بحالة نفسية تسمى في علم النفس "التنافر المعرفي".

في خمسينيات القرن الماضي ظهرت طائفة دينية تدعي أن العالم سينتهي مع حلول يوم معين وساعة محددة، ووفاءً بذلك اجتمعت الطائفة بعد أن باع معتنقوها كل ما أمامهم وخلفهم، ووقفوا ينتظرون قيام الساعة وقدوم مخلصهم الذي سينقلهم إلى عالم آخر حيث سيعيشون حياة أخرى.

ضمن هؤلاء كان العالم الأمريكي فيستنجر وفريقه، ليس إيماناً بل من أجل غرض علمي، فقد انضموا إلى دراسة هذه الطائفة.

حين جاءت اللحظة الحاسمة، ولم يحدث شيء بالطبع، توقع العالم أن يدرك الجميع زيف النبوءة، إلا أن المكلَّف بالاتصال بالإله خرج ليخبرهم أن الإله أشفق عليهم، وقرر تأجيل الفناء!

وصدقت الطائفة الخبر وعبّرت عن حبها وامتنانها للإله الرحيم؛ واستمروا في إيمانهم كأن لم يحدث شيء، وهنا خرج العالم بنظرية "التنافر المعرفي" وكتب كتابه الشهير "عندما تفشل النبوءة".

هذا بالضبط ما حدث مع الإخوة المصريين، ويحدث مع الإخوة الجزائريين، فرغم أن كل المواعيد التي رصدها الكاذبون لإقصاء الكاميرون والمناداة على الجزائر قد مرت دون أن يحدث ذلك، فإنهم ما زالوا يصدقون الخبر ويؤمنون بأن الجزائر ستتأهل، وفي كل مرة يصدقون كذبة جديدة.

كلما ارتفعت التطلعات، كان السقوط قاسياً، هذا ما حدث بالضبط مع أشبال بلماضي ورفقاء محرز. كان بودنا لو تأهل الخضر، إلا أن كرة القدم تبقى لعبة حظ، والحظ لم يحالفهم هذه المرة؛ ونتمنى أن يحالفهم الحظ في النسخة القادمة.

لكن ما لم يعجبني، أن تصبح كرة القدم صنماً يعبد، وأن تتحول من لعبة هدفها التسلية إلى حرب نفسية تسحق الشعوب، وإلى صندوق باندورا يخرج لنا شرور الناس.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علي الرباج
كاتب مغربي
كاتب مغربي
تحميل المزيد