قوة اللحظات العابرة في تحويل مجرى حياتنا إلى الأبد.. دروس من سيرة سيبويه وعلي عزت بيجوفيتش

عربي بوست
تم النشر: 2023/07/07 الساعة 08:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/07/07 الساعة 09:01 بتوقيت غرينتش
لا تخلو حياة إنسان منا من مواقف مثلت نقطة تحول في مجمل حياته - تعبيرية/ Shutterstock

كان الإمام أبو جعفر الطحاوي يدرس وهو غلام على يد خاله الإمام إسماعيل بن يحيى المزني صديق الإمام محمد بن إدريس الشافعي المقرب، وذات مرة قال له خاله: "والله لا جاء منك شيء" ، يعني لا فائدة  منك، لا تصلح لأي شيء، شعر الفتى بالخجل، ومثل هذا الموقف نقطة تحول في حياته، فلقد قرر أن يكون الرقم الصعب في العلم.

بعد هذه الكلمة القاسية ترك الطحاوي المذهب الشافعي وتوجه إلى مذهب أبي حنيفة، وبعد طول مجاهدة في طلب العلم صار إمام الحنفية في مصر وسيد سادتها. 

وذات مرة رأى اجتماعاً غفيراً لطلبة العلم حوله فقال في نفسه: رحم الله أبا إبراهيم – يقصد خاله المزني، لو كان حياً لكفر عن يمينه!

ومن قبل الطحاوي نجح سيبويه القادم مع أمه من بلاد فارس أن يكون الرقم الصعب في اللغة العربية، إذ لما بلغ سن الرابعة عشر جلس بتوجيه من أمه بين يدي العلماء لتعلم اللغة العربية وقواعدها، وذات مرة قرأ عليه أستاذه حماد بن سلمة البصري الحديث النبوي الشريف (ليس من أصحابي أحد إلا ولو شئت لأخذت عليه ليس أبا الدرداء..)، فوقع في ذهنه أن أستاذه أخطأ حين قال (ليس أبا الدرداء) حيث جعل (أبا) منصوبة وكان الأصل أن تكون (أبو) لأن ليس من أخوات كان، وهي ترفع المبتدأ وتنصب الخبر.

فما كان منه إلا أن قام وحاول قراءة الحديث مرة أخرى على الجالسين وتعديل (أبا) إلى (أبو) .. فنهره أستاذه  قائلاً: لحنت يا سيبويه، إنما ليس هنا أداة استثناء.

شعر حينها الفتى بالخجل، فأصبح هذا الموقف نقطة تحول كبيرة في حياة الصبي الصغير، فلقد أقسم في هذه الجلسة أن يطلب العلم لا يلحن أبداً.

وبالفعل دخل سيبويه في زمرة الذين لم يلحنوا أبداً ومنهم الإمام الشافعي وعبد الملك بن مروان وثلة من العلماء الأنقياء أصحاب الهمم العالية، ليس ذلك فحسب بل يعد كتابه (الكتاب) من المراجع الأساسية في كتب النحو، ودستوراً من دساتير العربية.

مات سيبويه ولم يبلغ السادسة والثلاثين من عمره بعد، مات وقد بلغ اسمه الآفاق، سيبويه الفارسي الذي أصبح إمام النحاة وفاق كثيراً من أئمة العرب في معرفة علم النحو وأصوله وخباياه، فما من زاوية علم أو جامعة عريقة إلا واسم سيبويه يتردد فيها.

بينما قضى العملاق علي عزت بيجوفيتش خمس سنوات متصلة من عمره في سجون الشيوعيين لأنه ألف كتاباً يحمل عنوان (البيان الإسلامي) في رد منه على كتاب المنظر الشيوعي كارل ماركس (البيان الشيوعي)، ومع الأذى النفسي والبدني إلا أن الرجل سعى بكل قوة للحفاظ على قوته النفسية والفكرية من أن تتآكل، بل العجيب يشرع في تأليف كتاب (هروبي إلى الحرية) وهو قابع في السجون، يئن من وطأة التعذيب، وعندما خرج من السجن صنع لدولته كياناً من لا شيء ومن قبلها أسس حزباً إسلامياً في بلد يموج بالشيوعية.

لا أستغرب  هذه المواقف واللحظات، فلا تخلو حياة إنسان منا من مواقف مثلت نقطة تحول في مجمل حياته، قد تكون كلمة عابرة، أو موقفاً مستفزاً، ألهب شرارة التحدي في النفس، أو موقفاً محفزاً، شكل نقطة انطلاق نحو عالم النجاح والتفوق.

لكن أستغرب من الذين تمضي حياتهم على وتيرة واحدة، فلا تستفزهم المواقف المختلفة إيجاباً أو سلباً، وتأسرني مواقف الذين غيروا مجرى حياتهم بناءً على مواقف مرت بهم، أدركوا قيمتها، وأحسنوا استغلالها، ولم يستسلموا، ولم يهربوا.

وأنحني إكراماً للذين أدركوا أن كلمة طيبة تخرج من أفواههم ستغير حياة الآخرين للأفضل، وستنبت في الأرواح المتعبة شجراً مثمراً.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
سيد حمدي
كاتب وصحفي مصري
تحميل المزيد