شاهدنا جميعاً الحرب المؤسفة التي شنها الكيان المحتل على أهلنا في مخيم جنين، ورغم صعوبة وقسوة الحدث، وما نتج عنه من شهداء ومصابين وتهجير قسري لأهل المخيم، فإن هناك شيئاً يدعو للأمل تلوح شمسُه في الأفق.
مؤخراً، عندما يشنّ الاحتلال حرباً مع غزة أصبح يهتم بوقت نهايتها قبل بدئها من الأساس؛ نظراً لأن الاحتلال لم يعُد يقدر أن يقوم بحرب طويلة الأمد، بسبب أن هناك مقاومة مؤثرة في غزة، مُمثّلة في كتائب القسام وحركة الجهاد، شهدنا نضالها خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
فنشاط الصواريخ التي تصل لإسرائيل خلال الفترة الأخيرة، وتزايد العمليات الفردية للأبطال الفلسطينيين ضد المستوطنين، أثر في الاحتلال بشكل قوي، نظراً لأن شعب هذا الكيان الغاصب يرتعب من الخسائر، ويطمع دائماً بحرب بصفر خسائر على جميع المستويات.
لكن واقع اليوم يشير إلى أن الاحتلال يفكر ألف مرة قبل أن يبدأ الحرب، بسبب علو سقف المقاومة على المستوى الشعبي والعسكري.
فالحروب العشوائية والاعتداءات الوحشية في السنوات الأخيرة لم يشنها الاحتلال إلا اضطراراً، لكسب تأييد شعبي إسرائيلي لحكوماته المتساقطة، فخلال أقل من أربع سنوات غيرت إسرائيل 5 حكومات، وهو ما يوضح أيضاً مدى تأزم الوضع السياسي دخل تل أبيب.
هذا بالإضافة إلى أن الحروب تشن مع وجود ترتيب لإنهائها، بعد تحقيق مكاسبها الشعبية، إذ تشن ضمن تنسيقات واتصالات مع وسطاء قبل بدئها، وهو ما أصبح واضحاً جداً مؤخراً.
لكن كعادة أي مستعمر همجي لا يعرف غير القمع الممنهج والنظرة الأحادية للأشياء لم تحسب إسرائيل ردة فعل الشعب والشارع الفلسطيني إزاء هذه الاعتداءات.
فقد أدى ذلك منذ أحداث الشيخ جراح في القدس لمزيد من المقاومة، فرأينا الصواريخ تنطلق من غزة لتل أبيب، من ثم تمرد مدينة اللد، إلى اندلاع مظاهرات في البيرة وحيفا، فرأينا تلاحم الفلسطينيين رغم الجغرافيا، مؤكدين على تأسيس وعي جديد ينحاز لهم.
هذا بالإضافة إلى ظهور مجموعات وأشكال جديدة من المقاومة المسلحة، كمجموعة "عرين الأسود" الفلسطينية التي كسبت التفافاً شعبياً كبيراً حولها، وسببت قلقاً أمنياً كبيراً لإسرائيل؛ نظراً لتكوينها المختلف عن أشكال المقاومة الأخرى.
فخلال تقرير Haaretz الإسرائيلية قالت: "إن المجموعة بعيدة كل البعد عن كونها تنظيماً قائماً على الترتيب الهرمي، الذي يأخذ الأوامر من مركز قيادة أو من رأس تنظيمي سياسي". فكانت عبارة عن مجموعة محلية من الشباب المنتمين إلى منظمات مختلفة، وإن كان أغلبهم مؤيداً أو مرتبطاً بحركة فتح، إلا أن المجموعة تضم أيضاً منتمين إلى حركة حماس، وحركة الجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
أما عن استبسال جنين فليس بجديد، فرغم تدميره الكامل تقريباً في العام 2002 ظل هذا المخيم بمساحته الصغيرة، وعدد سكانه المحدود، محطةً مهمة ومحورية بالنسبة للمقاومة الفلسطينية، فعاش نقطةَ استهداف دائمة، وموقعاً حساساً تحاول سلطات الاحتلال إخماده ومحو أثره منذ عقود.
انسحاب قوات الاحتلال من جنين دون تحقيق الأهداف التي خرج من أجلها تقول الكثير عن تغير المعادلة بتوسع رقعة المقاومة، فكل حرب شنّها الكيان المحتل على غزة كان يوجد لها ثمن وردّ، خصوصاً بعد أحداث القدس.
فتم إثبات وجود أن هناك رداً على كل فعل تقوم به إسرائيل، وردعاً يكبر ويزيد كل يوم، وأصبح لدى الشعب الفلسطيني خارج غزة رغبة وحلم في أن تكون لهم مقاومة قوية ترد بالمثل، وتكون أداة لردع أي عدوان من الكيان الصهيوني.
لذا يمكن القول إن هناك تراجعاً في سيطرة الاحتلال، يبشر بالخير، وإنه لا حل سوى تقوية المقاومة لنفسها عسكرياً وسياسياً، لإدارة هذه القوة حتى تكبر يوماً بعد يوم، إلى أن يأتي يوم التحرير الكامل بإذن الله.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.