اتّسمت السياسة الخارجية لواشنطن أثناء حكم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالعدوانية تجاه فلسطين؛ إذ أصر على فرض اتفاقات سلام بتكلفة قليلة، وتقديمها كهدية لأصدقائه الإسرائيليين على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، الذي فرض عليه عنوة قرار اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل.
في ظل حكم دونالد ترامب لم يكن هناك مكان للتوازن أو الحلول الوسط أو الدبلوماسية، كان ينظر للسياسة ببراجماتية وشعبوية، فكان هناك أصدقاؤه الإسرائيليون، وحلفاؤه من بعض حكام الأنظمة العربية، الذين لم يتردد في الضغط عليهم لتحقيق ما يريد، بينما الفلسطينيون والشعوب العربية لم يرهم إلا أعداءً لا قيمة لهم.
هل حققت اتفاقات أبراهام لإسرائيل ما تريد؟
كان من المفترض أن تساهم "اتفاقات أبراهام" الموقعة بين إسرائيل وبعض الدول العربية التي لم تكن في صراع معها في يوم من الأيام، في 15 سبتمبر/أيلول 2020 في حديقة البيت الأبيض، في تهميش القضية الفلسطينية بشكل أكبر، والجور على حقوق الشعب الفلسطيني بشكل لا رجعة فيه، أو ربما إيجاد مبرر لإجبار الفلسطينيين على قبول "خطة السلام" المزعومة المفضلة لإسرائيل، والتي تم تقديمها في يناير/كانون الثاني من العام نفسه.
لكن تأتي الرياح بما تشتهي شعوب المتوسط المظلومة أحياناً، فعلى العكس تماماً لم تضعف الاتفاقات وحملات التطبيع من عزيمة الفلسطينيين والشعوب العربية، بل زادتهم بأساً وعزماً وإقداماً لتقديم كل ما يملكون، فلم يعد لديهم ما يخسرون، فالبحر أمامهم والعدو من خلفهم.
فبغض النظر عن زيادة التحالفات بين الأنظمة العربية ودولة الاحتلال، وبالنظر لمعطيات الشارع الفلسطيني وكل الأحداث التي أعقبت الاتفاقية إلى اليوم، نرى أنها لم تأت أكلها، فقد زادت لحمة الشارع الفلسطيني رغم عدم التلامس الجغرافي.
فرأينا الصواريخ تنطلق من غزة إلى تل أبيب من أجل القدس، ورأينا اندلاع التظاهرات والتمرد في كل مدن فلسطين المحتلة. في المقابل لم تستطع 5 حكومات إسرائيلية الاستمرار في حكم فترة كاملة خلال السنوات الأربع الأخيرة.
وها هي اليوم جنين رغم كل ما تكبدته منذ سنين تثبت أن السياسات والاتفاقات القهرية قد لا تغير في الحقيقة شيئاً، فالإنسان يسعى بطبيعته إلى تحقيق الحرية، إذ يرفض الاستسلام للواقع وللقوانين الجائرة، ويؤكد أن "المقاومة" وعدم الخنوع هي فعل فطري وموقف طبيعي للإنسان في هذه الحياة.
يقول الروائي الألماني إريك ماريا ريمارك في روايته 3 رفاق: "الخضوع.. ولِمَ الخضوع؟ إنه لا يجدي نفعاً، على المرء أن يدفع -في الغالب- غالياً لقاء الحصول على القليل من هذه الحياة، يدفع ذلك مرات ومرات، لذا ما نفع الخضوع؟!".
بهذا المنطق يعمل الفلسطينيون تحديداً والشعوب العربية بشكل عام، فرغم السياسات والأنظمة القمعية لحكامنا مازالت الشعوب تصر على تغيير واقعها حتى ولو لم يسمعها العالم.
في هذا السياق، يؤكد الأساتذة المتخصصون في تاريخ الفكر السياسي دائماً أن المجتمع الدولي ليس سوى طرف غير فاعل في أي قضية، ولا يتجاوز دوره العمل كحافز لبعض الأحداث. لذا ما نقوله، إنه يمكن للتنظيم والتلاحم الشعبي في أي منطقة على وجه الأرض أن يفرضا نفسيهما بفاعلية تدريجية. وأكبر شاهد جنين التي أجبرت قوات الاحتلال على الانسحاب.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.