لا يكاد يخفى على أحد حجم المعاناة التي تعيشها الرياضة السورية على كافة الأصعدة من كرة القدم إلى السلة مروراً بالألعاب الفردية وألعاب القوى والتي لطالما كنا ننجح بها إلى حد ما "وقد يكون لكونها فردية فقط".
ومع استمرار الأزمة وتبعاتها في سوريا، كان للرياضة نصيب الأسد في تبعات هذه الأزمة والحرب التي عصفت بالجميع على كل الأصعدة، المادية والفنية والرياضية، والذي قد يكون تأثر بشكل أكبر، الأمر الذي انعكس مخلفاً بذلك التراجع بجميع الرياضات المحلية والجماعية على المستوى العالمي وحتى القاري، ومعمقاً الفجوة ما بين رياضاتنا على المستوى العالمي مع باقي الدول، فأصبح أكبر ذكرياتنا في العقد الأخير مقتصرة على عارضة السومة أمام أستراليا، أو إنجازات فردية لنجوم لطالما تغنينا بذكرهم وبإنجازاتهم منذ أكثر من عقد من الزمان.
ولكرة القدم شعبية كبيرة لدى الشارع السوري بشكل كبير مثل باقي الدول العربية، والذي استطاع بفضلها جمع شتات السوريين بمختلف الاتجاهات والطوائف فيما مضى، وكانت بصيص أمل وباباً للسعادة في وقت تواصلت المصائب والكوارث على هذا الشعب، وأصبحوا يبحثون عن فجوة وبصيص أمل في رسم الابتسامة على شعب أنهكته الحروب والأزمات، وغابت عنه أبسط مقومات الحياة.
هل يصلح المدرب الأرجنتيني ما خربه التونسي والسوري؟
سؤال يطرح نفسه لدى كل مشجع ومحب للكرة السورية، هل يصلح المدرب الأرجنتيني ما خربه من سبقه؟ وهو سؤال مستفز قليلاً بصراحة، فعلى الرغم من امتلاك نجوم كبار بالقارة الآسيوية مثل العمريين، السومة والخريبين، إلا أن تلك النجومية والتألق لم تنعكس على مردود المنتخب الأول أو الأولمبي أو حتى الشباب، للعديد من الأسباب والتي لا يتم حصرها بأسطر ولا بمقالة واحدة، فمع انتشار الواسطات، والمحسوبية، والتدخل بكل صغيرة وكبيرة بالمنتخب، وضعف الدوري السوري لكرة القدم بعد أن كان من أفضل الدوريات العربية على المستوى الفني والجماهيري، وعدم وجود خطة مدروسة لتنشئة جيل جديد متطور ويواكب المنتخبات الأخرى، ومع تدني المستوى العام في الرياضة السورية وتوالي الخيبات، استعان الاتحاد السوري لكرة القدم بالمدرب الأرجنتيني هيكتور كوبر لقيادة دفة المنتخب الأول في محاولة يائسة منه لتصحيح الأوضاع!!
وعلى الرغم من أن المدرب يحظى بسيرة مميزة على مستوى المنتخبات والأندية التي دربها، إلا أنه ما زال الاتحاد السوري لكرة القدم وكأنه لم تصله الرسالة بعد بأن المشكلة ليست بالمدرب ولا بالطاقم الفني ولا حتى باللاعبين، وإنما المشكلة في تراكم الأخطاء والخيبات وغياب الخطط والتحضير المسبق والأخطاء المتراكمة منذ سنوات وعقود بفكر أحادي وممنهج، وعدم وجود خارطة رياضية للمستقبل البعيد، وقد أكون مع منح الصلاحيات للكوادر الوطنية التي تتألق مع مختلف البطولات العربية وحتى الأجنبية، لأنها ببساطة تعرف اللاعب السوري وإيجابياته وسلبياته، كما أها مدركة للواقع المرير من البنية التحتية والعديد من الأمور الأخرى والتي سبق أن ذكرنا أهمها سابقاً، ولنا بتجربة أيمن الحكيم خير مثال، عندما استطاع مع سوء التحضير وغياب الدعم الحقيقي والظروف القاسية خلق فريق ومنتخب بشكل مقبول وبما يتناسب مع إمكانياتنا، والأهم حصوله على النتائج المرضية والإيجابية.
وقد يعتقد البعض أن المدرب الأجنبي قادم ومعه عصا سحرية ومجرد التلويح منه سيصبح المنتخب من أهم المنتخبات العربية وأقواها، وستحل جميع مشاكل كرتنا!
وهو الأمر المضحك بالفعل؛ لأن لنا من جيراننا مثالاً يحتذى به، فلو أمعنا بالسعودية أو قطر أو المنتخب المغربي، لوجدنا أنهم عملوا لأكثر من عشر سنوات من التخطيط المنظم ودعم المواهب الشابة والمحلية، والمزج بين الخبرات العربية والأجنبية، للوصول إلى ما وصلوا إليه، وتمكنهم من الوصول إلى نهائيات كأس العالم، بل بالمنافسة على كأس العالم، نعم كأس العالم للمرة الأولى نقولها بأن منتخباً قادراً على الوصول والمنافسة على كأس العالم، ومنافسة كبار القارة والوصول إلى نصف نهائي كأس العالم للمرة الأولى في تاريخ اللعبة، وبأن يتمكن منتخب عربي من الوصول إلى هذه المرحلة وهنا بالتأكيد نقصد المنتخب المغربي، وهو بمثابة درس للمنتخبات الأخرى بكيفية رسم طريق وخطط للوصول إلى النتائج المرجوة، ولمَ لا من تحقيق إنجاز قد نظنه مستحيلاً حالياً، ولكن عودتنا الكرة على قاعدة: لا مستحيل في كرة القدم.
إنجازات ماضية في الألعاب الفردية
وبعيداً عن كرة القدم والحديث عن الألعاب الفردية شاركت سوريا لأول مرة بعد استقلالها عام 1946 في أولمبياد لندن 1948 لأول مرة، وحصلت سوريا على أول ميدالية لها في الألعاب الأولمبية الصيفية 1984 وكانت فضية عن طريق اللاعب جوزيف عطية في رياضة المصارعة، وحققت الميدالية الثانية في الألعاب الأولمبية الصيفية 1996 وكانت ذهبية عن طريق اللاعبة غادة شعاع في رياضة ألعاب القوى السباعي، كما حققت الميدالية الثالثة في الألعاب الأولمبية الصيفية.
وكما حصدت سوريا في آخر إنجاز لها على الميدالية البرونزية في رفع الأثقال بوزن 109 كيلو عن طريق الرباع السوري معن أسعد ضمن منافسات رفع الأثقال للرجال في أولمبياد طوكيو 2020 مانحاً بلاده أول ميدالية في هذه الدورة وآخر الإنجازات.
يسرى مارديني الشابة السورية الصغيرة التي وصلت إلى الجزر اليونانية سباحة أثناء رحلة هروبها من الحرب، ألهمت الملايين وانتشرت قصة حماسها حول العالم عبر عشرات التقارير التلفزيونية والمقابلات الصحفية، حيث استطاعت لاحقاً الوصول إلى ألمانيا لتحطم الرقم القياسي للسباحات السوريات في السباق المزدوج 400 متر والتأهل للمشاركة في الأولمبياد العالمي للسباحة بالبرازيل ضمن اللاجئين المشاركين في النهائيات، وتلك القصة التي تم تحويلها إلى فيلم، عرض في العام الفائت مسلطاً الضوء على قصة ملهمة ستبقى في الذاكرة لسنين طويلة.
كما نافست الشابة بيان جمعة عشرات السباحين في الألعاب الأولمبية الصيفية عام 2012 ثم حصلت على ميدالية ذهبية وأخرى فضية في سباقي 50 و100 متر حرة في بطولة التشيك خلال مارس الماضي.
فيما تابع البطل مجد الدين غزال مسيرة الإنجازات القليلة للرياضة السورية، وأحرز الميدالية البرونزية بالوثب العالي في فرنسا، وبرونزية العالم في لندن وجوائز عديدة حصدها حول العالم رغم الإمكانات البسيطة وسوء التحضير، فيما احترف الشاب عمار رمضان كرة القدم في نادي يوفنتوس الإيطالي، وحصل عمر خريبين ابن نادي الوحدة الدمشقي ولاعب نادي الهلال السعودي على لقب أفضل لاعب في آسيا عام 2017.
العمريين .. السومة والخريبين نجوم الحاضر
ولا ننسَ اللاعب السوري والهداف الأول للمنتخب السوري عمر السومة أو كما يلقب بالعكيد، ويعد من أبرز المهاجمين العرب الذين يلعبون في الدوريات العربية، لما يملكه من حس تهديفي عالٍ سواء بالرأسيات أو الركلات الحرة أو ركلات الجزاء، كما يجيد السومة اللعب بكلتا قدميه، "العكيد" الذي نشأ في نادي الفتوة السوري والذي انضم إليه في عام 2001 عندما كان يبلغ من العمر 12 عاماً، وفي موسم 2009–2010، ساعد السومة فريقه الهابط إلى الدرجة الثانية بالتتويج بالمركز الأول والعودة إلى دوري الأضواء، كما حقق العديد من الإنجازات الأخرى.
في أغسطس 2011 انتقل عمر إلى نادي القادسية الكويتي، وخلال الفترة التي قضاها في القادسية حقق معهم العديد من الألقاب، وفي الموسم الأخير له في الدوري الكويتي حقق السومة لقب الهداف بتسجيله 23 هدفاً ليساعد فريقه بالتتويج بلقب الدوري.
انتقل السومة إلى النادي الأهلي السعودي في يوليو 2014 في عقد مدته عامان، في أول لقاء للسومة وفي أولى جولات دوري عبد اللطيف جميل أمام نادي هجر والتي انتهت بنتيجة 6–1 لصالح الأهلي، تمكن من تسجيل ثلاثة أهداف ليكون أول هاتريك يسجله مع النادي وأول هاتريك يُسجل في ملعب الجوهرة، واستمر تألق السومة مع الأهلي ليحقق لقب هداف الدوري لثلاثة مواسم متتالية بعد ذلك، وبقيادة السومة استطاع النادي الأهلي تحقيق لقب الدوري، والذي كان غائباً عن الفريق منذ أكثر من 32 سنة، قبل أن ينتقل بنظام الإعارة إلى نادي العربي ويوعد ليتألق هنالك ويحقق العديد من الإنجازات الفردية.
فيما العمر الثاني وهو عمر خريبين، ابن نادي الوحدة، والذي استطاع الحصول على العديد من الإنجازات الفردية والجماعية، ولعل أهمها حصوله على دوري أبطال آسيا برفقة فريقه الهلال السعودي في عام 2019، وفردياً حصل على لقب أفضل للاعب في آسيا في عام 2017. فيما تنقل في العديد من الأندية مثل الوحدة السوري والهلال السعودي النجف العراقي، والوحدة الإماراتي.
وحصل عشرات الرياضيين السوريين الآخرين على ميداليات وجوائز مميزة مشاركين في تصفيات رياضية عالمية، ليرسموا خطوات الرياضة السورية اليوم، وليكونوا مثالاً يحتذى به للعزيمة والإصرار على متابعة الحياة رغم صعوبتها.
فيما كان هنالك العديد من النجوم الذين سطعوا بنجوميتهم في مختلف الدوريات العربية والأوروبية حتى، ومن أهمهم القائد السابق للمنتخب فراس الخطيب، وجهاد الحسين، وماهر السيد، والعديد من المحترفين الذين استطاعوا تحقيق الإنجازات وتحطيم الأرقام والوصول إلى مصاف الكبار في القارة.
ويبقى السؤال المطروح: إلى متى مقدّر لرياضاتنا أن يكتب لها الفشل بعد فشل، وسنبقى نستذكر ذكريات وإنجازات قد تم تحقيقها منذ أكثر من عقد من الزمان ولا نستطيع أن نسّطر ونحتفل بإنجازات جديدة قد عشنا معها، وعلى أمل مواكبة تطور العديد من دول العالم في مختلف الرياضات، والنجاح برسم فرحة على وجوه ملايين من الشعب قد أنهكته الحرب وهم ما زالوا يمنون النفس بفرحة بسيطة تنسيهم واقعهم المرير.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.