انزعج كثير من المصريين بسبب فيديو لمواطن كويتي يعلن عن نيته زيارة محافظة أسيوط، لتصوير ممتلكات المصريين الذين يعملون بالكويت، مبدياً استياءه من قدرة المصريين على شراء بيوت وسيارات بالرواتب الضعيفة التي يتقاضونها في بلده الكويت، غير قادر على مدارة الحقد الذي يحمله قلبه للمصريين.
ليست هذه المرة الأولى التي يسيء فيها مواطن كويتي لمصر وشعبها، وفي ظني لن تكون الأخيرة، ما دام هناك في شعبنا العربي من يبرع في إثارة الفتن والنعرات المحلية والعصبية دون رادع، وطالما بقي أمر الله (واعتصِموا بحبلِ اللهِ جميعاً ولا تفرَّقوا) مهمّشاً.
في المقابل، رأيت مئات، بل آلاف الأشخاص الذين يسبون الكويت وأهله، وراح كثير من الشباب المصري الغاضب يتهم أبناء شعب عربي مسلم باتهامات تستوجب حداً من حدود الله على الأقل، وما كانوا يستنكرونه على هذا الشخص من عنصرية وبذاءة كانوا هم أئمةً فيه!
ما من مكان على ظهر هذه الأرض إلا ويشهد خيراً وبراً، وإنسانيةً ورحمةً، وفي الجهة المقابلة يشهد أيضاً شراً، وفجراً، وعنصرية وحقداً، غير أنه يحلو لكثيرين أن ينسبوا الفضل لأنفسهم ويعزلوها عن تلك الأوصاف القبيحة، لكن الواقع يداهمهم بحكايات بائسة، تعكس وجوههم القبيحة، وتبرز حقائق نفوسهم التعيسة، ذلك أن قيمة المبادئ والشعارات الفعلية لا تظهر إلا على محك التجربة والممارسة.
في آخر رسالة عنصرية من الرجل الكويتي، وجدت مئات، بل ألوف الرسائل التي تعنفه وتدافع عن كرامة المصريين من أبناء المجتمع الكويتي، بل وحتى من شخصيات مرموقة.
ليس ذنب الكويتي أنه نشأ في أرض ذات مساحة جغرافية صغيرة، فمساحة الدولة الصغيرة لا تبعد صاحبها عن الجنة وتقربه من النار، كما لا يؤثر صغر وكبر المساحة في جودة الأخلاق، وتحصيل الأدب، ولا الدولة التي تتمتع بسبعة آلاف سنة حضارة ستَعفِي من وُلد فيها من العرض على الله، وحسابه في كل كلمة تفوّه بها، وكل فعل قام به.
لو كنت كبيراً حقاً، ومنتمياً لحضارة عريقة فعلاً، وقبل هذا وذلك منتمياً إلى دين قويم يعزز الحب، ويؤكد على الاعتصام، فبرهِن على ذلك بالفعل والكلام، ودع عنك دعوى الجاهلية فإنها عفنة.
من فضل الله وكرمه أن سخر لي سبل الاحتكاك والتعامل المباشر مع كل جنسيات وطننا العربي الكبير من المحيط إلى الخليج، فكنت عاملاً بسيطاً لدى مقاول مغربي فترة الإجازة الصيفية أيام الثانوية، وموظفاً صغيراً عند تونسي في الإجازة الصيفية أيام الجامعة، وجاراً لجزائري ويمني، وزميلاً في العمل الإعلامي لسوداني وسوري ولبناني وأردني وفلسطيني، وتلميذاً لعراقي، وصديقاً لموريتاني، ومقيماً قبل سنوات في ليبيا، وحالياً في الخليج.
فرأيت في الجزائري الشجاعة والاندفاع نحو ما يعتقد أنه حق، ورأيت أن المثقف السوداني يعدل ألفاً من مثقفي العرب كلهم، والمغربي بارع في الإنسانيات واللسانيات، والتونسي محب للكتاب والمعرفة، ورأيت أن الليبي كريم، يحفظ العشرة ويقدّرها، وشهامة الأردنيين لا تتوقف وليس لها حدود، ورأيت أن العراقي لم يذهب عنه ذاك الشموخ الذي ورثه من الرشيد والمأمون، حتى وإن توارى قليلاً خلف النكبات، وترنّح بعض الشيء بفعل الأزمات.
واللبنانيات لسن هيفاء وهبي، كما أن المصريات لسن فيفي عبده، ولبنان ليس شارع الزيتونة، كما أن مصر ليست شارع الهرم، ولبنان ليس ما يُعرض على شاشة LBC، كما أن مصر ليست ما تنقله إلينا الشاشات من الساحل الشمالي والجونة، ولقد عملت مع اللبنانية فما رأيت أذكى منها اجتماعياً، ولا أكثر منها حرصاً في العمل، مع الانضباط والالتزام والحشمة وتحمل المسؤولية.
بينما اليمني طيب، من أصل طيب، يعلم أنه ينتمي لأقدم حضارة، فلا يغيب عنه ذلك! والخليجي ليس "أبو نواف" الذي نصب عليك في فيزا، أو استغلك وأرهقك، فالأغلبية بخير، وعلى تقوى وصلاح، والكرم يسكن بينهم، والأدب بارز فيهم، لاسيما الذين تعدوا الخمسين.
والموريتاني عربي ابن عربي، لا كما يعتقد مدحت شلبي وغيره من ضعاف الثقافة، ومُسيئي الأدب، يحبون اللغة العربية كما يحب أحدنا أبناءه، ويرحبون بالضيوف أيما ترحيب، ولهم قلوب نقية كنقاء الورد، وفي أفئدتهم صفاء كسماء الربيع.
والسوريون هم التجار الفالحون، والصناع البارعون، هم الياسمين، وما تشرّدوا أبداً في الأرض، بل كانت مشيئة الله أن ينتشر الياسمين في كل بقاع الدنيا.
يعيش أغلبنا أسير الصورة الذهنية المنطبعة لديه عن كل شيء، والتي هي في غالبها مغلوطة، مشوشة بفعل عدة عوامل، لا تحتمل الخاطرة التفصيل فيها.
إذن لندعنا من أحكام أهل السياسة، الرهان على الشعوب، ولنبتعد عن النعرات الفارغة، وما يؤجج الفتن ويفرق ولا يجمع، في وقت ما أحوجنا فيه إلى تقوية اللحمة الوطنية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.