العدالة الضريبية المفقودة.. كيف يتحمل الفقراء في مصر عبء الضرائب وحدهم؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/07/04 الساعة 08:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/07/04 الساعة 10:17 بتوقيت غرينتش
بائعة في أحد شوارع مصر/shutterstock

في 29 مايو 2023، وافق مجلس النواب على حزمة من التعديلات الضريبية التي تشمل رفع الحد الأدنى للإعفاء من ضريبة الدخل السنوي إلى 36 ألف جنيه بدلاً من 24، واستحداث شريحة جديدة بضريبة تُقدر بنحو 27.5% لأصحاب الدخول التي تزيد على 1.2 مليون جنيه سنوياً.

بالإضافة إلى زيادات ضريبية جديدة على عدد من السلع والأنشطة الترفيهية بنسبة تتراوح بين 5-20%، وفرض بعض رسوم على مغادرة البلاد للمصريين، ما جعل بعض النواب يرفضون الزيادات بحجة أنها تثقل كاهل المواطنين بأعباء مالية إضافية، وتتعارض مع الإجراءات الحكومية الأخيرة التي تهدف لخلق مناخ ملائم للاستثمار، ولكن الموافقة النهائية جاءت رغم الاعتراض.

كما شملت التعديلات تخفيض الضريبة على أسهم الشركات المدرجة حديثاً في البورصة، في محاولة لتعزيز الطروحات الحكومية، وتجاوزت وزارة المالية عن ضريبة الأرباح الرأسمالية في تعاملات البورصة المصرية، التي كان من المقرر تطبيقها بداية العام.

وتُعد الضرائب هي المصدر الرئيسي للإيرادات الحكومية، حيث بلغت نسبتها نحو 73.6% من إجمالي الإيرادات الحكومية خلال موازنة العام المالي 2022/2021. 

وهو ما يدفعنا لتسليط الضوء على السياسة الضريبية في مصر، وأهمية الأدوات الضريبية في تحقيق الكفاءة الاقتصادية، إضافة إلى العدالة الاجتماعية والقضاء على اللامساواة.

أهمية السياسات الضريبية في تحقيق العدالة الاجتماعية

تُعد السياسة الضريبية من الأذرع الأساسية للسياسة المالية للدولة، والتي تسعى إلى تحقيق الكفاءة الاقتصادية من خلال تمويل الموازنة العامة، لتدعم بها الحكومة أوجه نفقاتها المختلفة على الاستثمارات وتوفير السلع والخدمات العامة التي ينتفع بها الفقراء والأقل دخلاً، مثل خدمة الصحة والتعليم والإسكان الاجتماعي.

كما تلعب السياسات الضريبية دوراً مهماً في تحقيق مجموعة من الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، وذلك من خلال عملية إعادة توزيع الدخول والثروات عند فرض ضرائب على أصحاب الدخول والثروات الضخمة بهدف تمويل دعم الفئات الفقيرة والأقل دخلاً، مما يسهم في تحقيق المساواة بين فئات المجتمع.

ومن المعروف أن المبدأ في فرض الضرائب هو أن الجزء الأكبر منها يقع على عاتق أصحاب الدخول العالية ويصرف في تغطية نفقات الدولة، والمفترض أن أصحاب الدخول المتدنية هم الأكثر استفادة من الخدمات المدعومة التي تقدمها الدولة. ويعود ذلك إلى أن الأغنياء يلجأون في العادة إلى القطاع الخاص والخدمات مدفوعة الأجر.

لذلك يجب أن يكون النظام الضريبي يتمتع بكفاءة اقتصادية تنعكس على طريقة توزيع العبء الضريبي بين الأفراد في المجتمع. حتى ينعكس مباشرة على مستوى العدالة الاجتماعية، ويقلل من التفاوت والفجوة بين أصحاب الدخول العالية والمنخفضة.

يُذكر أن مبدأ "القدرة على الدفع" أحد المبادئ الأساسية لتحقيق العدالة في توزيع عبء الضريبة. ووفقاً لهذا المبدأ، فإن العبء الضريبي يجب توزيعه قياساً لقدرة الفرد على الدفع، والتي يمكن قياسها بمستوى دخل الفرد. 

ويضمن هذا النظام أن الأفراد الأعلى دخلاً، والمفترض أنهم الأكثر قدرة على دفع الضريبة، يخضعون لمعدل أعلى للضريبة، مقارنة بنظرائهم الأقل دخلاً.

وبالرغم من أن مصر تُطبق الضريبة التصاعدية على الدخول، بداية من فرض 2.5% على من يتلقون دخلاً قدره 36 ألف جنيه سنوياً، وتتصاعد معدلات الضريبة حتى تصل إلى 27.5% لأصحاب الدخول التي تزيد على 1.2 مليون جنيه سنوياً، فإن هذه السياسة لا تعني بالضرورة تحقيق العدالة الضريبية المنشودة بسبب ضرائب أخرى تزيد العبء على الفقراء.

الضرائب في مصر

ضريبة القيمة المضافة: العدالة المفقودة

 عند النظر إلى هيكل الإيرادات الضريبية التي جنتها الدولة في 2021/ 2022، سنجد أن الضرائب على السلع والخدمات تُشكل نسبة 45.8% من جملة الضرائب، وتأتي بعدها الضرائب على الدخل والأرباح الرأسمالية على الشركات بنسبة 39%، والضرائب على الممتلكات بنسبة 9.1%.

 وبالنظر إلى تقسيم الوعاء الضريبي، سنجد أن ضريبة القيمة المضافة تستحوذ على 56% من الضرائب التي تجنيها الدولة من المواطنين. وهو ما يشير إلى زيادة الاعتماد على ضريبة القيمة المضافة، التي توسعت الدولة في تطبيقها منذ 2016 بناء على شروط الصندوق، دون مراعاة ارتفاع نسب الفقر واللامساواة ومعدلات التضخم.

تُعد ضريبة القيمة المضافة هي الأكثر تأثيراً على قدرة المواطن في تلبية احتياجاته الأساسية، حيث يزداد عبء هذه الضريبة على أصحاب الدخل والدخول المتوسطة، فضلاً عن تأثيرها على الأسر الأكثر احتياجاً، وذلك لأن الضريبة مفروضة على معظم السلع والخدمات الأساسية.

ومن المعروف أن هذه الفئات تنفق معظم الدخل على شراء السلع والخدمات الأساسية، مما يجعلهم يتحملون النسبة الأكبر من الضرائب كما توضح لنا الأرقام الرسمية. 

حيث يتم فرض الضريبة على كل مراحل الإنتاج والتداول من بيع وتوزيع. وبالطبع لا تتحملها الشركات، وإنما تضيفها كزيادة على السعر، لذلك يتحملها المواطن وحده على استهلاكه اليومي.

 ومما لا شك فيه أن ضريبة القيمة المضافة من أكثر الضرائب الرجعية، ما يجعلها تُمثل تهديداً على دخول الطبقة المتوسطة، وتدفعهم للانحدار إلى دائرة الفقر في ظل ارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، وذلك بسبب ما تستقطعه الضريبة من قدراتهم الشرائية.

ونلاحظ أن مؤشر مديري المشتريات في مصر قد تراجع في بداية العام إلى مستويات منخفضة عند 45.5 نقطة، وذلك نتيجة ارتفاع التضخم وانخفاض إنفاق المستهلكين، ما تسبب في تراجع الطلب ودفع القطاع الخاص نحو مواصلة الانكماش.

 لذلك من الواجب على الدولة أن تلجأ الى خفض نسبة ضريبة القيمة المضافة على المواطنين، وهذا بدوره سيعمل على زيادة الإنفاق، وبالتالي تنشيط الحركة الاقتصادية، ولكن يبدو أن الحكومة المصرية مستمرة في استحداث الضرائب دون النظر إلى الأزمة الاقتصادية التي يعانيها المستهلكون والمنتجون على حدٍّ سواء.

غياب المساواة في تطبيق الضرائب 

بالرغم من أن التعديلات الأخيرة على ضرائب الدخول المرتفعة تُعد خطوة جيدة، وتسهم في إعادة توزيع العبء الضريبي بين مختلف الطبقات، ولكن ما زالت نسبة الضرائب على الدخول والأرباح الرأسمالية، والتي تُقدر بنسبة 39% منخفضة، مقارنة بضرائب السلع والخدمات التي تُشكل نحو 45% من إجمالي الإيرادات الضريبية.

وتُعد الضريبة على الثروة من أهم وسائل التعامل مع أزمة ارتفاع اللامساواة في توزيع الثروة بين فئات المجتمع، ويسهم تطبيقها على نحو عادل ومنصف في تقليص الآثار الاجتماعية والاقتصادية التي تعانيها الفئات الفقيرة نتيجة ارتفاع التضخم وارتفاع تكلفة المعيشة.

الضرائب في مصر

بالإضافة إلى أن الضريبة على الممتلكات لا تمثل سوى 9.1% من إجمالي الضرائب حتى الآن، على الرغم من أن الثروة العقارية يصل حجمها إلى 68% مـن إجمالي الثروة في مصر، ووفقاً للأرقام الرسمية، فإن هناك 10 ملايين وحدة سكنية مغلقة وغير مستغلة، وتصل قيمة هذه الوحدات إلى نحو 10 تريليونات جنيه مصري.

وهو ما يجعل منها المكون الأكبر للثروة غير المستغلة في مصر، ولا تُشكل تأثيراً كبيراً على النمو والاستثمار، ومن شأن فرض ضريبة على هذه الثروة غير المستغلة، أن يسهم في تحويل رأس المال إلى النشاطات الأكثر كفاءة اقتصادياً، والتي تحقق نمو حقيقي ومستدام وتخلق فرص عمل، ما يجعلها تحقق درجة أعلى من العدالة الاجتماعية.

وبحسب تقرير حديث، فإن هناك ما يقترب من 17 ألف مصري يمتلكون ثروة بأكثر من مليون دولار، وهناك 880 مليون شخص يملكون أكثر من 10 ملايين دولار، بينما يبلغ عدد المصريين الذين يملكون أكثر من 100 مليون دولار 57 شخصاً، أما عدد الذين يملكون أكثر من مليار دولار هم 7 أشخاص.    

ويقترح العديد من الخبراء فـرض ضريبة لمرة واحدة علــى صافي الثروة التي تمتلكها الفئة العليا في مصر، ولن تؤثر هذه الضريبة بشكل كبير علـى معدلات الادخار والاستثمار، على أن تجلب إيرادات يمكـن توجيهها لحل أزمة الدين العام، وسد عجز الموازنة الذي يتضخم كل عام.

 وكما ذكرنا، ما زالت ضريبة الأرباح الرأسمالية على صافي الأرباح في البورصة غير مفعلة إلى الآن، في الوقت الذي يتخطى فيه رأس المال السوقي للبورصة المصرية أكثر من تريليون جنيه. ويمكـن أن يكون لمثل هذه الضريبة آثـار إيجابية تتضمن التخلي عـن سياسات التقشف وتخفيض الدعم التي تتبناها الحكومة المصرية.

نحو سياسات ضريبية عادلة

هنـاك ضـرورة مُلحة لوجـود سياسة ضريبية عادلة تُسهم في القضاء على التفاوت معالجـة أزمـة الصعـود الحـاد لـلامسـاواة فـي توزيـع الثـروة والدخل، والتي تؤدي إلى زيادة نسبة الفقر، بالإضافة إلى الآثار الاجتماعية والسياسية المترتبـة علـى زيـادة الـلامسـاواة فـي الحصول على فـرص أساسية كالتعليـم والصحـة.

وتؤدي زيـادة الفجوات الطبقية إلى أن يصير المجتمـع مفكك، وكأنـه جـزر منعزلة، لذلـك فـإن تبني سياسات ضريبية متوازنة تساعد على تحقيق التوازن وإعادة توزيع الثروة بين جميع الفئات، هـي بمثابـة عـلاج ضروري للتعامـل مـع جميـع المشـكلات التـي تنتـج عـن تركـز الثـروة وسـوء توظيفها.

وكما ذكرنا، على الحكومة الإسراع في توسيع القاعدة الضريبية من خلال فرض ضرائب على الثروة وعلى أرباح البورصة والعقارات غير المستغلة، بالإضافة إلى تعظيم الاستفادة من الإيرادات الضريبية في الإنفاق على الفئات الأشد فقراً واحتياجاً، والذين يشكلون غالبية الشعب المصري.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد عادل
كاتب وباحث مصري
تحميل المزيد