لكي نحصل على نظرة موضوعية حول سينما الأبطال الخارقين حالياً، علينا تتبع أصول هذه السينما، منذ بداية أصول فكرة البطل الخارق أو الـ"Superhero" نفسه، حينها يمكننا الحصول على رؤية شاملة لما يحدث في سينما الأبطال الخارقين.
يمكنني القول بأن فكرة الأبطال الخارقين تمتد لعمق التاريخ، فقد صاغها البشر منذ بداية تاريخهم في شكل قصص شعبية وأساطير ملحمية لآلهة خارقة، فسوبرمان لا يختلف عن زيوس ولا يختلف عن جيلجاميش وبالتأكيد لا يختلف عن رع.
جميع هذه الشخصيات تمثل تجسيداً للمثل الذي يؤمن بها البشر، وكذلك بعثاً للقوى الطبيعية والرهيبة في الكون والتي يعجز البشر عن التحكم بها، وبالتالي منذ بداية التاريخ، ترتبط فكرة البطل الخارق بالشخصية البشرية المجردة، فيها يجسد آماله وأحلامه ومثله ومخاوفه.
ولكن رغم قدم الفكرة وكونها موجودة بالفعل، إلا أنها لم تتبلور في شكلها الحالي إلا في ثلاثينيات القرن الماضي، حين صنع المؤلف Lee Falk أول شخصية لبطل خارق بمعناه الحديث الذي نعرفه اليوم، وهو شخصية The Phantom البطل الخارق المقنع في الزي البنسفجي الذي يطارد ويقاتل المجرمين.
بعده بعامين تقريباً ظهر سوبرمان لأول مرة، والذي نعرفه كأول بطل خارق حقيقي في التاريخ، وخلال الحرب العالمية الثانية، وبسبب الوضع العالمي، شكل سوبرمان ورفاقه من الأبطال الخارقين رموزاً للوطنية الأمريكية ومثلها العليا، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن، مر الأبطال الخارقون بالكثير من الفترات المختلفة كانحدار صناعة القصص المصورة والتي كانت الوسيط الوحيد بينهم وبين الجمهور، قبل أن تنهض مجدداً بظهور الأبطال الخارقين الجدد الخاصين بـMarvel ويستمر هذا السقوط والنهوض حتى هذه اللحظة.
كيف بدأت سينما الأبطال الخارقين؟
بدأت سينما الأبطال الخارقين في أربعينيات القرن الماضي، وكان أول فيلم لبطل خارق في التاريخ فيلم The Adventures of Captain Marvel والذي صدر عام 1941 ثم تبعه العديد من الأفلام لشخصيات أخرى كباتمان وكابتن أمريكا وغيرهما.
وكانت سينما الأبطال الخارقين في بدايتها تعاني من قلة التكلفة، وبالتالي كانت تمتاز بالطابع الكوميدي المثير للسخرية، ورغم هذا استطاعت أن تأسر قطاعاً عريضاً من الجمهور.
ولكن النهضة الحقيقية في سينما الأبطال الخارقين بدأت نهايات السبعينيات من القرن الماضي، حين صدرت أفلام سوبرمان وباتمان بعد نهضة صناعة القصص المصورة في الستينيات، وقد حصدت هذه الأفلام نجاحاً كبيراً لا يزال مؤثراً وفي ذاكرة الجمهور حتى اليوم.
والسبب في نجاح هذه الأفلام مثل فيلم Batman وBatman Returns اللذان قدمهما المخرج العبقري تيم بورتن، أنها قدمت نظرة حديثة وواقعية حول قصص وأساطير الأبطال الخارقين، مما جعل شخصيات هذه الأبطال تلامس الجمهور وواقعهم المعاصر، وهذا كانت بداية النجاح التي ستمهد لحقبة سينما الأبطال الخارقين الجديدة والتي بدأت عام 2000 والتي بدورها كانت سبباً في ظهور ما يعرف بالكون السينمائي لشركتي Marvel وDC.
ولكن ما الذي أدى لهذه النهضة في سينما الأبطال الخارقين؟، في الواقع هناك العديد من الأسباب، فالتطور الذي حدث في صناعة السينما والمؤثرات الخاصة ساهم بشكل أساسي في إمكانية تقديم هؤلاء الأبطال في السينما بشكل لم يتصوره الجمهور، كما أن شركات الإنتاج أدركت إمكانية نجاح هذا النوع من الأفلام فقررت زيادة تكلفة الأفلام، وأخيراً انتشار القصص المصورة الضخم الذي حدث بعد فترة السبعينيات.
نجاح سينما الأبطال الخارقين على مدار العشرين سنة السابقة:
بالإضافة لتقدم تكنولوجيا المؤثرات وتكنولوجيا السينما بشكل عام، وكذلك بالإضافة لمساهمة شركات الإنتاج بشكل أكبر وأضخم في صناعة سينما الأبطال الخارقين، يمكن القول بأن السبب الرئيسي للنجاح الكبير لسينما الأبطال الخارقين في العشرين سنة الماضية وهيمنتها التامة على السينما، يكمن فيما يسمى بالكون السينمائي.
فحين قررت شركتا Marvel وDC صياغة كون سينمائي لكل منهما، جعل هذا كل قصص أفلامهما مترابطاً بشكل أو بآخر، مما دفع الجمهور لمتابعة كل فيلم جديد كي يستطيع فهم القصة الكبرى التي يتم سردها في خلفية كل فيلم.
وقد وصلت هذه القصى لأكثر لحظاتها نجاحاً في فيلمَي Avengers: Infinity War وAvengers: Endgame كذلك فيلم Zack Snyder's Justice League فقد أعطت هذه الأفلام الجمهور ما يريد، من قصص ملموسة وشبه واقعية في العالم المعاصر لأبطال يمكن التواصل معهم من الجمهور، مما شكل ملحمة سينمائية واحدة تابعها الجمهور منذ بدايتها وحتى نهايتها، وهذا كان أكثر أسباب نجاح هذه السينما في العقدين الماضيين، مما يأتي بها لفشلها الحالي.
لماذا تفشل سينما الأبطال الخارقين الآن؟
من الملاحظ مؤخراً أن سينما الأبطال الخارقين تحصد الفشل وراء الفشل في شباك السينما، سواء على الجانب النقدي أو المالي، فأفلام كـ Ant-Man and the Wasp: Quantumania وThe Flash رغم حجم التسويق لهما قد حققا فشلاً ذريعاً في شباك التذاكر، وكلا الفيلمين فشلاً تماماً من الناحية المالية، حيث كانت تكلفة فيلم Ant Man 185 مليون دولار ولم يستطع الفيلم تجاوز الـ200 مليون دولار، كما أن تكلفة فيلم The Flash كانت 200 مليون دولار وحتى الآن لم يتجاوز هذا الرقم في شباك التذاكر ومن المتوقع أنه سيكون خسارة كبيرة.
إذاً ما السبب؟ لماذا تفشل هذه الأفلام الآن رغم عملية التسويق الضخم لها والتي سوقت لكلا الفيلمين كأعظم أفلام الأبطال الخارقين المتوقعة، لماذا يتوقف الجمهور عن مشاهدة هذه السينما رغم حماسه السابق لها؟
يمكن القول بأن هناك العديد من الأسباب لمرحلة الفشل التي تمر بها سينما الأبطال الخارقين الآن.. وأول هذه الأسباب هو عدم تقديم شيء جديد.
فعلى مدار العشرين سنة الماضية، تبلورت صيغة معتادة لأفلام الأبطال الخارقين، صيغة حفظها الجمهور عن ظهر قلب وتشبع منها بشكل تام، وتكرار هذه الصيغة حتى هذه اللحظة، يدفع الجمهور للشعور بالملل، فالسينما لم تعد تقدم له شيئاً جديداً، بل أصبحت تفضل تقديم الصيغ المعتادة والمحفوظة؛ لأنها تمثل لهم أماناً مالياً أكثر من محاولة تقديم أفكار وقصص جديدة تشد الجمهور، وهذه الاستراتيجية أحد أهم أسباب فشل سينما الأبطال الخارقين حالياً.
السبب الثاني بالتأكيد هو عدم الاهتمام بجودة الأفلام كما في السابق:
بسبب اعتماد صناع هذه الأفلام على صيغة مكررة، سيطر عليهم تصور خاطئ بأن الجمهور لم يعد مهتماً بجودة الأفلام التي يدفع مقابل رؤيتها، وهذا تسبب في انحدار جودة الأفلام بشكل واضح، وقد حكم الجمهور على هذه الجودة بالفعل بعدم مشاهدته لهذه الأفلام وتركها لفشلها كي تغرق في غياهب النسيان.
السبب الثالث هو الحالة الاقتصادية العالمية:
بسبب الوضع العالمي، وتأثير جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي ثم الحرب الأوكرانية، ومأساة التضخم، قرر الجمهور أن يأخذ وقتاً أكثر في المفاضلة بين الأفلام التي سيقرر دفع أمواله لمشاهدتها، بالتالي قرر المشاهدون البحث عن أفلام ذات جودة أكبر من أفلام الأبطال الخارقين التي حفظوا صيغتها عن ظهر قلب، وهذا هو السبب نجاح أفلام كـAvatar وفشل أفلام سينما الأبطال الخارقين التي صدرت حول فترة صدوره.
السبب الرابع هو الدراما التي تحيط بصناعة سينما الأبطال الخارقين:
بلا شك، تعاني كل من شركتي Marvel وDC من أحداث درامية في أروقة كل منهما تأثر بشكل جذري على أفلامهما، فمارفل تعاني بالفعل من أزمة تعامل مع موظفيها أدت لرفض الجمهور لأفلامها الجديدة، كما تعاني دي سي كذلك من تبعات أزمتها مع المخرج زاك سنايدر وكذلك أزمة الممثل الشاب إيرزا ميلر القانونية، والتي تعد أحد أهم أسباب فشل فيلم فلاش في السينما.
السبب الخامس والأخير، هو الأيديولوجيا اليسارية:
مؤخراً بدأت صناعة سينما الأبطال الخارقين في التحول إلى ساحة تسويقية لأيديولوجيات اليسار الغربي، وأصبحت تسوق بكل صراحة ووضوح لمجتمع الميم أو الـLGBTQ وأفكاره، وهي الأفكار التي ترفضها تماماً المجتمعات الشرقية وبلدان الشرق الأوسط، وبسبب رفض شركات الإنتاج الرضوخ لرغبات هذه الدول بإزالة هذا المحتوى المرفوض من أفلامها، تقرر الدول منع عرض أفلامها في السينما، وهذا ما يؤدي في النهاية لخسارة هذه الأفلام لشريحة ضخمة من جمهورها والذين يرفضون مثل هذه الأفكار.
في النهاية تعاني صناعة سينما الأبطال الخارقين حالياً من حالة فشل، قد تستمر معها لوقت طويل وقد لا تستمر إذا ما قررت شركات الإنتاج التغيير في سياسة صناعة هذه الأفلام بشكل جذري، وفي النهاية الكرة في ملعبهم فقط والجمهور هو من سيحكم في النهاية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.