هل قال المثقف الفلسطيني كلمته في الثورة السورية؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/07/02 الساعة 10:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/07/02 الساعة 10:15 بتوقيت غرينتش
متظاهرون في ريف درعا يحيون ذكرى الثورة السورية /رويترز

تاريخياً يمكن القول إن هناك ثمّة علاقة جدليّة بين المثقف والسلطة، فضلاً عن تعريفات مختلفة للمثقف أسهمت في زيادة حدة الإشكالية والجدل في العلاقة بينهما.

هذه المادة ليست مخصصة للغوص في هذا الجدل بهذه العلاقة، أو حتى في تاريخها ورصد تقلباتها، ولا في تعدُّد التعريفات للمثقف، سواء في طروحات روّاد هذا المجال مثل غرامشي الذي قسّم المثقفين إلى نوعين، الأول هو المثقف العضوي الذي يحمل هموم جميع الطبقات وقضايا أمته وشعبه، والذي يستمر في العطاء جيلاً بعد جيل. والثاني هو المثقف التقليدي الذي يجلس في برجه العاجي، ويعتقد أنه فوق الجميع؟!

أو المفكر إدوارد سعيد، الذي طالب بضرورة استقلال المثقف عن السلطة، فالمثقف الحق حسب رأيه هو من لديه أفكار يعبر عنها لغيره، وعليه أن يتحلى بقيم عالية كالحرية والعدالة، وعدم قبول الحلول الوسط، باعتباره مشاركاً في الحياة العامة، كما أن عليه تمثيل العامة في معارضة جميع أشكال السلطات التعسفية، التي تقيد أو تحدّ من حرية المثقف، منطلقاً مما يؤمن به من قيم ومبادئ إنسانية. ولا نبتغي الولوج أيضاً في طروحات ومقاربات من قبلهما ومن بعدهما وما بينهما، في الحيز العالمي والعربي والفلسطيني، وأقول الفلسطيني، لأننا نود أن نجيب هنا عن سؤال متعلق بالمثقف الفلسطيني، من خلال سبر أغوار مواقف المثقفين الفلسطينيين تجاه حدث مهم ومفصلي بحجم الثورة السورية يستحق التوقف، ولا نبالغ إذ قلنا إنه محطة اختبار جديّة وفعليّة وعملية لهذه الشريحة من المجتمع الفلسطيني. 

وعليه، ومن دون مقدمات طويلة وبشكل مباشر نستطيع القول: إن المثقفين الفلسطينيين انقسموا إلى ثلاث فئات في مواقفهم تجاه الثورة السورية، فئة صمتت تماماً ولم تُبدِ أي موقف، لا تصريحاً ولا تلميحاً، تقابلها فئة ثانية عبّرت عن موقفها المتعاطف والداعم لثورة الشعب السوري، والفئة الثالثة هي التي ساندت النظام السوري، معتبرةً أن ما جرى مؤامرة كونية على نظام "مقاوم وممانع"!

ربما التمس البعض العذر لمن صمت من المثقفين، رغم أني لا أتفق مع هذا البعض؛ لأن المثقف ينبغي أن يكون له موقف واضح، لاسيما إذا كان هذا المثقف من أبناء شعب وقضية تحرر وطني، مبتغاها الأساسي الحرية والكرامة والخلاص من الاحتلال والاستعمار، الذي لا يقل وطأة عن الفساد والاستبداد في تقديري، وأعتقد أنه إذا كان هناك ثمّة نقاش له علاقة بالأولويات، فالأولوية في قناعتي للخلاص من الفساد والاستبداد الذي يؤهل للخلاص من الاحتلال والاستعمار، فالعبيد لا يصنعون الحرية، والمجتمعات الفاسدة لا يمكن لها أن تقود معارك استقلال وسيادة.

وبخصوص الفئة من المثقفين الفلسطينيين التي اختارت الانحياز إلى النظام السوري بكل ما ارتكبه من جرائم وموبقات ومجازر بحق شعبه وبحق أبناء شعبه من فلسطينيي سوريا، الذين تعرضوا لكل أصناف الموت والاعتقال والاختفاء القسري، ودمّرت بيوتهم وهُجروا، واغتصبت حرائرهم، واعتدي على أعراضهم، فلا عذر لهم، وسيسجل التاريخ موقفهم بأحرف من عار، ولا يمكن أن ينسى شعبنا الفلسطيني موقفهم، وكذا الأشقاء السوريون، والعار الأكبر أن يكونوا محسوبين على النخبة الفلسطينية، ولا شك أنه يقع على عاتقهم وزر كل من أسهموا في تضليله عبر أكاذيبهم وتدليسهم.

أما الذين دعموا الشعب السوري أو تعاطفوا معه بالحد الأدنى من المثقفين الفلسطينيين، فإن بعضهم دفع حياته ثمناً لموقفه المبدئي والشجاع والأخلاقي، ومنهم من لا يزال رهن الاعتقال، وآخرون لا تزال تطالهم التهديدات، ولكن يُحسب لهم أنهم متصالحون مع ذواتهم، ومنسجمون مع أنفسهم.

ولا بدّ من القول إن دعم الشعب السوري في ثورته، والوقوف إلى جانبه من قِبل كل مثقف فلسطيني هو انحياز للمبدأ والأخلاق، بغضّ النظر عما اعترى الثورة من أخطاء، لأن الانحياز هو للقيم التي لا تتجزأ، وأي خطأ في السلوك والممارسة الثورية يُنتقد، وواجب المثقف الدعوة إلى تصحيح السلوك وتصويب المسار، والمثقف الأصل أن يكون موجهاً للسياسي وليس تابعاً له.

وإن حجم  التعقيد والتشابك في المشهد السوري نظراً لموقع سوريا الجيوسياسي لا ينبغي أن يكون شماعة للبعض، يعلق عليها تقصيره أو انسحابه من اتخاذ موقف تجاه عدالة مطالب الشعب السوري وأحقيته في ثورته على الظلم والفساد والاستبداد.

قد يرجّح  البعض أن موقف الحياد الإيجابي تجاه الأزمة السورية ككل ربما كان هو الأنسب فلسطينياً، وشخصياً كنت أتفق مع هذا الطرح في بدايات الثورة السورية، باعتبار أنه كان من الأفضل الاستفادة من تجاربنا الفلسطينية في جغرافيات أخرى من الأردن ولبنان والعراق والكويت وليبيا، لكن الحقيقة أن النظام لم يمنح هذا الطرح فرصته، بل على العكس كان مصرّاً على التلاعب بالورقة الفلسطينية وتوظيفها لمصلحته.

وأخيراً، أرى أن هناك ثمّة نتاج أدبي على مستوى القصة والرواية والقصيدة واللوحة والكلمة صوتاً وصورة، أسهم به مثقفون فلسطينيون خلال الأزمة السورية، يستحق المتابعة والاهتمام، فهو يؤرّخ ويوثّق لقضية عادلة ومحقة، وكذا لأحداث مهمة عايشها الشعب السوري الشقيق في ثورته، وفلسطينيو سوريا في سفر نكبتهم الثانية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ماهر حسن شاويش
كاتب صحفي فلسطيني مقيم في هولندا
كاتب صحفي فلسطيني مقيم في هولندا
تحميل المزيد