كنت أجلس كعادتي مؤخراً في حلقة تجويد انضممت لها حديثاً، وفجأة رأيت نعياً لعمي في حالة واتساب لأحد أفراد أسرتي، في تلك الأثناء كان ما زال أبي يهاتف زوجي أن يُمهّد لي الموت المفاجئ لعمي الحبيب، لكنها إرادة الله أن أعرف بشكل مفاجئ كما كان موت عمي مفاجئاً لعائلتي بأكملها ولأحبائه ومحبيه.
فقد يأتي الموت دون سابق إنذار أو تحذير، فيأخذ أحبابنا ببغتة تُفقدنا عقولنا، وتترك في الروح ألماً رهيباً.
فما بالك لو حدث ذلك وأنت غريب عن موطنك، في عالم آخر، وأناس غير أناسك، تشعر أنك مقيد، قليل الحيلة، ليس بوسعك فعل أي شيء، تستحضر آخر رؤية لهم في مخيلتك، والتي قد تكون قد مرّت عليها أعوام، وتقيم العزاء لهم وحدك في روحك، تحمل نعشهم ثقيلاً على قلبك المرهق، وتحفر لهم قبوراً بين جنباتك، وكلما طالت مدة الغربة ازدادت مقابر الأحبة!
تظل تتساءل وتتساءل هل حدث هذا فعلاً؟ هل ماتوا؟ ألن أراهم مجدداً؟ ألن أعانقهم؟ ألن أسمع ضحكة واحدة من أفواههم؟ ألن أرى عيونهم تفيض بالحنان؟ لتأتي الإجابة مدوية: لا!
لقد رحلوا ولم يتركوا لك فرصة للوداع للمرة الأخيرة، لم ينظروا خلفهم إلى يديك الممدودتين، وقلبك المشتاق لهم، ولم يسمعوا صرخاتك بأن ينتظروك حتى ولو للقاء أخير واحد فقط!
تستغرق وقتاً أطول من العادي للتعافي، وكيف لا وقد حدث كل هذا في روحك وقلبك وعقلك، أي حمل هذا قد يقوى عليه أحد؟!
لم تنضم للمواساة الجماعية التي يهون بها الأهل والأصدقاء والجيران والمعارف على بعضهم البعض، بل تحمّلت كل هذا الألم وحاولت أن تُواسي نفسك بمفردك!
يظن الناس أن النسيان مرهم لجروحنا، ولكن النسيان لا يأتي، بل تأتي المشاهد والصور والأصوات من أعماق ذاكرتك دون أن تجترّها، لتذكرك دوماً بهم، ويدب القلق في نفسك، كم حبيباً سأفقد بعد؟! ومن؟
تدعو الله أن يحفظ لك عائلتك وكل من تحب، وتُرغم نفسك على الحياة بشكل معتاد وكأن شيئاً لم يكن، والغريب أن هذا هو الوضع الصحيح، وإن تمنيت أن يتوقف الزمن برهة يترك فيها مجالاً لك لتبكي وتحزن، فقد تصبح في مشكلة نفسية وتحتاج للذهاب للطبيب!
كيف يكون الموت بهذا الشكل، ضارب قاصم للروح، ويقف خلفك كضابط يمنعك من الجلوس للبكاء، بل يأمرك أن تمضي صامتاً كاتماً صرخاتك بداخلك، وإن لم تفعل ذلك فأنت قد حكمت على نفسك بالوقوع في هُوة عميقة!
يا لهذه الحياة القاسية، تصيب الناس جميعاً بوخزها، وتتركهم ضحايا متوجعين، ولكن هذه سنة الحياة، وبالتأكيد سنموت جميعاً، ونترك أحباباً لنا يتألمون علينا ويبكوننا، ويعانون ما عانينا، وعزاؤنا أننا سنلتقي جميعاً عند الله في مستقر رحمته، ونامل أن يدخلنا الله جميعاً فسيح جناته ونسعد بلقاء الأحبة والرسول وصحبه الكرام.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.