حماية زائدة وتأنيب ضمير مستمر ينشئ جيلاً مشوهاً.. من هي “الأم الهليكوبتر”؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/07/01 الساعة 11:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/07/01 الساعة 11:30 بتوقيت غرينتش

"عمري ما طلّعت ولادي رحلات لأني كنت بخاف عليهم".

"ممنوع أخليهم يلعبوا مع أي حد".

"لازم أنا اللي أقرر يلعبوا مع مين".

"مفيش حاجة اسمها طفل ياخد قرار، أنا اللي لازم أحدد قراراته".

"لا يمكن أخلي ابني يروح حضانة، ازاي يبعد عني".

كل تلك الجمل وما على شاكلتها يمكن أن يستمع لها الشخص فيشعر بأن تلك الأم التي تقول هذه الجمل هي أم محافظة للغاية، تهتم بأولادها أيما اهتمام، ترعى أطفالها وتخاف عليهم للغاية، إنها أم مثالية.. لكن هل هذا هو الأمر في الواقع؟

هل الحماية الزائدة التي تجعل حدود حياة الابن أو الابنة هو أمه فقط، هو أمر طبيعي ويدعو للفخر؟ وهل يمكن اعتبار هذا مرادفاً للتربية الجيدة؟

وأنا هنا أتحدث كأم أعرف ما يعانيه المجتمع من انحدار أخلاقي في كافة النواحي، لكن بالنهاية سيواجه أطفالنا هذا المجتمع شئنا أم أبينا.. لذا من الأولى أن نساعدهم على مواجهته، بدلاً من الاختباء منه، وهو الأمر الذي لا بد أن ينتهي يوماً رغماً عنا.

عن الأم الهليكوبتر

ظهر مصطلح "الأم الهليكوبتر" عام 1990 على يد عالم النفس فوستر كلاين، وهو مصطلح يشير للأم التي لا تدع المجال أمام أطفالها لفعل أي شيء خارج حدودها أو بمفردهم، فهي الأم التي توالي الرعاية والاهتمام بكل كبيرة وصغيرة، حتى وإن كان منح الحرية للطفل ليختار اللعبة التي يريدها، أمّ دائمة القلق والتوتر، وتفكر في جميع الاحتمالات، سواء كانت في الأمور المصيرية أم أمور الحياة اليومية، فهي يتساوى معها قرار اختيار طريقة التعليم المناسبة لأطفالها واختيار لعب الأطفال للعيد.

هل أنت أم هليكوبتر؟

هناك بعض الروابط القوية التي تتشابه فيها جميع الأمهات، من الخوف والقلق والشعور المستمر بالذنب تجاه أطفالها، لكن الأم الهليكوبتر تتضاعف معها تلك المشاعر لتصل ذروتها بصورة مستمرة، أي إنها تصبح النمط الطبيعي للحياة.

الأم الهليكوبتر

عدم السماح للطفل بمواجهة الحياة

من أجمل الإجابات التي سمعتها ذات مرة في إحدى ورش الأمومة عن سؤال "ما الذي تعتقدين أنه واجبك الأهم، وأولويتك تجاه أطفالك؟". كانت الإجابة "تهيئتهم لمواجهة الحياة، أن أربي أطفالي ليواجهوا الحياة من دوني". 

كانت إجابة عبقرية وشافية بالنسبة لي، أما مع الأم التي تفرض حماية زائدة على أطفالها، فبالطبع لا يمكنها أن تسمح لهم بمواجهة الحياة.

إن الأم التي تفرض على أطفالها سياجاً محدداً من العلاقات والمعاملات، فإنها لا تسمح لمدى رؤيتهم أن يمتد خارج ما تريده، مما يخلق للطفل صورة مشوهة وغير مكتملة عن نفسه وعن الحياة.

ولعل بعض الأمهات يعتقدن أن تلك الطريقة في التعامل مع أطفالهم في الصغر ليست ذات ضرر، لكن تذكري دائماً أن المعاملات الصغيرة هي التي تساعدهم للمواجهات الكبيرة فيما بعد.

لا للفشل

عند الأم الهليكوبتر، فإن كلمة الفشل ليست من ضمن مصطلحاتها، فإنها تبذل قصارى جهدها لجعل كل الأمور في أفضل الأحوال والحصول على نتائج مبهرة.

لا أحد يتمنى لأطفاله الفشل بالتأكيد، لكن فلنقر بأنه من سنن الحياة التي لا بد من خوضها، لذا فإن عدم تعريض الطفل للفشل هو الفشل بعينه.

هل أنتِ سعيدة بعد كل ذلك؟

تنعكس سعادة الأم على سعادة الأطفال والأسرة بالكامل، لذا تخيلي معي أنك أم تعيشين في ضغط دائم ومستمر من أجل تحقيق الحياة المثالية التي لا تتنازلين عنها لأطفالك، والتي لن تتحقق في الواقع مهما بذلت من جهد.

تخيلي كمّ الضغط وتأنيب الضمير والشعور بالذنب، الذي من المؤكد أنه سيخلق دائرة من حولك تضيق بك يوماً بعد يوم.

ولك أن تعلمي جيداً ما يمكن أن تحققه حالتك المزاجية السيئة من انعكاسات على أطفالك وأسرتك وحياتك بالكامل.

ماذا عن أطفال الأم الهليكوبتر؟

هذا شاب في العشرين من عمره، منذ ولدته أمه وهي تقرر له كل شيء، بداية من اختيار الرياضة التي يلعبها، حتى ألوان ملابسه والتي كانت تجبره على ارتداء ألوان لا يحبها مطلقاً، كم أجبرته على عدم التعامل مع الغرباء وعلى السماع لذوق غنائي لا يفضله، اعتقاداً منها أنه الأفضل.

وتلك الفتاة التي تبلغ الخامسة والعشرين، والتي أوشكت على أن تكون أمّاً، لكنها لا تتخذ أي قرار بحياتها من دون الرجوع لأمها، فهي لا تعرف يقيناً كيف يمكنها اتخاذ القرار… لا تمتلك تلك المهارة بالفعل، فهي عاشت جل عمرها وأمها تقوم بدلاً منها باتخاذ كل قرارات حياتها.

تلك هي النماذج التي تنتجها الأم الهليكوبتر للمجتمع، نماذج لا تملك أي تصور خاص بها لحياتها في كل الأمور، مهما بدت صغيرة، تفتقر لمعرفة نفسها ولديها صورة مشوهة وغير صادقة عن الحياة وعن كيفية التعامل معها بمفردها.

إن الأمومة تفرض الكثير من الحماية بالتأكيد والرعاية والاهتمام، لكن علينا الانتباه والتفرقة بين حدود الحماية الطبيعية بحكم المرحلة العمرية والحماية التي تؤدي إلى خلق نماذج غير مؤهلة للحياة. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

دينا خالد
أم وكاتبة
أم، تخرجت من كلية العلوم وعملت بالتحاليل الطبية لسنوات قبل أنا أعيد أكتشاف نفسي من خلال الكتابة وأقرر أن أعمل بها.
تحميل المزيد