في السادس عشر من مايو/أيار الماضي اجتمع المجلس الأعلى للاستثمار بمصر برئاسة حاكم البلاد، واتخذ عدة قرارات منها عدم جواز إصدار قرارات تضيف أعباء على إنشاء أو تشغيل المشروعات، أو فرض رسوم أو مقابل خدمات أو تعديلها، إلا بعد أخذ رأي هيئة الاستثمار وموافقة مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للاستثمار.
وكذلك الإسراع بالإعلان عن وثيقة السياسات الضريبية للدولة خلال السنوات الخمس المقبلة، للقضاء على عدم استقرار التشريعات الضريبية وتعدد الجهات المنوط بها فرض الرسوم الإضافية، وهي الوثيقة التي تعهدت مصر بإصدارها خلال الربع الأول من العام الحالي خلال اتفاقها مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وبعد أقل من مرور شهر على قرارات المجلس الأعلى للاستثمار، وافق البرلمان على تعديل أربعة قوانين ضريبية وهي قوانين ضريبية الدخل والدمغة ورسم تنمية الموارد والملاهي، بما يضيف أعباء إضافية على الأفراد وعلى مجتمع الاستثمار، لتصدر تلك التعديلات في شكل قانونين بمنتصف الشهر الحالي برقمي 30 و31 لسنة 2023.
ومما جاء بهما رفع الحد الأقصى على ضريبة الدخل إلى 27.5 % بدلاً من 25 %، بينما كان الحد الأقصى للضريبة على الدخل بقانون الضريبة الدخل عندما صدر عام 2005 بنسبة 20 %، وكان مبرر وزير المالية حينذاك أن الخفض يتيح لأصحاب الشركات توجيه الفوائض لزيادة النشاط الاقتصادي.
مما يوفر فرص عمالة أكثر وهو ما يخفف عن الحكومة أعباء تدبير فرص العمل، كما يتيح تحصيل موارد ضريبية على أجور العاملين الجدد، وصدق توقعه حيث زادت الحصيلة الضريبية حين ذاك عما كانت عليه قبل خفض معدل الضرائب.
المناخ الاقتصادي لا يتحمل رفع معدل الضرائب
وإذا كان الحد الأقصى لضريبة الدخل قد زاد إلى 27.5 %، فإن المعدل يقل عن ذلك بالعديد من دول العالم مما يعطيها ميزة لدى المستثمرين، خاصة في ظل المشاكل التي يعاني منها مناخ الاستثمار المصري حالياً نتيجة نقص الدولار، وعدم استطاعة الشركات جلب احتياجاتها من المواد الخام والمستلزمات، مما أدى إلى نقص حصيلة الصادرات خلال الشهور الأربعة الأولى من العام الحالي بنسبة 26%، بالمقارنة بنفس الشهور من العام الماضي والتي شهدت قيود البنك المركزي على الواردات مع نشوب الحرب الروسية الأوكرانية.
وها هي نسبة الضريبة على الدخل تصل إلى صفر بالمئة، في كل من البحرين وبروناي والكويت وسلطنة عمان والسعودية والإمارات وقطر، وربما عزز ذلك خروج الكثير من الاستثمارات من قبل رجال الأعمال المصريين من مصر إلى السعودية، كما تصل نسبة الضريبة على الدخل 7% بجواتيمالا، و10 % بكل من بلغاريا وصربيا والبوسنة والهرسك وكوسوفو، و13 % بروسيا البيضاء وبوليفيا، و15 % بكل من هونغ كونغ والمجر والعراق وموريشيوس والسودان، و18 % بسريلانكا و22 % بسنغافورة.
وزادت مؤخراً الرسوم الضريبية على العديد من السلع المستوردة مثل البن وعدد من الأدوات المنزلية، كما زادت رسوم الدمغة على أقساط التأمين على الحياة، ورسم التنمية على مغادرة البلاد وعلى عروض الأفلام الأجنبية والسيرك ودخول الحدائق والحفلات العامة بالأندية وغير ذلك.
وتستهدف وزارة المالية تحقيق حصيلة ضريبية بقيمة 1.530 تريليون جنيه خلال العام المالي الجديد الذي يبدأ مطلع الشهر القادم، رغم حالة الكساد المستمرة بالأسواق خلال السنوات الأخيرة، وتراجع القدرة الشرائية لدى غالبية المصريين بسبب الأسعار المرتفعة، وعدم إمكانية مجاراة دخولهم لمعدلات التضخم الرسمية التي بلغت 40 % حسب البنك المركزي بشهر مايو/أيار الماضي، ويرى الكثير من الخبراء أن المعدل الحقيقي للتضخم أكبر من ذلك.
استهداف 575 ملياراً لضريبة القيمة المضافة
ومع تعدد أنواع الضرائب تستهدف الحكومة تحقيق الضرائب العامة 828 مليار جنيه، وضريبة القيمة المضافة 575 مليار جنيه سواء على السلع أو الخدمات، والجمارك 58 مليار جنيه وأنواع أخرى من الضرائب 70 مليار جنيه.
وتضمن نوعيات الضرائب العامة البالغ مجملها 826 مليار جنيه، جلب 220 مليار جنيه من الضرائب على دخول الأفراد، منها 131 مليار جنيه على المرتبات و77 ملياراً من النشاط التجاري والصناعي و9.5 مليار جنيه من الأنشطة المهنية كمكاتب المهندسين والمحاسبين وعيادات الأطباء والمحامين وغيرهم، و2 مليار جنيه من الثروة العقارية.
كذلك استهداف تحصيل 370 مليار جنيه من أرباح الشركات والهيئات، و154 ملياراً من الضرائب على أذون وسندات الخزانة. و40 مليار جنيه من ضريبة الدمغة، وتتعدد الأنشطة الخاضعة لضريبة الدمغة سواء على عقود اشتراكات مياه الشرب والكهرباء والغاز الطبيعي والتليفونات، وعلى استهلاك الغاز الطبيعي والكهرباء والتليفونات.
والدمغة على الإعلانات بمختلف صورها بداية من الصحف وعلى المركبات مروراً بالفضائيات وحتى شبكة الإنترنت، وعلى التأمين والنماذج المدموغة للخدمات بالجهات الحكومية، وطوابع الدمغة التي يتم لصقها على الأوراق بالجهات الحكومية مثل المدارس والجامعات، وكذلك الدمغة على الأعمال والمحررات المصرفية .
كما تستهدف أكثر من 17 مليار جنيه من رسم تنمية الموارد، والذي يتم فرضه على العديد من المجالات ومنها إصدار جوازات السفر، وعند طلب الحصول على الجنسية المصرية، وعند مغادرة البلاد وعلى الشراء من الأسواق الحرة، وعلى الحفلات والخدمات الترفيهية بالفنادق وعلى المحاجر، وخدمات التليفون المحمول وعلى أجهزة التليفون المحول وجميع الإكسسوارات الخاصة بها.
ورسم التنمية على عقود شراء أو بيع أو إعارة أو تجديد اللاعبين المصريين والأجانب، وعلى عقود الأجهزة الفنية والإدارية الرياضية، وعلى البنزين والسولار وعلى فواتير الإنترنت للشركات والمنشآت التجارية، وعلى رخص السلاح واستخراج صور محررات من الشهر العقاري، وعلى الشاليهات والكبائن والأكشاك بالمصايف والمشاتي وعلى التبغ الخام.
97 ملياراً من رسوم الخدمات بالوزارات
وتقوم الوزارات الحكومية بتحصيل رسوم أخرى تتوقع وزارة المالية بلوغ حصيلتها 97 مليار جنيه بالعام المالي المقبل، منها الرسوم القضائية والخدمات الجمركية وهي تختلف عن الرسوم الجمركية، والخدمات الزراعية والتعليمية والصحية والثقافية والاجتماعية والتموينية والبيطرية، وخدمات الإسكان والقوى العاملة والشباب والرياضة والطرق والمواصلات ورسوم القيد والتسجيل والرقابة والإشراف.
وتلك الحصيلة لا يدخل فيها ما يقوم الأشخاص ومندوبو الشركات بدفعه للعاملين بتلك المصالح الحكومية، من إكراميات ومدفوعات غير رسمية لتسهيل إجراء المعاملات وسرعة إنجازها، وبخلاف ما يحتجزه الكثير من موظفي الخزائن المالية بتلك المصالح، من بواقي نقدية عند سداد الرسوم بها بحجة عدم وجود فكة أو من خلال إحراج العميل.
وهو ما يشير إلى شمول المجالات التى تخضع لأنواع الضرائب والرسوم، وتعدد أنواع الضرائب على السلعة الواحدة أو الخدمة الواحدة، فاستيراد سيارة مثلاً يخضع لرسوم الجمارك بالإضافة إلى رسم تنمية الموارد وضريبة الجدول وضريبة القيمة المضافة، ويتكرر ذلك مع أجهزة التليفون المحمول وغيرها.
بحيث إن الشخص أو الشركة تجد نفسها محاطه بحوالي مئة نوع من الضرائب والرسوم، وليت الأمر يقتصر على ما تحصله وزارة المالية من ضرائب ورسوم فهناك رسوم عديدة تحصلها جهات أخرى لحسابها، فإذا كانت وزارة المالية تفرض الدمغة لصالحها على المجالات السابق ذكرها، فإن غالبية النقابات المهنية تفرض دمغة مهنية لصالحها لا تدخل ميزانية الدولة، منها نقابات المهندسين والمحامين والصحفيين والتطبيقيين واتحاد المهن الطبية.
ومثل ذلك ما تفرضه هيئة التأمين الصحي الشامل لصالحها ولا تدخل موازنة الدولة من العديد من الرسوم، وما يفرضه صندوق تحسين خدمات الرعاية الاجتماعية والصحية لأعضاء هيئة الشرطة وأسرهم من رسوم لصالحه، وغيره من الصناديق مثل صندوق دعم الأشخاص ذوي الإعاقة وصندوق المبتكرين.
والغريب أنه لا يوجد دليل شامل بأية جهة يحدد كافة الرسوم التي تحددها الجهات المختلفة بخلاف وزارة المالية، ليكون الأشخاص والمجتمع الاقتصادي على دراية بها، ليقوم بإدخالها في دراسات الجدوى لمشروعاته، بدلاً من تسبب كثرتها وفجائية معظمها في فشل دراسات الجدوى في إعطاء صورة دقيقة عن المصروفات الواقعية التي ستتحملها المشروعات.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.