كلنا أصبحنا فقراء نلهث وراء بضعة جنيهات.. جانا العيد ولكن في وقت غير مناسب!

عدد القراءات
1,106
عربي بوست
تم النشر: 2023/06/29 الساعة 14:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/06/29 الساعة 14:49 بتوقيت غرينتش

في الأيام الصعبة ننتظر الفرج.. نطلب من الله فرحة، رزقاً، نتطلع لغدٍ أفضل من يومنا الحالي. وفي الأعياد نفرح جميعاً، يفرح الصغار بالعيد لفرحة الكبار، ويفرح الكبار لفرحة الصغار، ولتبادل النقود الصغيرة (العيدية) ولاتصال الود وانتعاش العلاقات الاجتماعية والعائلية المُرهقة بسبب السعي وراء لقمة العيش.

"الأخطبوط الرأسمالي اتساب على الناس اللي مالهاش حظ، على الناس اللي مالهاش فُرص".

– الشاعر المصري مصطفى إبراهيم من قصيدة البنكنوت

لأجل 1000 جنيه

في الأيام الحالية لم يعد السعي خلف الجنيه مُجدياً، يجب أن نسعى خلف مضاعفات الجنيه لإيجاد ما يسد الرمق، لمحاولة تغطية المصاريف اليومية التي تتضاعف بشكل جنوني بفعل الغلاء. مصطلحات مثل ثور في ساقية، الجري خلف الجنيه، علينا ديون، وغيرها من الجمل التي كان يستخدمها الناس بشكل آلي في حياتهم اليومية صارت اليوم واقعاً ملموساً. العمل في وظيفة واحدة لم يعد يكفي لعيش حياة مادية جيدة في الطبقة المتوسطة، لم يعد هناك طبقة متوسطة أصلاً، أصبح الأغلبية فقراء بشكل غير كامل، يفتقرون للرفاهيات ولبعض الأساسيات الحياتية، لم يعد هناك أمان مادي، كلنا مهددون بالطرد من العمل، الإفلاس والملاحقات البنكية بفعل أنظمة السداد بالتقسيط التي اخترعها الإنسان ليظل في حاجة مستمرة للعمل بكل طاقته طوال اليوم لخلق صورة اجتماعية بالكاد يمكن أن تكون متوسطة. 

"هيسبولك الفتات، ويبيعولك الأمل في الإعلانات، والهجرة لبلاد البلاستيك، وفي خطبة الجمعة وقولة استنى، هانت، خلاص".

– الشاعر المصري مصطفى إبراهيم من قصيدة البنكنوت

يأتي العيد هذا العام ولا أتمكن إلا من استحضار الماضي، متلازمة النوستالجيا التي تجعل كل ماضٍ جميلاً، ولكن الماضي بالنسبة لي كان جميلاً بالفعل، لم أكن مجبراً على إرسال المعايدات على قائمة طويلة من الأصدقاء والمعارف، ولم أكن مجبراً بالطبع على العمل طوال أيام العيد لأنني مثل قطاع كبير وعريض من الناس -عليّ أقساط- تستوجب العمل طوال الوقت، ولم أكن مجبراً لاحتساب ثمن تكاليف عزومة عائلية في أيام العيد، لم أكن مهتماً بالعزومات من الأساس لأنني كنت أنتظر العيد للعب في الشارع. الآن نركض جميعاً، أنا وكل أبناء جيلي، جيلي الحزين الذي أطلقت عليه جيل الكلب الأسود؛ لأننا جميعاً منذ يوم ولادتنا نركض من أشباح خفية ما إن نتعثر حتى تنهشنا، ونحن ندفع الفواتير المتراكمة على عائلاتنا، ميراث من الشقاء والركض، ونتحمل بأنفسنا تكاليف علاج نفسي مُكلف، ونعمل منذ الصغر لشراء ما نحتاجه قبل أن يتطور الأمر لشراء ما تحتاجه كل الأسرة، نعمل بلا توقف كي نشعر بالإنجاز في عصر انهيار الجنيه أمام الدولار وفي عصر انعدام قيمة الإنسان بشكل عام أو في أحسن الأحوال العلاقة الطردية بين الإنجاز والحب.

منذ عدة أيام تحدث مع صديق قديم وقال لي إن السعي خلف الجنيه لم يعد مفيداً، نحتاج كل يوم للسعي خلف مئات الجنيهات. صديق آخر يخبرني أن تكاليف الزواج لم تعد ممكنة في ظل ارتفاع أسعار الذهب الذي لا يهبط، وصديق ثالث قال إن الحياة وسط كل هذا الغلاء ليست عادلة، مؤهلاتنا العلمية وحالتنا الجسدية والصحية لا تسمح لنا بأي شيء. ولأننا أبناء طبقة كانت متوسطة فمؤهلاتنا كذلك أو أعلى بقليل، وحالتنا الصحية السيئة بسبب حالتنا النفسية لن تمكننا من العمل في وظيفتين تحتاج كُل وظيفة منهما لـ٨ ساعات أو أكثر، ولأننا لن نأكل الحرام فلا يمكننا فعل أي شيء يمكنه أن يخرجنا من هذه الدائرة.

 ومن خلال كل هذه الجمل بدأت ألاحظ لافتات المحلات التي تضع أسعار اللحوم بسبب اقتراب عيد الأضحى لأفاجأ بوصول سعرها لثلاث مئة جنيه! منذ عام تقريباً كانت متابعة سعر الدولار أمراً جديداً علينا بعدما أدرك كل أبناء هذا الشعب أن الدولار هو الشيطان الذي ما إن يرتفع سعره حتى يتسبب في رفع سعر كل شيء، الآن بات علينا مراقبة سعر كل شيء؛ لأن الأشياء سعرها يرتفع من تلقاء نفسها بسبب غياب الرقابة. منذ أعوام قليلة لم يكن في حساباتي كل هذه الأرقام، كنت طفلاً أنتظر العيد لألعب في الشارع بحرص حتى لا تتسخ ملابس العيد، في الماضي كنت طفلاً أنتظر فئات نقدية صغيرة من أقاربي لأجمعها لأشتري الألعاب، فجأة وبلا أي مقدمات كبرت، وبات عليّ توزيع العيديات وشراء الألعاب وحساب تكاليف اللحم والخضراوات والفاكهة، لم يعد في مقدرتي طلب أي شيء ليتحقق، سقطت هذه الصلاحية بعدما كبرت وأصبحت رجلاً مُطالب بأشياء عديدة. 

هذا المقال ليس عني أنا، وليس عن كيلو اللحم الذي لا يكفي وجبة واحدة، وبالطبع ليس ارتفاع الأسعار الجنوني، هو عن كل هذا وأكثر.

ليه؟

في وجود المناسبة الدينية العظيمة، والاجتماعية الأبرز، في ظروف اقتصادية خانقة نسأل أنفسنا، كلنا بلا أي تمييز، ما الذي يحدث، ولمَ، ومتى تعود الحياة لهذه الأرض القاحلة التي لا ينبت فيها إلا الخرسانة، ولا شيء فيها على مرمى البصر إلا الحملات الإعلانية الضخمة؟! يسعى المصريون بأمل حقيقي كل يوم وبإيمان كبير في ربهم لتقبل الحياة الصعبة التي لا أمل فيها، وكأن كل الحياة تحولت لمحاولات البقاء على قيد الحياة، بلا حلم، وبلا حب، وبلا رحمة. كل الوجوه مقفرة، كل المصريين مُتعبون، كلنا نسعى، كل مواطن يحاول زيادة دخله أو الحفاظ عليه، كل الناس تحاول اتباع أي نصيحة لزيادة الدخل أو تقليل النفقات، وكلنا نفشل، كل الناس يسعون للتعلم والتطور حتى صارت كلمة تطور كلمة خاوية من المعنى بسبب كثرة الاستهلاك، صارت الكلمة الإيجابية مصدر تندر وسخرية؛ لأن كل الناس يفعلون ما في وسعهم، ولكن بلا فائدة حقيقية. تعلم لغة جديدة، تعلم برمجة، دراسة دورات تدريبية في أي مجال، مشاهدة برامج تعليمية، بذل جهد مضاعف في الوظيفة الثابتة، محاولات لا تنتهي للحصول على وظيفة إضافية بدوام غير كامل، كل هذه النصائح صارت مرهقة جداً، ليس لأننا كسالى أو لأننا أغبياء، ولكن السبب الأبرز هو أننا مرهقون.

"غضبان؟ أكيد غضبان. مربوط في ساقية وبتجري في مكانك"..

– الشاعر المصري مصطفى إبراهيم من قصيدة البنكنوت

بأي حال جئت؟

أغنيات العيد هي كل ما يتبقى لنا، أنا مثلاً استمع لأغنية "يا ليلة العيد" لأم كلثوم في يوم العيد ثم أنام لأستيقظ وأذهب إلى العمل في صباح أول أيام العيد، أنت أيضاً تفعل هذا، وأنتِ، وإذا كانت الإجابة لا فبالطبع أنت ما زلت تذاكر؛ لأن اختبارات الجامعة أو المدرسة لم تنتهِ. دعني أخبرك بشيء آخر، لم يعد ممكناً شراء لعبة لطفل صغير بمناسبة العيد؛ لأن أسعار لعب الأطفال أصابها نفس الجنون الذي تحدثت عنه في فقرة سابقة. شراء أي شيء على كُل، وبحسابات بسيطة جداً ستجده يُكلفك أكثر من يومين عمل، بشقائها وإرهاقها غير المحتمل.

 لذا فإن عيد هذا العام يأتي في توقيت غير ملائم للظروف المادية، لا نقود تكفي لتحضير عزومة واحدة، أو توزيع فئات نقدية صغيرة، أو أكل اللحم لأكثر من يوم في عيد لا يتم الاحتفال به إلا بأصناف عديدة من الطعام الشهي، عيد هذا العام جاء والدولار يكسر حاجز الثلاثين جنيهاً، حيث كل شيء لا يساوي أي شيء في العالم الأول يساوي هنا أضعاف مضاعفة.. إلى عيد هذا العام أنا لست في حالة جيدة، ومشغول جداً في العمل لدرجة مأساوية، لدرجة تجعلني أدرك أنني كبرت أكثر من اللازم.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سيد عبدالحميد
كاتب مقالات وقصص قصيرة
كاتب مقالات وقصص قصيرة
تحميل المزيد