تاريخ الحروب والصراعات الإنسانية يشهد على ظهور الميليشيات ككيانات مسلحة غير رسمية تعمل في ظروف غير قانونية أو غير مستقرة. ومع زيادة دور الميليشيات في الساحة العالمية في الوقت الحاضر، تثار تساؤلات حول دورها وفاعليتها وإمكانية أن تكون بديلاً عن الجيوش الرسمية، نظراً لتكلفتها المنخفضة مقارنة بميزانيات الجيوش.
المميزات والسلبيات في تشكيل الميليشيات
- تكلفة التدريب والتسليح
على عكس الجيوش الرسمية، فإن الميليشيات لا تتطلب نفقات كبيرة لتدريب أعضائها أو تزويدهم بالأسلحة. غالباً ما تعتمد على المهارات والمعرفة العسكرية التي يحملها أفرادها بشكل فردي أو تحت تأثير التدريب المحلي. وهذا ما يجعلها من حيث التشكيل والتجهيز أقل من تكلفة تشكيل جيش رسمي.
- المرونة
إضافة إلى ذلك، تتمتع الميليشيات بالمرونة في تحديد أهدافها واستراتيجياتها مقارنة بالجيوش النظامية. فهي ليست مقيدة بالبروتوكولات والسياسات الرسمية التي تحكم الجيوش. وبفضل هذه المرونة، يمكن للميليشيات التكيف بشكل أسرع مع التغيرات في الساحة العسكرية والسياسية.
ومن المهم أيضاً أن نلاحظ أن الميليشيات تعتمد على قاعدة محلية للدعم والتأييد. يمكنها استقطاب الأفراد المحليين المتحمسين والمتمردين والمتضررين من الصراعات للانضمام إليها. وبذلك، تستفيد الميليشيات من المعرفة المحلية والدعم الشعبي، مما يمكِّنها من تحقيق نجاحات في الميدان وتحقيق أهدافها بشكل أكثر فاعلية.
مع ذلك، يجب أيضاً النظر في العيوب والتحديات التي تواجه الميليشيات. قد يكون لديهم قلة في التدريب المهني والانضباط، مما يعرضهم للخطر ويؤثر على قدرتهم على تحقيق أهدافهم بشكل فعال. قد تكون الميليشيات أيضاً تابعة لأجندات سياسية أو اقتصادية سرية وضيقة، مما يؤثر على قراراتها وأفعالها.
ويجب أن نضع في اعتبارنا أن اقتصاد الميليشيات يشتمل على عناصر سلبية تتضمن استغلال الموارد المحلية والابتزاز، وقد يؤدي إلى تفاقم الفوضى الاقتصادية والاجتماعية في المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات.
اقتصاد ميليشيا "فاغنر"
تعتبر شركة فاغنر (Wagner Group) إحدى الميليشيات الخاصة الروسية المشهورة التي اشتهرت بتوفير قواتها العسكرية والأمنية لصالح الحكومة الروسية. تعمل هذه الميليشيات في مناطق مختلفة حول العالم، بما في ذلك سوريا وأوكرانيا وجمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا.
لكن اللافت في الأمر، قدرة الشركة على تمويل أعمالها بطرق مختلفة ومتنوعة، حيث تنجح في تفادي العقوبات الدولية وتحقيق مكاسب مالية ضخمة.
فعلى الرغم من أن يفغيني بريغوجين أو كما يسمى "طباخ بوتين"، الذي كان يحظى بصلة وثيقة بالكرملين، يعد من الممولين الرئيسيين لشركة فاغنر، إلا أن التمويل لا يعتمد على الداخل الروسي فحسب، حيث تتلقى فاغنر تمويلات من مصادر أجنبية أخرى.
في جمهورية إفريقيا الوسطى على سبيل المثال، حيث يتم دفع جزء من أجر الميليشيات بالذهب والألماس، وهي موارد قابلة للنقل بسهولة وتتجنب التدقيق المالي الرسمي ويمكن تبييضها بسلاسة دون عقوبات.
تعتمد فاغنر أيضاً على مشاريع التعدين في إفريقيا كوسيلة لتوليد أرباح هائلة. إذ لوحظ توسع مجموعة فاغنر في مشاريع التعدين في جمهورية إفريقيا الوسطى بشكل خاص بهدف تحقيق أرباح كبيرة.
ففي مجال التعدين في جمهورية إفريقيا الوسطى تحوّلت من منجم صغير يعمل بالحرفة إلى مجمع ضخم، وربما تقترب أرباحها من مليار دولار من خلال أنشطة التعدين في هذه المنطقة. إذ تقول التقارير إنه تم سحب امتياز من شركة تعدين كندية كانت تعمل على منجم الذهب "نداسيما" في جمهورية إفريقيا الوسطى لصالح شركة من مدغشقر، وتظهر في تقرير منظمة "المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للأوطان" كشركة تابعة لفاغنر.
بينما في السودان أقامت فاغنر علاقات مربحة للغاية مع قوات الدعم السريع، بما في ذلك إنشاء سلاسل لتهريب الذهب من السودان إلى روسيا -مروراً بدبي وسوريا. بينما وجّهت المجموعة جزءاً كبيراً من أرباحها لتمويل العمليات في أوكرانيا، التي تكلف مجموعة فاغنر نحو 100 مليون دولار شهرياً.
أما عن عملياتها في ليبيا فيتم تمويلها من قبل دولة الإمارات وفقاً لما جاء في تقرير فورين بوليسي.
ومما يعظم مصادر تمويل ميليشيا فاغنر هو طريقة قبول الدفع بالموارد الطبيعية والسلع. على سبيل المثال تم الإبلاغ عن تلقي شركة فاغنر دفعاً بالموارد الطبيعية، مثل النفط والغاز، مقابل عملها في سوريا. مما ساعدها على إخفاء أموالها وتجنب العقوبات المفروضة عليها من قبل وزارة الخزانة الأمريكية، بالإضافة لتحصيل أموال من الدول غير القادرة على الدفع نقداً.
هل الميليشيات وسيلة فعالة وبديلة عن الجيش وأقل تكلفة؟
يمكن القول بأن ديناميكية عمل اقتصاد ميليشيا فاغنر فعالة وناجحة في جلب الأموال وزيادتها، لكن تكمن خطورتها بأنها لا تربط التمويل بمؤسسات الدولة؛ لذلك يصعب السيطرة عليه كالجيش.
لذلك، نستنتج أن الميليشيات لا يمكن أن تكون بديلاً فعالاً ومستداماً عن الجيوش الرسمية والمؤسسات الأمنية المستقرة.
بالرغم من أن تكلفتها أقل من الجيوش النظامية إلا أن أساليب التمويل الخاصة بهذه الميليشيات تنطوي تحت الاقتصاد الأسود في العالم؛ وبالتالي فعالياتها الاقتصادية هي ضرر للاقتصاد الحقيقي.
وهذا ما قد حدث، فقد أدى التمرد الأخير إلى ذعر المواطنين الروس الذين أسرعوا في تخزين الطعام والديزل نتيجة للتحذيرات التي أطلقتها الأجهزة الحكومية في مناطق التمرد.
ويتوقع تقرير للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية لروسيا وأوراسيا، أن التأثير على ثقة الأعمال نتيجة لهذا التمرد ستكون له تداعيات سلبية أكبر من الضربة التي تلقاها الاقتصاد الروسي مع بدء المعارك بأوكرانيا في فبراير/شباط 2022.
يقول نيكولو مكيافيلي في هذا السياق في كتابة الأمير: "أنا أرى أن الأسلحة التي يدافع بها أمير عن ممتلكاته إما أن تكون أسلحته الخاصة، أو أسلحة لقوات مأجورة أو أسلحة حلفاء له أو مختلطة، وأسلحة المأجورين والحلفاء بلا فائدة وخطيرة، وكل من يقيم دولته على أسلحة قوات مأجورة لن يستطيع التأكد من قوة وثبات ولايته؛ لأنها قوات مفككة ولها مطامعها الخاصة، وغير منظمة ولا عهد لها".
لذلك لا يحتاج العالم إلى ميليشيات بتكلفة قليلة، بل لوجود جيوش رسمية قوية تتمتع بالتدريب المهني والانضباط، وتلتزم بحماية المواطنين وتعزيز الاستقرار والأمن.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.