العيد الذي ينساه الجميع!.. لماذا لا تحتفل الشعوب العربية بعيد الأب؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/06/24 الساعة 08:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/06/24 الساعة 08:19 بتوقيت غرينتش

يُقال إنه كان هناك عيد للأب، احتفلت به دول كثيرة حول العالم منذ عدة أيام، ولكن أنا وكثيرون غيري لم نسمع بهذا الاحتفال إلا بعد ما مضى، والمؤسف أكثر من نسيان ذلك العيد، هو أنّ من ذكرونا به، تحدثوا عنه بشكلٍ ساخرٍ، فبعضهم صنع بعض الـ mems اللاذعة عن الأب ودوره الذي لا يتعد كونه Atm في كثير من الأحيان، والبعض الآخر سخر من فكرة أنه حتى لم يظهر أحد يعترض على عيد الأب لكونه بدعة، كما يحدث كل عام في عيد الأم مثلاً.

عيد الأب

مرّ اليوم في هدوءٍ طبيعي، كأي يوم آخر، فيما عدا بعض المواقع الإلكترونية التي بطبيعة الحال، يجب أن تكون على دراية بالأعياد الرسمية، والتي نوّهت عن الخبر السعيد، بأن اليوم هو يوم الأب أو عيد الأب.

عيد الأب

مرّ اليوم في هدوءٍ طبيعي، كأي يوم آخر، فيما عدا بعض المواقع الإلكترونية التي بطبيعة الحال، يجب أن تكون على دراية بالأعياد الرسمية، والتي نوّهت عن الخبر السعيد، بأن اليوم هو يوم الأب أو عيد الأب.

عيد الأب

أين الخطأ هنا؟ 

هل نحن شعبٌ جاحد لا يُوفي الأب قدره وحقه؟ أم أنه عيد جديد علينا كشعوب عربية لم نعتده فحسب؟

هل قيمة الأم تُمثل لنا القيمة الأهم في حياتنا وما سواها لا يهم؟ وماذا عن الأب؟

هل هو مظلوم في هذه القصة؟ هل ينبغي علينا أن نُدون ذلك التاريخ حتى لا ننساه في كل عام؟ أم نترك الأمر بالكامل، هازئين من الفكرة، لكوننا غير معترفين بها من الأساس؟

بحثاً عن إجابات تخص كل تلك الأسئلة، أكتب هذا المقال..

عيد الأب.. عيد رسمي غير مُعترف به شعبياً

حينما تتبعت أصل فكرة عيد الأب عالمياً، والتي كنت أظنها مناسبة حديثة العهد، وجدت أنها بدأت في عام 1910 في أمريكا، على يد امرأة طالبت بتكريم كل الآباء في العالم، وعلى رأسهم والدها، الذي اعتنى بها هي وأخواتها الخمسة بعد وفاة أمهم.

وفي هذه القصة المُختزلة، إجابة للسؤال الذي لا يبدو عويصاً لهذه الدرجة، وهو لماذا لا تحتفل الشعوب العربية بعيد الأب، رغم أن ذلك العيد معترف به رسمياً في عدد منها؟ 

عيد الأب

لماذا لا يتم الاعتراف "شعبياً" بعيد الأب، كباقي الأعياد التي يُوجب فيها تقديم الهدايا، والاعتراف بالفضل والامتنان لدور الأب العظيم الذي لا يقل أهمية عن دور الأم؟

حتى أنه في مصر في عام 1985، حينما طرح الكاتب مصطفى أمين فكرة الاحتفال بعيد الأب، ليكون يوم 10 يناير من كل عام، تم تنفيذ الفكرة لعامٍ واحدٍ فقط، وهو عام 1986، ومن بعدها انطوى ذلك الأمر في صفحة النسيان، حتى عام 2011 عام الثورة، الذي تم اعتماد فيه يوم 21 يونيو من كل عام، ليكون يوماً للأب. 

ولكن ها نحن الآن بعد  12 عاماً من ذلك اليوم، ولم يتغير شيء تقريباً، لازال عيد الأب منسياً، كعيد الرجل، يُذكرنا به أحدهم وهو يضحك في الغالب، لنضحك نحن معه، ونتبادل معاً النكات حول ذلك التجاهل المتكرر عاماً بعد عام.

لماذا لا تحتفل الشعوب العربية بعيد الأب؟

ببساطة، السبب الأهم في رأيي، يعود إلى تضاؤل قيمة الأب كثيراً عما مفترض أن تكون عليه فعلاً، وذلك في الخمسين سنة الأخيرة، وربما قبل ذلك، وهي مستمرة في التضاؤل أكثر وأكثر.

أصبحت قيمة الأب الحقيقية التي تستوجب الاحتفال بها كما نحتفل جميعاً بعيد الأم في كل عام، منقوصة بشكل كبير، لا كرؤية وتقدير لتلك القيمة، وإنما كتطبيق فعلي على أرض الواقع من قبل الآباء أنفسهم تجاه أبنائهم وتجاه الأسرة بشكلٍ عام.

عيد الأب

مزحة الـ ATM المنتشرة بخصوص الآباء هي حقيقة مؤلمة، واقعة في الكثير من البيوت. اقتصار دور الأب على أنه من يجلب النقود للمنزل وكفى، انتقاص كبير من قدراته، وإساءة لأهميته الحقيقية بصفته الراعي لكامل أفراد الأسرة، والقائم على حمايتهم وتوفير جميع احتياجاتهم بما فيها الحاجة للنقود، ذلك جزء من كل، وليس العكس.

ذلك الأب الذي يكتفي بسد الاحتياج المادي لأفراد أسرته فقط، مُدعياً أنه قد قام بواجبه تجاههم على أكمل وجه، ومنتظراً منهم الشكر والعرفان، كالأم التي أنجبت فقط، وتخلت عن رعاية أطفالها وتربيتهم، ومع ذلك فهي تنتظر في كل عيد أمٍ، الهدايا والقبلات وكلمات الحب والتقدير من أطفالها. 

هل يتساوى ذلك الأب مع من حرص على التواجد في حياة أطفاله بشكلٍ يومي وصنع معهم ذكريات جميلة لا تُنسى؟ هل يتساوى بمن أنصت إليهم جيداً حينما احتاجوا للكلام معه؟ هل يتساوى بمن نصح برفقٍ وتعامل برحمة ومنحهم الأمان بشكلٍ مطلق؟

لا يتساوون أبداً، اقتص بعض الآباء من أدوارهم أعظم ما فيها بمحض إرادتهم، والبعض الآخر أجبرتهم الحياة على ذلك، فسافروا من أجل لقمة العيش، وغابوا بالشهور والسنين، ليعودوا غرباء بين أطفالهم، وقلة منهم أدركوا ما تعنيه كلمة أب، ووفوها حقّها، وهم من لن ينسى أطفالهم أبداً ذلك اليوم.

أراد الكثير من الآباء أن يُتركوا لحالهم بعد دوام العمل المرهق، فتم تركهم لحالهم فعلاً، ولكن للأسف فخسارتهم عظيمة، لو يدركون ذلك، فقيمتهم عند أبنائهم، والتي يتمثل جزءاً منها في الاحتفال الحقيقي وليس المفتعل بعيد الأب، تكمن في كل ما رفض الآباء أن يُشاركوا أولادهم فيه. 

نسوا الآباء أبناءهم، فتم نسيانهم.

عن الآباء الذين لن ينسى أبناؤهم عيدهم أبداً

أخذت أفكر في ذلك الأب المحظوظ الذى لم ينس أطفاله يومه أو عيده، بل ومن استعدوا له من قبل أن يأتي فأحضروا الهدايا وكتبوا الكروت الممتلئة بكلمات الحب وعبارات الشكر.

عيد الأب

هل فعلها أحدهم حقاً؟ هنا في مصر؟ أو في البلاد العربية بشكلٍ عام؟ 

أعتقد أن تلك الطفلة الأردنية التي سارع والدها بمشاركتها بالرقص في حفلة المدرسة، عوضاً عن رفيقها الغائب، في ذلك الفيديو الجميل المنتشر حالياً، لن تنسى عيد الأب أبداً.

كما أظن أن تلك الفتاة الطالبة بكلية طب، والتي صوّرت مقطعاً لطيفاً أثناء ركوبها العجلة خلف والدها، وهو يقوم بتوصيلها للجامعة، لن تنسى ذلك اليوم أيضاً.

وتلك العروس التي بكى والدها أثناء عقد قرانها، وهو يصفها بأنها قرّة عينه وروح فؤاده، مُوصياً زوجها عليها، من المستحيل أن تنسى أن تُكرّم ذلك الأب في يومه أو في عيده، مثلما أكرمها منذ أن وُلدت وحتى يوم أن سلّمها لزوجها.

كلمة الأب ليست لقباً أو شرفاً يحمله الوالد فور ولادة زوجته، الأب مسؤولية ثقيلة، رعاية كاملة، وتواجد بالروح والجسد معاً، ذلك هو الأب الذي لن ينساه أطفاله أبداً.

لذلك لم يكن غريباً أن تفكر تلك الفتاة الأمريكية لأول مرة في أن تخلق لوالدها عيداً، لم تفعل ذلك لأنه كان يُطعمها أو يشتري لها الملابس أو يعطيها نقوداً فحسب، بل لأنه كان يرعى 6 أطفال بمفرده، لأنه كان أباً حقيقياً بل واضطر أيضاً لأن يقوم بدور الأم لأطفاله في غيابها عنهم.

نحن نسينا عيد الأب لغياب دور الأب، والمسألة تخطت مسألة النسيان، فالأمر لا يتعلق بكونه عيداً جديداً عمره 12 عاماً فقط في مصر مثلاً، وبمرور الوقت سيعلق في الذاكرة وسنتذكره بسهولة، لا أعتقد ذلك حقاً.

والدليل هو ما يحدث الآن، بعد مرور عدة أيام على يوم عيد الأب، لا يوجد شيء أكثر من السخرية بأنه لا أحد يعرف بأن هناك عيداً بهذا الاسم حتى، وبعض الكوميكس الأخرى التي تتناقلها الأمهات الغاضبات على أزواجهنّ، الذين لم يكونوا آباءً حقيقيين لأطفالهم من وجهة نظهرنّ، فصرن يقلن لبعضهنّ: "عيد أبٍ سعيد".

وهي الجملة التي تُقال أيضاً لكل النساء اللاتي اضطررن للعب دوري الأب والأم معاً، في غياب الأب المتوفى، أو الذي قرر أن ينفصل عن أولاده كما انفصل عن أمهم من قبل.

ربما على الآباء أن يجتهدوا قليلاً لخلق علاقة قوية بينهم وبين أطفالهم، بأكثر من اجتهادهم لكسب المزيد من المال. 

هي أشياء لا تُشترى، ولا تعوّض مع الأسف.

عيد أب سعيد، لكل أب أدرك عظم مسؤولية أن تكون أباً، وجاهد كي لا يحرم أطفاله من وجود أب حقيقي لهم بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

وعيد أب سعيد على كل الأمهات اللاتي كانت أباً وأماً لأطفالهنّ.

وعيد أب سعيد على أبي، الذي كان أباً حقيقياً، كما ينبغي للأب أن يكون.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سارة يوسف
دارسة للأدب الإنجليزي، ومهتمة بالفنون والسينما
أنا سارة يوسف، زوجة وأم، مُحبة للقراءة والسينما، درست الأدب الإنجليزي، وعملت في وظائف عدة، حتى توصّلت لشغفي الحقيقي وهو كتابة المقالات الفنّية والأدبية.
تحميل المزيد