الصين إذ ترسخ أقدامها في الشرق الأوسط.. هل تكون الشراكة مع السعودية بوابة العبور؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/06/22 الساعة 09:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/06/22 الساعة 09:38 بتوقيت غرينتش
رئيس الصين شي جين بينغ مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان /أرشيفية، رويترز

من يراقب عن كثب مجريات الأحداث على مستوى النظام العالمي، يصل لقناعة راسخة بأن معالم هذا النظام بدأت تتغير بوتيرة متسارعة، وأن النظام العالمي الأحادي القطبية بقيادة الولايات المتحدة لم تعد معالمه واضحة، نظراً لتغير الديناميكيات الاستراتيجية على المستوى العالمي بشكل عام، ولعل الشرق الأوسط أبرز المناطق الاستراتيجية التي يتم تسليط الضوء عليها مؤخراً، إلا أن هذه المرة ليس للحديث عن صراعات تلك المنطقة، بل بهدف تسليط الضوء على أهميتها، والدور الذي  تلعبه ومكانتها الاستراتيجية. فالتحالفات الجديدة التي تدور في أروقة الشرق الأوسط تطرح تساؤلات جوهرية عن شكل النظام العالمي واحتمالية تغير معالم هذا النظام.

ولم يعد يخفى على أحد أن المسار الجديد الذي بدأت تتبعه المملكة العربية السعودية، بكونها دولة فاعلة في المنطقة، وبكونها إحدى أبرز الدول النفطية والطاقوية في العالم، وتحديداً برزت هذه الأهمية بعد نشوب الحرب الروسية الأوكرانية، ما خلق لديها رغبة في تعزيز نفوذها الإقليمي، وجعلها مؤخراً غير مكترثة للأولويات الأمريكية.

 ولعل قراراتها الأخيرة في أوبك + خير دليل على ذلك؛ حيث تأتي هذه القرارات الاقتصادية والسياسية لتعكس لنا حدة التنافس غير المباشر بين أهم المتنافسين على عرش النظام العالمي، الذي من المؤكد أنه لم يعد أحادي القطب بزعامة واشنطن.

ويقابل التوتر في العلاقات السعودية – الأمريكية القائم تقارب غير مسبوق في العلاقات الاستراتيجية بين السعودية والصين، ففي حين أن الفتور بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية قائم منذ عام 2018 عقب مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، ما تعتبره الولايات المتحدة انتهاكاً صارخاً لحرية الرأي والتعبير، فرغم كل المساعي لخفض حدة التوتر  والغضب الأمريكي،  إلا أنه ازداد بعد رفض الجانب السعودي خفض أسعار الطاقة عقب نشوب الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير من العام الماضي، بالمقابل تشهد العلاقات الصينية السعودية تقارباً اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً غير معهود.

وبتاريخ 29 مارس 2023 وافق مجلس الوزراء السعودي على الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون بصفة شريك حوار إلى جانب قطر، وإيران، وتركيا، وأرمينيا، ومصر، ونيبال، وكمبوديا، وسيريلانكا. وتسعى السعودية من وراء هذه الخطوة إلى كسب العضوية الكاملة على المدى المتوسط؛ ما يقربها من الصين وروسيا ويساهم في خلق مسافة مع الإدارة الأمريكية، وهي إشارة  واضحة أيضاً إلى تزايد روابط الشراكة بين الرياض وبكين، العدو الأبرز للولايات المتحدة.

من جهتها علّقت الخارجية الأمريكية على قرار الانضمام السعودي لمنظمة شنغهاي بأنه متوقع، وأنه من حق كل بلد أن تكون له علاقاته الخاصة بدول أخرى، بمعنى آخر حرصت واشنطن على التقليل من أهمية هذا الانضمام، وهي في الوقت نفسه تراقب بحذر التقارب الصيني من أكبر حليف لها في الخليج العربي. 

فيما تؤكد القرارات الصارمة وغير المسبوقة التي تتخذها القيادة السعودية الشابة مؤخراً إلى تغير جذري في طريقة التعاطي معها من جهة، ومع الشرق الأوسط ككل من جهة أخرى، من شأنه كسر الهيمنة الغربية اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، وخير دليل على هذا التقارب السعودي الصيني، فعلى الرغم من تأكيد كلا الطرفين السعودي والصيني بأن التحالفات بينهما هي تحالفات اقتصادية، إلا أن الواقع يشير إلى تقارب سياسي مهم أيضاً.

اقتصادياً، تحتل السعودية منذ عام 2018 المرتبة الثانية بعد روسيا من حيث تصدير النفط إلى الصين (ربع صادراتها للصين)، وقد سبق انضمام السعودية إلى منظمة شنغهاي توقيع شركة أرامكو السعودية اتفاق شراكة بقيمة 12.2 مليار دولار يهدف إلى إنشاء مجمع إنتاج الوقود والبتروكيماويات في الصين.

وكما أن الصين تحتاج إلى النفط السعودي والبتروكيماويات، فإن السعودية أيضاً تحتاج إلى التقنيات الصينية المتطورة، خاصة في مجال التكنولوجيا الخضراء، السيارات الكهربائية وبطاريات أيونات الليثيوم.

سياسياً، ترى السعودية أن لها الحق في تعديد تحالفاتها لا سيما مع الصين وروسيا، أي بمعنى آخر لا تقل هذه التحالفات أهمية عن علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية. 

على الجانب الآخر، ترجم الحذر والترقب الأمريكيان من خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن لولي العهد السعودي بتاريخ (7 يونيو 2023)، وهي الزيارة الثانية لمسؤول أمريكي رفيع إلى السعودية في ظل توتر العلاقات. تأتي هذه الزيارة بعد زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي جايك سوليفان للسعودية في 7 مايو  كخطوة مهمة في ظل توتر العلاقات بين البلدين، بهدف توطيد العلاقات بينهما، خصوصاً أن الملفات الشائكة بين البلدين تشمل قضايا جوهرية أبرزها الملف الإيراني، بعد توقيع اتفاق بين السعودية وإيران برعاية الصين بتاريخ 10 مارس 2023، وأسعار النفط وأمن المنطقة وحقوق الإنسان، كما ناقشا سبل التعاون الاقتصادي وخاصة في مجالي الطاقة النظيفة والتكنولوجيا. 

وتأتي هذه الزيارة بعد تعهد السعودية بخفض إنتاجها النفطي، ما يمكن اعتباره خطوة إضافية تزيد حدة التوتر بين الطرفين، إضافة إلى سجل السعودية المتعلق بحقوق الإنسان، الملف الذي تعتبره الولايات المتحدة ملفاً أساسياً ضمن أولوياتها، خصوصاً أن بلينكن نقل رغبات وتوصيات بعض المواطنين السعوديين – الأمريكيين حول مصير ذويهم المحتجزين في السعودية، مطالبين بالإفراج الفوري عنهم.

وازداد الغضب الأمريكي بعد رفض الجانب السعودي خفض أسعار الطاقة عقب نشوب الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير من العام الماضي، ورجح كبير مستشاري مركز أبحاث مؤسسة الدفاع عن الحريات في واشنطن أن يكون أهم عنصر في زيارة بلينكن إلى الرياض، هو التشجيع على عدم التقارب السعودي الصيني، ما يؤكد القلق الأمريكي من هذا التقارب.

وتعتبر أهم ميزة للتقارب الصيني السعودي، اتفاق كلا الطرفين ضمنياً على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر، واحترام القوانين الداخلية لكل دولة. أضف إلى ذلك أن الصين لا تفرض شروطاً سياسية حتى اللحظة على حلفائها، ولا تتعامل معهم بسياسة الاحتكار الاقتصادي، وهي تسعى إلى ضمان أمن واستقرار الشرق الأوسط، ما يساعد على تحقيق رؤية 2030 للمملكة العربية السعودية من جهة، وللحزام وطريق الحرير من جهة أخرى.

الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز مع الرئيس الصيني/رويترز

أما عسكرياً، فإن أبرز ما تتطلع له السعودية فهو ضمان الأمن فيها وبالمنطقة ككل، وكنوع من الدعم لتحقيق هذا الهدف، يذكر أن ثمة اتفاقية لمصنع صيني لإنشاء الطائرات المسيرة في السعودية، وهو أمر لم تدفع له واشنطن كثيراً. يضاف إلى ذلك الصواريخ البالستية التي دعمت بها الصين السعودية أثناء حربها في اليمن، وهو ما أكدت عليه إحدى تقارير سي إن إن.

إذاً، وضعت الصين، وما زالت، كل إمكانياتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية في سبيل تثبيت موقعها في الشرق الأوسط، تقابلها خطوة مثيرة للجدل للولايات المتحدة عقب اتخاذها قرار إنشاء المجمع الجديد للسفارة الأمريكية في لبنان، الذي أثار جدلاً واسعاً بسبب ضخامته، حيث تبلغ مساحته حوالي ضعفين ونصف من مساحة الأرض التي يقع عليها البيت الأبيض، ما يجعل فيه نوعاً من التذكير بمدى قوة الولايات المتحدة في المنطقة. فما هي الرسائل التي يحملها كلا الطرفين للمنطقة؟ وما هي آفاق الاستقرار الذي تبحث عنه كل من الصين والولايات المتحدة في الشرق الأوسط؟ هل تتجه المنطقة إلى التعامل مع الولايات المتحدة باستقلالية أكبر؟ أم أننا سنشهد ضغوطات أكثر بسبب توسيع نفوذ المعسكر الشرقي في المنطقة؟

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رشا حلواني
باحثة في الشؤون الدوليّة
باحثة في الشؤون الدوليّة
تحميل المزيد