بعد انقطاع دام لعدة أشهر بسبب مشاغل الحياة، تقابلت مع إحدى صديقاتي لتخبرني أنها تفكر جدياً في الانفصال عن زوجها، بل إنها بدأت بالتفكير في ترتيب شكل حياتها بعد الانفصال عنه.. بدأت تفكر بالعمل ومصاريف الأولاد وتربيتهم ومكان المعيشة وغيرها من الأمور الحياتية اليومية.
كان الكلام كالصاعقة، خاصة لِمَا أعرفه عنهما من أن زواجهما بعد قصة إعجاب من الطرفين وتوافق من الأهل، صحيح أنه حتى في أيام الخطبة كان هناك الكثير من الشد والجذب والاختلافات بينهما، وأنه بعد الزواج استمر الأمر في التزايد، إلا أنني لم أتوقع أن يصل بهما الأمر يوماً إلى قرار التخلي التام.
أخبرت صديقتي بدهشتي فأخبرتني أنها تجاهلت كل الإشارات التي كانت تنذر بفشل تلك العلاقة من البداية، وأنها قامت بتبرير تلك الإشارات بدلاً من محاولة الوصول لفهم حقيقي لأسبابها ولمعرفة الطريقة الصحيحة لحلها.
وهذا بالضبط ما يفسره خبراء العلاقات بأن تجاهل العلامات الصفراء أو "yellow flag" في بداية العلاقات من الشريك قد يكون نذير شؤم بالوصول إلى "red flags"؛ ما يهدد استمرار العلاقة بالكامل.
ما هي العلامات الصفراء أو "yellow flags"؟
العلامات الصفراء هي علامات تحذيرية، تحدث في بداية العلاقة بين الشريكين، لتخبر بطريقة واضحة أن ثمة مشكلة في العلاقة، وقد تؤدي إلى مشاكل أكبر في المستقبل؛ ما ينعكس على صحة العلاقة بالكامل.
والحديث هنا ليس عن اختلافات فردية بين الشخصين، فبالتأكيد لا يمكن أن تحصل على شريك مطابق تماماً لك، لكن المقصود هو الاختلافات التي تؤثر على سير العلاقة وطبيعتها.
لذا دعونا نوضح بعض تلك العلامات.
علامات في بداية العلاقة تنذر بفشلها إن لم تعالج.. عن الـ"yellow flags"
على العكس من العلامات الحمراء الخطيرة التي تظهر على الأغلب قبل نهاية العلاقات مباشرة وتكون واضحة تماماً، إذ إنها غالباً ما تحتوي على إساءات جسدية أو نفسية أو خيانة للشريك، فإن تلك التحذيرية تظهر في بداية العلاقة، وعلى الأغلب يتم تجاهل الاعتراف بها والتعامل معها على أنها مجرد اختلافات في الشخصية، لكن دعني أوضح لك أن الأمر ليس بتلك البساطة.
يمكننا أن نعد الأمر في حيز الاختلافات الشخصية إن كنت تحب اللون الأحمر بينما يحب الشريك اللون الأخضر، لكن وجود تباين في الأفكار والمعتقدات والمبادئ ليس اختلافاً شخصياً إن قررتما بدء حياة مشتركة معاً.
لذا فإن هناك بعض العلامات التي يجب الانتباه إليها، ومن أهمها:
1- الرغبة الدائمة في تقضية الوقت "بالكامل" معاً
على الرغم من أن قضاء بعض الوقت مع من تحب يعد واحداً من علامات الحب الخمسة المعروفة، إلا أن الرغبة بألا تنفصل عن الشريك مطلقاً هو أمر سيئ للغاية.
حيث يشير ذلك إلى رغبة في التحكم الزائد والخوف من أن يصبح لأي منكما حياة منفصلة أو بعيدة ولو جزئياً عن الآخر.
2- عدم وجود أية هوايات أو اهتمامات
يقضي الكثير من الناس أعمارهم بشكل تقليدي، الذهاب للعمل، تربية الأبناء، الزيارات العائلية… وغيرها من السبل التقليدية.
لذا إن كنت شخصاً طموحاً لديه الكثير من الهوايات والاهتمامات؛ فربما تجد مشكلة مع شريكك الذي يرى تفاهة ما تقدم عليه.
إلا أن عدم وجود اهتمامات مطلقاً قد يشير إلى سلوك الشخص الاجتماعي والنفسي، إذ تحتاج تلك الاهتمامات الكثير من النضوج الاجتماعي والنفسي على حد سواء للقدرة على التعامل مع الآخرين.
3- عدم القدرة على تكوين أصدقاء أو صداقة الجميع
كانت لي صديقة انطوائية بعض الشيء، لا تحب الانفتاح الزائد في العلاقات، لكنها بالوقت ذاته تتعامل بود وأدب مع الجميع، كما أنها تمتلك دائرة صغيرة من الأصدقاء.
بينما كان زوجها منفتحاً للغاية، يصادق الجميع ويصاحبهم ويطلب الود باستمرار، كان ذلك نقطة خلاف كبيرة ودائمة بينهما، حيث تريد هي أن يمكث معها بالمنزل بعض الوقت بينما هو يومياً لديه لقاء مع صديق. كان ذلك محور خلاف دائم بينهما، إلى أن تمكّنا بضبطه بعض الشيء كما سنذكر بعد قليل.
4- العادات المادية ووجود ديون
يمكن أن يستدين الأشخاص في بعض الأوقات، كلنا بالفعل يتعرض لذلك، لكن أن يكون السلوك الدائم هو وجود ديون مستمرة، يشير إلى خطأ في التعامل مع الأموال، وهو من أشهر العلامات التي يمكن أن تنذر بفشل العلاقة فيما بعد.
5- عدم القدرة على التنازل أو التفاهم
"هو أنا كده"، الجملة الشهيرة التي تقال ليثبت بها أي من الطرفين تشبثه برأيه وعدم قدرته على التنازل والتفاهم مع الطرف الآخر.
6- عدم احترام الحدود
صحيح أن العلاقة بين الزوجين هي من أقرب العلاقات الإنسانية على الإطلاق، إلا أن انتهاك حدود الآخر من عدم احترام لمشاعره وأفكاره وخصوصياته علامة تحذيرية لوجود مشكلة في الثقة بين الطرفين.
7- وجود تاريخ كبير من العلاقات الفاشلة
إن الخروج من العلاقة المؤذية أمر جيد بالتأكيد، لكن العلاقات المتعددة الفاشلة قد تشير إلى مشكلة لدى الشخص، مثلاً عدم قدرته على الالتزام والانضباط بالعلاقات، أو وجود مشكلة في الثقة بالجنس الآخر أو قدرته على افتعال المشاكل التي تجعل شريكه ينفصل عنه.
8- إخفاء الكثير عن الشريك
تحتاج الحياة الزوجية الناجحة إلى كثير من الوضوح في العديد من الأمور، ومن أهمها الشؤون المادية، وبالتأكيد فإن الأمر يحتاج إلى الشعور بالثقة مع الشريك.
9- وضع افتراضات دائمة بطريقة سلبية
عندما يقوم شريكك بوضع افتراضات دائمة لتصرفاتك بصورة سلبية، بمعنى أن يقوم بفهم كل ما تقوم به بطريقة خطأ مع الفشل في إقناعه بالأمر بطريقة صحيحة.
بمعنى أوضح أن يكون لدى الشريك اقتناع دائم بأنه الأقدر والأصلح على فهم الأمور، ومحاولة وضعك بصورة دائمة في خانة المدافع عن نفسه.
10- الانزعاج الشديد من النقد
من العلامات الصحية للعلاقات وجود مساحة من الود تسمح لكلا الطرفين بأن يخبر الطرف الآخر بما يزعجه منه -دون هجوم بالتأكيد-، وأن يتقبل الحديث بصدر رحب.
أما الشخص الذي ينزعج بصورة مفرطة من النقد ويحاول الدفاع عن نفسه ويأخذ الكلام على محمل شخصي دون النظر تماماً إلى الصورة العامة في محاولة تحسين العلاقة، قد يدل هذا على أن تلك الطريقة ستكون هي المتبعة في مواجهة أية مشكلة مستقبلية.
11- عاطل عن العمل
تعكس القدرة على الانضباط في العمل الكثير من صفات الشخص، من القدرة على الانضباط والشعور بالمسؤولية والرغبة بالنجاح، كما توضح بصورة مباشرة نضوجه المالي، فكم من شخص يكتفي بوجود مساعدات مادية من أهله ولا يرغب بالعمل.
إن ذلك الشخص لديه خلل حقيقي في النضج وفهم الحياة، ويمكن أن تتوقع منه العديد من الاتكالية والأفكار المختلة التي تسيء لشكل العلاقة.
12 عدم القدرة على البوح بالمشاعر
حتى أكثر الشخصيات تشدداً ترى أن العلاقة مع الشريك هي الملاذ الآمن للتعبير عن المشاعر، بطريقة مناسبة لكل مرحلة بالتأكيد وفقاً لعادات الشخص وقيمه، لهذا إن لم يتمكن الشريك من الاعتراف بمشاعره بسهولة فإنه إما لا يشعر بالارتياح التام في تلك العلاقة، أو لديه مشكلة شخصية في التعبير عن مشاعره.
والسؤال هنا: كيف أتعامل مع شريكي إن ظهرت أي من تلك العلامات المقلقة؟
طريقة التعامل مع الـ"yellow flags"
إن ظهرت أي من تلك العلامات فلا يجب أن تتغافل عنها، بل على العكس يجب مواجهتها وبحزم ووضوح مع الطرف الآخر، وذلك عن طريق:
1- الحديث عنها
يمكن أن يخجل البعض من الحديث في بعض من تلك الإشارات، خاصة الإناث، في بداية العلاقة، ومن هنا يفهم الطرف الآخر أن ذلك السكوت يحمل معنى الرضا.
لذا يجب عليك التحدث وبوضوح مع اختيار لغة مناسبة، فلا تهاجم الشريك، بل استخدم ضمير المتحدث لتوضيح ما تشعر به وما يخيفك.
2- اسمع منه بعقلك
يساعدك تفسير الأمر من جهة الشريك في كشف الكثير عن شخصيته. مثلاً هل سيبرر الأمر أم يستهين بمشاعرك وما قلته؟
هل سيتجاوب معك ويتفاعل لمحاولة حل تلك المخاوف؟
3- آراء المتخصصين
إن الشباب في بداية أعمارهم، وخاصة إن كانت تلك هي العلاقة الأولى لهم، يمكن أن يستشيروا بعض المتخصصين في العلاقات الأسرية، أو حتى أحد الأشخاص الموثوق بهم لاستشارتهم في بعض المخاوف أو في الطريقة السليمة للتعامل مع تلك التحذيرات التي تظهر في التعامل.
يجب أن يكون الأمر برضا الطرفين، وأن يكون هناك توافق على الشخص المختار لطلب النصيحة.
4- لا تتغافل
إن رأيت من الشريك عدم اعتراف بأي من أخطائه والاستهانة بمشاعرك ورؤيتك، فإننا لا ننصحك بأن تنهي العلاقة أو تستمر بها؛ فالأمر بالتأكيد متروك لك بالكامل.
لكن تأكد من احتمالية تطور تلك العلامات، وأنها من المحتمل بنسبة كبيرة للغاية أن تصبح نمط الحياة الحقيقي، وأن تتحول يوماً ما إلى العلامات الحمراء التي تنهي العلاقة من دون سبيل للإصلاح.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.