احتكار الحق.. كيف لمعرفتنا المحدودة أن تقلل تسامحنا وتفهمنا للآخر؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/06/21 الساعة 12:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/06/21 الساعة 13:02 بتوقيت غرينتش
احتكار الحق.. كيف لمعرفتنا المحدودة أن تقلل تسامحنا وتفهمنا للآخر؟ - shutterstock

يوماً ما كتب أحدهم منشوراً على الفيسبوك، فعلق أحد المتابعين بتعليق طويل يخالف وجهة نظر الكاتب، وكان مما كتب المعلق لفظة (دعا) على هذا النحو (دعى)، فما فتئ صاحب المنشور إلا وانقض عليه وعنفه بالرد عليه في تعالٍ: تعلم الإملاء أولاً ثم صحِّح لي!

موقف بسيط عابر في يوم غير مميز، جعل العقل يصول ويجول في قضية ربما من أخطر القضايا، ألا وهي (احتكار الحق).

دفعني الموقف لاستنتاج حقيقة أن الكثير من الناس أسير البنية المعرفية الخاصة به، فيظن نفسه قد امتلك الصواب المطلق، والحق الكامل، علماً أن الصواب قد يأتي بصور مختلفة، فلفظة (دعى) على سبيل المثال التي ظن كاتب المنشور أن صاحبنا المعلق أخطأ فيها صحيحة، ولا شيء فيها، ذلك أن كثيراً من العلماء الثقات أجاز أن تكتب ألف الفعل الثلاثي ألفاً طويلة في كل حال، ولا يشترط أن نبحث في أصلها وهل هي منقلبة عن واو أو ياء، فنقول مثلاً قضا وقضى، ودعا ودعى، وسعا وسعى، وما إلى ذلك من الأفعال الثلاثية التي تنتهي بألف مقصورة!

فيقول عالم اللغة أبو زكريا الفراء مثلاً: (إنْ كان من الياءِ كتبتَه بالياءِ، وجاز كتابتُهُ بالألفِ، مثل: قضى، يكتب بالياءِ والألفِ).
ويقول ابن خالويه كبير النحويين: (وما كان من ذواتِ الياءِ كتبتَه بالياءِ، وأجاز النحويون جميعاً كتبَها بالألفِ)، والأمر فيه تفصيل كبير.

وأخذني التفكير لأتذكر أثناء دراستي في الأزهر الشريف بالمرحلة الإعدادية والثانوية، وما كان يقوله لنا مدرس الفقه حين يرى طالباً قد حاز صفراً في الاختبار: "كيف أن تأتي بصفر في مادة الفقه؟".

إذ كانت جل مسائل الفقه يجوز فيها الوجهان (الجواز، وعدم الجواز) ولكل رأي أدلته، اللهم إلا في بعض المسائل التي لا خلاف فيها.

لذلك، ينبغي على الفرد أن يدرك أنه ينبغي له أن يتحلى بوعي يمكنه من التعبير عن نفسه بما يتوافق مع بنيته المعرفية. كما يجب أن يتبنى نظرة متسامحة وعقلانية تسمح له بفهم وتقبل الاختلافات مع الآخرين، والاستفادة من وجهات نظرهم وتجاربهم.

كن مدركاً أنك لا تقول إلا ما تفرزه البنية المعرفية لديك، وتصورك للأمور مبني على خلفيتك أنت، وتفسيرك للأشياء مبني على نظرتك أنت، وقد لا تدرك أن بنيتك المعرفية ناقصة، فلا ترى في نفسك جملة من العيوب التي تنفر الناس منك، وتبعد الأخيار عنك.

في المقابل، محال أن ترى تشابهاً بين البشر، لكن المشاكل لا تأتي من انعدام التشابه، بل تأتي من ضعف التعامل مع هذا الاختلاف، ومما يقوي قدرتك على التعامل أن ترى الأمور من منظور الطرف الآخر وتتفهمها، ولا شك أن هذا يتطلب وعياً وعقلانية وتجرداً من العاطفة والقدرة على الاستماع والتعلم والاستفادة من الآخرين.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سيد حمدي
كاتب وصحفي مصري
تحميل المزيد