بعد محاولات عديدة فاشلة وسقف توقعات منخفض، توجه وفد من القادة الإفريقيين بمبادرة سلام جديدة لإيجاد حلّ سلمي للحرب الروسية على أوكرانيا، وبموجب الزيارة التي شملت روسيا وأوكرانيا، أنهى الوفد المكون من رؤساء أربع دول وممثلين عن رؤساء أوغندا والكونغو ومصر، مباحثاته مع بوتين وزيلينسكي، لكن على ما يبدو أنها لم تخرج بنتائج مشجعة؛ إذ جدد زيلينسكي رفضه لأي عملية تفاوض مع روسيا بأي شكل من الأشكال.
وتعد المبادرة السلام الإفريقية هي الأحدث في سلسلة المبادرات التي طرحتها العديد من الدول، والتي سعت إلى إقامة محادثات سلام بين طرفي الحرب، وعلى الرغم من تعدد محاولات التسوية السلمية السابقة، إلا أن جميعها لم تحصل على موافقة رسمية من الأمم المتحدة، ولم يحدث أي تحول ملموس.
الرفض المباشر الذي استقبل به زيلينسكي المبادرة أظهر عدم رغبة أوكرانيا في حل الصراع بطرق دبلوماسية؛ خاصة أن الغرب لم يظهر اهتمامه بهذه المبادرة ولا حتى بالمبادرات السابقة، رغم احتواء المبادرة على نقاط مهمة تركزت على وقف التصعيد من الجانبين والبدء في مفاوضات سلام في أسرع وقت.
إن المحاولة التي قادتها الدول الإفريقية لإيجاد حلول سلمية للصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا، ناتجة بالأساس من التداعيات الاقتصادية والسياسية التي تعاني منها الدول الإفريقية منذ بداية الحرب إلى اليوم؛ لذلك بدأت المبادرة كمحاولةٍ من الدول الإفريقية لتخفيف الضغوط التي أنتجها هذا الصراع.
من جهة أخرى، تأتي هذه المبادرة كرد على اتهامات من الولايات المتحدة لجنوب إفريقيا بشأن تزويدها روسيا بالأسلحة سرّاً رغم اتخاذها موقفاً محايداً علناً من نزاعها مع أوكرانيا، وبين الضغط والسعي للتخلص من تداعيات الحرب قدمت هذه الدول مبادرة وصفت أنها الأفضل حتى الآن.
طرح المبادرة الإفريقية
إذ تقضي المبادرة الإفريقية بوقف إطلاق النار وسحب الأسلحة، عقب إطلاق المفاوضات بين الجانبين، وأن تعرض مبادرة أخرى في المرحلة الثانية من المفاوضات على روسيا إزالة الأسلحة النووية التكتيكية من بيلاروسيا، والقيام بعدد من "إجراءات بناء الثقة".
ومن أجل تسريع التوصل إلى حل سلمي وقد تعرض هذه الدول سحب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية، كما تقوم الخطة على أن الحل يجب أن يكون على أساس ضمان سيادة الدول وحق الشعوب في تقرير مصيرها وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، وأنه توجد حاجة لتقديم ضمانات أمنية لجميع البلدان، وتقترح الخطة كذلك تركيز الانتباه إلى موضوعات نشر الأسلحة النووية التكتيكية، والسيطرة على الأسلحة البيولوجية، وتوقيع معاهدة جديدة بشأن القوات المسلحة لأوروبا.
لماذا ترفض أوكرانيا المبادرة، بينما تقبلها روسيا؟
رغم احتوائها على العديد من المخرجات المهمة والتي كانت ربما قادرة على إحداث فارق في الأزمة الروسية الأوكرانية، إلا أن مصيرها جاور سابقتها الصينية؛ بسبب رفض كييف بقيادة زيلينسكي أي تفاوض مع موسكو قبل سحب جميع قواتها من الأراضي الأوكرانية حتى حدود عام 1991، أي انسحاب روسيا من شبه جزيرة القرم أيضاً، التي استولت عليها سنة 2014، إضافة إلى المناطق الأربع التي ضمتها موسكو العام الماضي، وهي دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون، وهو الشرط الذي تعارضه روسيا والذي ترفض بسببه إجراء أي خطوة قبل الجلوس على طاولة المفاوضات وأخذ ضمانات أمنية.
في المقابل، رحّبت روسيا بالمبادرة وكان ذلك متوقعاً فمن المستبعد أن ترفض موسكو هذه المبادرة الإفريقية لعدة أسباب، أهمها رغبة هذه الأخيرة في حشد الدول الإفريقية وتقوية العلاقات السياسية والاقتصادية لتعويض فقدان الأسواق الغربية، والتأكيد أن روسيا ليست معزولة عالمياً.
إن ترحيب روسيا ورفض أوكرانيا، أو بمعنى أدق رفض الغرب لمبادرات السلام المطروحة، ما هو إلا إشارة إلى سعي إدارة بايدن والغرب إلى تحقيق الهدف الأساسي الذي صرحت به في بداية الحرب وهو إلحاق الهزيمة بروسيا بوتين، على حد تعبيرها.
وهو ما يظهر من بداية الحرب في طريقة عسكرة الجبهة الغربية، وموافقتها على شن أوكرانيا هجمات داخل الأراضي الروسية. فما نقف أمامه اليوم هو تطور خطير في الحرب الروسية الأوكرانية، في ظل الهجوم المضاد الذي تشنه القوات الأوكرانية والتحالف الدولي الذي تحاول ألمانيا وبريطانيا حشده من أجل تزويد أوكرانيا بمقاتلات F16 لتتجاوز بذلك كل التوقعات التي ترمي إلى إحلال السلام وإنهاء الحرب.
يمكن القول بأن ما نجحت به هذه المبادرة هو توضيح أن إدارة الصّراع هناك قد سلكت منهجاً ينص بإجماع على إعلان "الحرب الشاملة" ضدّ روسيا؛ حيث تدور في أساسها بين روسيا من جهة والقوى الغربية من جهة أخرى، وعليه فإن مبادرات السلام التي طرحت وستطرح مستقبلاً لم ولن يكون لها أي تأثير على أرض الواقع، طالما أن الغرب يريد استمرار هذه الحرب ويدعم أوكرانيا عسكرياً للاستمرار بها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.